الماركسية والملكية والصحراء

احمد نشاطي
احمد نشاطي

بقلم احمد نشاطي //
المتورطون في قتل حركة ما، ليسوا دائما هم أعداؤها، ولا حتى خصومها، بل أحيانا هم المنتمون إليها، أو مناصروها، وهذا حال الماركسية نفسها، مع بعض المنتسبين لها، من الذين مازالوا يرددون أسطوانة مشروخة عن الملكية، والصحراء، والثورة، والحزب الثوري، حزب الطبقة العاملة، والذين يشكلون، اليوم، حالة غريبة تستحق أن تتحنّط في متحف قديم…
أستحضر، هنا، محمود أمين العالم، رغم عدد من الملاحظات على إنتاجاته الفكرية، إلا أن اجتهاداته جديرة بالتقدير، وضمنها حديثه عن القوانين العامة للماركسية، المعبرة عن العلل والأسباب الفاعلة، من قبيل الصراع الطبقي، والعلاقة بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، ليخلص إلى أن الوعي المتقدم بهذه القوانين يفضي إلى أنه لا سبيل إلى القول بحتمية قدرية في الماركسية، وأن الذين يصفون نظرية ماركس بهذه الحتمية، هم من خصوم الماركسية ومن أشياعها كذلك. فالخصوم يتخذون من هذا الفهم ذريعة لاتهام الماركسية بالمادية الجامدة الميكانيكية غير الإنسانية، أما المناصرون، فيتخذون هذا الفهم لتبرير ممارساتهم الإرادوية السياسية، التي يفرضونها فرضا على المجتمع والناس والواقع، في تعارض مع ضرورات الواقع وإرادات الناس!
وهذا هو حال “الكاماراخ” الداعين إلى التحالف مع الأصولية، لتحشد لهم الحشود لإنجاز الثورة وتحقيق مهماتها الأساسية في الخلافة والتخلف والظلامية، وإقبار كل قيم ومبادئ التحديث ودمقرطة الدولة والمجتمع…
الكاماراخ يضعون أنفسهم، في عدد من القضايا، وفي مقدمتها الملكية والصحراء المغربية، خارج الوطن، ويناهضون فيها الأغلبية الساحقة من المغاربة، فعوض أن يستمعوا جيدا لنبضات شعبهم، الذي انفض عنهم في الأزقة والدروب خلال النهوض الفبرايري، ويستمعوا لإرادته في استكمال وحدته الترابية، يعتبرون هذا الشعب مضلَّلا، وأنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة، ومن لا يشاركهم الرأي، دائما في قفص الاتهام: إما خائنا، أو رجعيا، ويمينيا، ومخزنيا، وفي أحسن الأحوال مضلَّلا!
وهذا هو مضمون الهجوم الكاسح للقيادي بالنهج الديمقراطي الحبيب التيتي على البرلماني عمر بلافريج، والقيادي بفدرالية اليسار الديمقراطي إبراهيم ياسين، بالقول “يتعرض النهج الديمقراطي إلى قصف من جهات متعددة في هذه الفترة لأنه رفض أن يكون معارضة حكومة صاحب الجلالة”، ويبلغ الهجوم ذروته باتهام إبراهيم ياسين، القيادي بمنظمة 23 مارس سابقا، بتهمة طفولية “التشكام”، بالقول إن إبراهيم ياسين “يعلم جيدا أسس موقف إلى الأمام من قضية الصحراء، لكننا نراه اليوم يغمز من قناة التشهير بموقفها كموقف له خلفية تآمر وتخابر مع الأجنبي”.
تهمة مثيرة للضحك، وكأن الدولة لا تعرف شيئا عن الموضوع، وتنتظر إبراهيم ياسين ليقول لها إن الموقف من الملكية هو الذي دفع “النهج” إلى التقرب من جبهة البوليساريو! موقف هؤلاء معلوم منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو موقف يعادي الأغلبية الساحقة من جماهير الشعب المغربي، ويناهض إرادتهم في تجسيد حقوق المغرب الشرعية على أقاليمه الجنوبية…
وبهذا الصدد، نشير، أولا، إلى أنه ليس جديدا القول إن الحركة الديمقراطية، واليسارية تدقيقا، بما فيها الحركات المتحدرة من التنظيمين “23 مارس” و”إلى الأمام”، التي كانت تجمعت في إطار حزبي موحد، أسست أرضيتها السياسية على النضال من أجل “الإصلاح الديمقراطي”، ومن أجل “بناء ملكية دستورية برلمانية باعتبارها الوسيلة الحضارية للتقدم والتنمية والتطوير”.
ثانيا، إن ما قام به إبراهيم ياسين هو تسمية الأشياء بمسمياتها، أما تغليفاتها القديمة والجديدة بشعارات “التحرر الوطني”، و”تقرير المصير”، فتلك مسألة لا تنطلي على أحد، وسبق لفقيد الحركة الديمقراطية المغربية، عبد السلام الموذن، أن وضع النقط على حروفها، وأبرز انحرافاتها، وأوضح كيف أن “المسألة المطروحة ليست مسألة تحرر اقتصادي للصحراء، بل مسألة حق سياسي للمغرب في رسم حدود ديمقراطية لدولته الوطنية”، قبل أن يخلص إلى أن “العدو الأول للفكر الماركسي هو التجريد المتافيزيقي”، وأن “من أبرز خاصيات هذا التجريد هو التعامل مع المقولات والمبادئ كمنطلقات ثابتة لا تتغير”، وأن “الماركسية تتميز بكونها تخضع جميع المبادئ، مهما كانت قدسيتها، للشروط العينية الملموسة للحالة المحددة، التي هي قيد الدرس والتحليل”، وأنه “على هذا الأساس، يمكن للمبدأ نفسه أن يكون قابلا للتطبيق هنا، وغير قابل للتطبيق هناك”، وأنه “حين يساند أصحاب تقرير المصير ذلك المبدأ، لا لسبب إلا لأن (الشعب الصحراوي) طالب به، فهم بذلك يضعون فكرهم على أرضية التجريد المتافيزيقي المبتذل”.
في المحصلة، يقول لينين، مادام هؤلاء يحلو لهم الاستشهاد به، إن “مطلب حق الأمم في تقرير مصيرها، ليس مطلبا مطلقا، بل هو جزء من مجموع الحركة الديمقراطية. وفي بعض الحالات الملموسة، يمكن للجزء أن يدخل في تناقض مع الكل، وهنا يجب معارضته”. لكن هؤلاء الذين يتشدقون بلينين، عوض أن يعارضوا، في حالة النزاع المفتعل حول الصحراء، مطلب تقرير المصير، وضعوا أنفسهم في معارضة صريحة لما قرره وأراده الشعب المغربي…

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد