اللغة الأم للحفاظ على ثقافة الشعوب

منار بن البوعزوي

اللغة الأم هي مفتاح التواصل وأساس التفكير، برزت أهميتها الكبيرة في مختلف المجالات و الأصعدة ( النفسية والاجتماعية والمعرفية والثقافية…)، نظرا لمكانتها المهمة في الحفاظ على ثقافة الشعوب، و دورها المحوري في تطوير الأفكار وإيصالها إلى الآخرين. اللغة الأم ليست مجرد أصوات أو كلمات تنطق فحسب، بل نواة أساسية لتحصيل المعرفة وتطوير الخبرات، وهذا ما يفسر الحاجة الملحة لاكتسابها منذ بداية النشوء.

تعتبر اللغة الأم المعين الأكبر للفرد كلما أراد الحديث عن أفكاره أو مناقشة أفكار الآخرين، فيستقي منها الكلمات والمصطلحات والتراكيب والتعبيرات والأمثال…فينجح في إيصال المعلومة بشكل كامل  ودقيق . اللغة الأم ملاذ الفرد ومأواه إذا أراد التعبير عن مشاعره وأحاسيسه وانفعالاته، أو ترجمة أعماله أو أعمال غيره من آراء وأفكار ومعان وعواطف… عادة ما يلجأ إليها إذا تعثر لسانه واضمحل بيانه بأي لغة أخرى. لا يعود الفرد إلى اللغة الأم لأنه عاجز عن التعبير بباقي اللغات الأخرى، بل لأنه يشعر بأن أنفاسه وعروقه تحمل شيئا من حروفها وكلماتها.

بطريقة أخرى، يمكن القول أن اللغة الأم هي وحدها القادرة على التعبير الدقيق عن معتقدات المجتمعات وتقاليدها، كما يمكن اعتبارها جسر للاتصال والاندماج في المجتمع الواحد. إنها ركن أساسي في بناء الأوطان، شأنها شأن باقي الأركان الأخرى كالأرض والعلم والجنسية…

اللغة الأم جزء لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية، وخصوصية من خصوصيات البلد الأم، وسمة من أبرز سماته. ومثال لذلك، أن الأمثال الشعبية الخاصة بكل بلد على حدة ، لا يمكن أن تحكى أو تفهم بعيدا عن اللغة المحكية أو اللغة الأم.

على الرغم من أن اللغة الأم تُعتبر أداة تحفظ تطوّر تراث البلد وثقافته وتاريخه، إلا أنها تتعرض اليوم إلى الاندثار لأسباب متعددة، فتكاد تضيع معها التقاليد والذاكرة والأنماط الفريدة في التفكير والتعبير.

من جهة أخرى ، تجدر الاشارة إلى أن مجموعة من الأبحاث العلمية  أثبت نجاعة اللغة الأم في النمو الذهني للأطفال، وبناء على ذلك، دعت منظمة اليونيسكو المهتمين بالشأن التربوي إلى اعتماد اللغة الأم  خلال السنوات الأولى من عمر الأطفال، لتيسير تعلم اللغات الأخرى. كما أثبت الدراسات كذلك فعالية هذه اللغة في نقل المعارف وتطوير مهارات القراءة والكتابة وتطوير الفكر النقدي لديهم.

يحتفى في 21 من فبراير من كل سنة  باليوم العالمي للغة الأم، والذي قررت منظمة اليونيسكو الاحتفاء به منذ عام 1999، ومن ثم تم إقراره عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أهابت بالدول الأعضاء، التشجيع على المحافظة على جميع اللغات التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها.

 تخليدا ليومها العالمي، واعترافا بدورها في النمو المعرفي والتعلم، نظم مختبر العلوم العصبية السريرية بكلية الطب والصيدلة وطب الأسنان بفاس، بشراكة مع مختبر علوم اللغة، الفنون، التواصل والتاريخ بكلية الآداب والعلوم الانسانية ظهر المهراز (جامعة سيدي محمد بن عبد الله)  لقاء علميا يوم الأربعاء 22 فبراير 2023 تحت عنوان:” اللغة الأم: أساس لا محيد عنه” بقاعة الندوات  في رحاب كلية الطب. هذا اللقاء جمع تلة من الأساتذة والباحثين المتخصصين في مجال الطب النفسي، والعلوم العصبية واللسانيات ،قدموا  من خلاله مجموعة من المداخلات العلمية من قبيل :”اللغة الأم وواقع التعليم بالمغرب” والتي أشرف على تقديمها الأستاذ الدكتور علي سبيعة، تلتها مداخلة أخرى للأستاذة الدكتورة رحمة بربرة تحت عنوان:” التفكير في اللغة الأم: الحماية، النقل، والتنمية”. كما قدم الأستاذ الدكتور سعيد بوجراف مداخلة بعنوان: “تمثيل اللغة الأم في الدماغ البشري: دراسة باعتماد تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي” ، وأخيرا قدم الأستاذ الدكتور رشيد علوان مداخلة اختار لها عنوان: “الاضطرابات اللغوية عند الطفل”.

  كل المداخلات  التي تم عرضها في هذا اللقاء ،أبرزت الدور الجوهري للغة الأم (الدارجة والأمازيغية) في مجال التطبيب والتعليم على وجه الخصوص، استنادا على مجموعة من الأبحاث التجريبية و عرض بعض الحالات الاكلينيكية التي أوضحت بشكل جلي، انعكاسات عدم استعمال اللغة الأم على الجانب النمائي الوظيفي للدماغ، خاصة في بعده المعرفي واللغوي.

تقرير منار بن البوعزوي.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading