الكلفة الإيديولوجية والسياسية للإعتراف الرسمي بالأمازيغية في المغرب والجزائر

الحسين بويعقوبي
الحسين بويعقوبي

       غالبا ما تحيل كلمة الكلفة في المعجم الاقتصادي على القيمة أو الثمن المادي الذي يعطى مقابل شئ ما, لكننا نستعملها هنا للحديث عن الأمازيغية و كلفتها الإيديولوجية و السياسية بالنسبة لدول شمال إفريقيا خاصة بعد الاعتراف بها كبعد هوياتي و لغة رسمية في المغرب و الجزائر وازدياد حدة هذه المطالب في ليبيا و بشكل اقل في تونس و مصر، دون أن ننسى  الطوارق في الصحراء الكبرى و كفاحهم المسلح مند فترة الاستعمار الفرنسي إلى اليوم ثم تنامي الوعي الهواتي الأمازيغي في بلدان المهجروالاكراهات التي يفرضها على سياسات البلدان الأصلية.

      هذه الكلفة هي التي ربما تعيق أو على الأقل تعرقل كل تقدم للحقوق الأمازيغية حتى في ظل الإعتراف الدستوري بها والذي جاء كما يعرف الجميع في سياقات مختلفة حسب كل دولة لكنها تشترك جميعها خاصة في المغرب و الجزائر في ازدياد الوعي الهوياتي الامازيغي داخليا وبداية بحثه عن بدائل سياسية (حركتي العروش و فرحات مهني بالجزائر… و بيان محمد شفيق وحزب احمد الدغرني -المحظور-  بالمغرب… ) ووجود ضغوطات دولية مند بداية تدويل القضية الامازيغية سنة 1993  وصولا إلى تداعيات الربيع الديمقراطي ل 2011 و اختلاف تدبيرها بين البلدين من سياسة “المال مقابل الإستقرار” في الجزائر إلى استراتيجية التعديل الدستوري و إجراء الانتخابات لمواجهة احتجاجات 20  فبراير في المغرب. و يبقى التنافس بين البلدين في ملف الامازيغية واضح للعيان من خلال المقارنة بين الإجراءات المتخذة ( في الجزائر تأسيس المندوبية السامية للامازيغية تابعة للرئاسة سنة 1995, الاعتراف بالامازيغية لغة وطنية سنة  2002 ثم رسمية سنة 2016 ,بداية ادماج الامازيغية في التعليم الأساسي وخلق شعب الامازيغية في الجامعات مند 1990، إنشاء القناة الامازيغية سنة 2004– و في المغرب تأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية سنة 2001,ادماج الامازيغية في التعليم سنة 2003,بداية خلق شعب للدراسات الامازيغية سنة 2006,إطلاق القناة الامازيغية سنة 2008 ثم الاعتراف بالامازيغية لغة رسمية سنة 2011). ويبقى النص الدستوري و طريقة صياغته و الكلمات المستعملة فيه خير دليل على رغبة الجزائر في استنساخ التجربة المغربية.

      إدا تجاوزنا الصراع التاريخي بين البلدين خاصة بسبب الصحراء المغربية فإن النصوص الدستورية المعترفة بالامازيغية تخفي صراعا إيديولوجيا بين تيارات مختلفة حول تحديد هوية هذين البلدين الجارين, مما يعني أن مسار الإعتراف بالامازيغية في البلدين و النقاش الدائر حوله يعكسان أزمة هوياتية لم تحل بعد, خاصة وان التحديد الجغرافي الذي من المفروض انه يرضي الجميع لم يفرض بعد نفسه أمام المحدد الإديولوجي الذي يختلط فيه الدين بالعرق و اللغة ليبقى الجواب على سؤال “من نحن؟” تائها بين الأمواج الإديولوجية لينتج في الأخير نصوصا دستورية معبرة عن التيه الهوياتي و لم تجب عن السؤال المطروح. من نكن ادن؟  عرب أم امازيغ أم عرب و امازيغ, أم امازيغ معربون أم مسلمون فقط دون التفكير في اليهود و المسيحيين و غيرهم, أم أفارقة أم متوسطيين….أم خليط من كل هذا وكيف نعرف أرضنا و بلدنا؟ امازيغية أم عربية أم إسلامية أم فقط إفريقية ما دام لا احد يستطيع أن يفصل المغرب و الجزائر عن القارة الإفريقية  ؟

       إن إطلالة بسيطة على تطور النصوص الدستورية في كل من المغرب و الجزائر تظهر تطور المضمون الذي يعطى لهوية البلدين شعبا و أرضا. فبعد إقصائها لعدة عقود, وهو ما تلخصه مقولة الرئيس الجزائري احمد بن بلا سنة 1962 “نحن عرب عرب عرب”  تجد الامازيغية نفسها معترفا بها دون القطع نهائيا مع المضمون السابق لهوية البلدين. انه أشبه باعتراف في ظل الإقصاء. فالتعديلات الدستورية الأخيرة في الجزائر أعطت للامازيغية وضع “لغة وطنية و رسمية” مثلها مثل العربية واشترطت وضع قانون لتفعيله(المادة 3 مكرر من الباب الأول). وعلى هذا المستوى فهذا النص يشبه النص المغربي وان كان هذا الأخير قد تجنب استعمال صفة “لغة و طنية”لأية لغة. لكن في الوقت الذي اعترف فيه  المشرع الجزائري في ديباجة الدستور الجديد بالامازيغية و اعتبرها من المكونات الأساسية لهوية الجزائر إلى جانب الإسلام و العروبة (وليس العربية) واعترف أيضا بعراقة التاريخ الجزائري مند العهد النوميدي لم يجد حرجا في أن يعتبر الجزائر جزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير (في النص الفرنسي نجد فقط  ماغريب) بل و ارض عربية ولم يشر النص الدستوري إلى أي التزام اتجاه العالمين العربي أو الإسلامي ثم يأتي الفصل 178 من الباب الرابع ليؤكد على انه لا يمكن تعديل الفصل الذي يعتبر العربية اللغة الوطنية و الرسمية للدولة دون أن تحضا الامازيغية بنفس الحماية.

       أما في المغرب فالدستور الجديد أكثر تقبلا لفكرة التعدد ووسع نسبيا مجالها فلم يعتبر المغرب لا دولة و لا أرضا عربية (نفس الشئ في كل الدساتير السابقة مند 1962) وركز على إسلاميتها و نظامها الملكي و احترام حقوق الإنسان. فتصدير الدستور -الذي هو جزء منه- يعترف بالأمازيغية ضمن الأبعاد و الروافد المتعددة للهوية المغربية إلى جانب العربية-الإسلامية (و ليس العروبة كما في الدستور الجزائري) والصحراوية الحسانية و العبرية و الأندلسية و الإفريقية و المتوسطية. كما استعمل المشرع عبارتي “المغرب الكبير” و “الإتحاد المغاربي” متجنبا بذلك عبارة “المغرب العربي الكبير”. وإذا كانت العلاقات مع العرب و المسلمين قد غابت في الدستور الجزائري فالمشرع المغربي أكد على أن المغرب يسهر على “تعميق أواصر الإنتماء إلى الأمة العربية و الإسلامية” كانتماء هوياتي ميتا-وطني يعبر عنه مفهوم “الأمة” وهو ليس بالضرورة مرتبطا بتعريب مجال جغرافي يسمى قسرا ب”العالم العربي” و تأكد هذا المنحى الذي يبتعد عن العروبة ليعانق التعدد في الفصل 175 في الباب الرابع عشر الذي لا يعتبر العربية من المواد غير القابلة للمراجعة, عكس ما جاء في الدستور الجزائري.

       من خلال هذه المقارنة البسيطة يتبين أن المضمون المراد إعطاءه لهوية شمال إفريقيا من خلال نموذج دستوري المغرب و الجزائر لازال موضوع تفاوض بل و نزاع ايديولوجي وهو ما يتضح من خلال التأرجح بين الإعتراف و الإقصاء من خلال المعجم المستعمل. إن الإعتراف الدستوري بالامازيغية ليس فقط إجراءا تقنيا من خلال وضع نص قانوني والبحث عن سبل أجرأته, بل إن هذا الإعتراف من طرف دول شمال إفريقيا هو بداية تغيير النظرة للأنا و للآخر وهو أيضا سيؤدي لا محالة لتغيير نظرة الآخر لنا. فبعد أن كانت شمال إفريقيا تسمى “المغرب” بمنظور المشارقة ثم “الغرب الإسلامي” في فترة لاحقة ف “بلاد البربر”عند ابن خلدون وجزء من الشرق الذي صنعه الغرب (حسب تعبير ايدوارد سعيد)  وروج له الباحثون المستشرقون ثم “لابيربيري” و “افريقبا الفرنسية” عند الفرنسيين تم “المغرب العربي” في سياق تنامي المد القومي أصبحت المنطقة تبحث عن هوية لا شرقية ولا غربية بل شمال افريقية بصلبها الامازيغي و منفتحة على العالم. فعروبة شمال إفريقيا لم تفرض كهوية إلا في السياق الكولونيالي وصاحبتها الدعوة لإبادة الامازيغية. في هذا السياق جاء في المذكرة التي رفعها أعيان فاس (نفس المطلب لدى أعيان الرباط و تطوان) إلى السلطان ما يلي “احترام اللغة العربية لغة البلاد الدينية و الرسمية في الإدارات كلها بالإيالة الشريفة و كذالك في سائر المحاكم وعدم إعطاء أي لهجة من لهجات البربرية أي صفة رسمية ومن ذلك عدم كتابتها بالحروف اللاتينية” (أبوبكر القادري,مذكراتي…,1992,ص.74) فرفعت شعارات من قبيل “مراكش تريد أن تضل عربية روحا و لغة”(محمد المكي الناصري, فرنسا و سياستها…,1993,ص. 13). لكن رغم التشبث بالعروبة من طرف نخبة الحركة الوطنية السياسية إلا أن قضايا شمال إفريقيا لم تكن تهم المشارقة العرب وقد عبر محمد  حسن الوزاني عن ذلك بقوله “ينضر [إلى بلدان شمال إفريقيا] بعين الكلالة و الهوان لأنه كان يحكم على حالتها الثقافية بالإنحطاط و بنقصان معرفتها باللغة العربية”(محمد حسن الوزاني, حرب القلم,ص.60) وهذا ما جعل مؤسسي جامعة الدول العربية سنة 1947 يترددون في قبول عضوية المغرب لأنه في نظرهم لم يكن عربيا.

وفي الختام نؤكد على أن للإعتراف الرسمي بالأمازيغية في مختلف أبعادها كلفة إيديولوجية و سياسية تتجلى في ضرورة أن يكون ذلك بداية فك الإرتباط الإيديولوجي (وليس الروحي) بالشرق  و التعامل معه ندا للند وبدون مركب نقص وفق مصالح مشتركة ولن يتم ذلك إلا من خلال إعادة قراءة وتقديم تاريخ المغرب ومكانة الأمازيغية فيه تأكيدا للشخصية المغربية المعروفة و المتميزة تاريخيا و جعل المغرب مركزا بدل أن يكون تابعا و لنا في التاريخ عبرة.  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد