حاورتها حنان كرامي//
الكتابة النسائية متميزة جدا في المغرب الذي أعطى أسماء غنية عن التعريف في مجالات وأجناس أدبية عديدة طبعت الساحة الثقافية والفكرية في العالم.
من هي الأستاذة خديجة الحمراني؟
السلام عليكم وشكرا لمنبركم على الإهتمام والمتابعة.أفضل أن أعرف عن نفسي كمربية لأنها صفتي الأولى كوني مجازة في الأدب الفرنسي وأدرس الفرنسية وآدابها بالثانوي، ثم لأن دراستي ومهنتي هما ما شكل بالأساس صفتي الثانية ككاتبة اخترت الشعر بالفرنسية كتعبير عن إنسانيتي أولا وعن أنوثتي وعن هويتي المغربية المتشبعة بالتعديية الثقافية واللغوية.
حديثنا عن بدايتك الأولى مع الإبداع والكتابة؟
يقولون في العائلة أن الإرهاصات الأولى بدأت مبكرة وشكلت نوعا من الفرجة في الوسط الأسري والمدرسي وكانت متشبعة بالقراءة في أمهات الكتب الفرنسية والعربية التي كانت مكتبة البيت المتواضعة تزخر بها. لذلك أردد دائما أنني أتيت للكتابة من القراءة إذ كان الكتاب الهدية والجليس والأنيس، وكانت المطالعة السلاح الأكيد لتطوير الذات والمهارات اللازمة لتجاوز الإستهلاك نحو الإنتاج بالإبداع. بالإضافة للتكوين الجامعي ثم الجمعوي الذين وضعاني أمام نماذج وتجارب وقدوات حية رائدة كان لزاما علي السير على خطاها.
ما الذي دفعك لخوض تجربة الكتابة والابداع…ومن هي الأسماء والخلفيات التي تأثرت بها؟
كثيرة هي الأشياء التي تدفعنا للكتابة وأحيانا لكثرتها وبديهيتها نكاد لا نراها. أهمها هي الرغبة في التعبير عن الذات وهي رغبة وحاجة كحاجتنا للتنفس العميق تكبر معنا وتتضخم حتى تتفجر حين تتهيأ لها الظروف والأدوات الفكرية واللغوية، هي رغبة تتجاوز أحيانا تخطيطاتنا لتختار الشكل واللغة والنوع الذي ستظهر به سواء شعرا أو سردا. وبطبيعة تكويني الأكاديمي بالفرنسية فقد أتت أولى إبداعاتي بالفرنسية متأثرة طبعا بكبريات الأسماء الأدبية الفرنسية والفرانكوفونية من أهرام الأدب الفرنسي الكلاسيكي أولا ثم الحديث وكذا الأدب العالمي المترجم للفرنسية والأدب المغاربي الناطق بالفرنسية وخصوصا منها أهرام الأدب المغربي من الصفريوي والشرايبي والخطيبي وبنجلون وخير الدين وخناثة بنونة وفاطمة المرنيسي وليلى أبو زيد والعروي والجابري إلى اللعبي وشعراء حركة أنفاس وغيرهم، وقراءاتي باللغة العربية شكلت أيضا ذوقي وطبعت اختياراتي وجعلتني أثقن العربية وألج باب الترجمة الأدبية ولو بحذر عقلاني شديد. كما أنني لم أتوقف عن القراءة للكتاب الجدد وبالمغرب أسماء طبعت الساحة الوطنية والدولية تغري بالقراءة.
ما هي ابداعاتك، مؤلفاتك، ونشاطاتك؟
بدأت مغامرة النشر منذ سنة 2010 ببلجيكا وكانت تجربة ثنائية مزجت أشعاري بلوحات رسام رقمي بلجيكي، سنة 2013 شاركت في دواوين جماعية وطنية ودولية عديدة بالفرنسية إلى أن نشرت لي دار إيديليفر الفرنسية ديوان “أرض الشعر” تزامنا مع ديوان “راعية الصمت” بدار سليكي إخوان المغربية، ثم تلاها سنة 2015 ديوان “إنبثاق” عن نفس دار النشر الفرنسية تزامنا مع ديوان “شظايا عشق” الصادر لدى نفس الناشر المغربي وهي دواوين وقعتها في عدة لقاءات ثقافية منها دورات من المعرض الدولي للنشر والكتاب ولاقت إقبالا قرائيا ونقديا لائقين. كما ترجمت أعمال متفرقة أهمها ديوان “الطين المسجور” للشاعر إبراهيم بورشاشن نشره صاحبه بدار إيديليفر الفرنسية سنة 2015.أما بالنسبة لأنشطتي فهي تصب غالبا فيما هو تربوي: أرأس نادي قراءة وكتابة إبداعية بمؤسستي، وأؤطر ورشات قراءة وكتابة إبداعية ضمن مؤسسات متعددة، وأنشط كعضو تنسيقية أكادير لشبكة القراءة بالمغرب، وكعضو رابطة كاتبات المغرب ومن مؤسسي فرعها الجهوي بسوس ماسة حتى يتأتى لي المساهمة الفعلية عن قرب في الساحة الثقافية من داخل مدينتي أكادير.
ماهي المواضيع التي تهتمين بها في ممارستك الابداعية؟
إجمالا أهتم بكل ماهو إنساني، فجذوة الإبداع يحركها جوهر الإنسان في كل مبدع، وإذا أضفنا للوصفة تلك الحساسية الخاصة بذات الشاعرة كإنسانة وكأم وكمربية وكفاعلة نشيطة فالخلطة تكون أكثر تشبعا وتميزا وتاثيرا وتلزمها قراءة خاصة أكثر دقة لإبقائها يقظة. سترينني أكتب في الشأن اليومي للذات وللمحيط المباشر وللمجتمع الأكبر وأخوض في كل ما يحركه أويهزه من أحداث وحتى من أحلام فما الحلم إلا خريطة اليوم لخطوات الغد.
العمل التربوي والهموم الأدبية، كيف يتقاطعان في حياتك كإنسانة وكاتبة؟
كما أسلفت فالعمل الأكاديمي والتربوي هو ما بنى الأساسين المادي و المعنوي لحياتي الأدبية، وبما أن ما حرك ولوجي للكتابة هو ذلك الإهتمام بالآخر والهم في التأثير وإحداث الفارق وترك أثر ملتزم ملموس، فالمرور من حياة لأخرى كان منطقيا وسلسا لأنه استجاب لحاجة إنسانية لذات تحيى للآخرين وأنتم تعرفون الرسالة التي يحملها المدرسون الحاملون لضمائر حية لا تكتفي بالعطاء القليل.
من منطلق تجربتك، ماهي الاكراهات التي يواجهها الكاتب في المجال الابداعي في المغرب؟
سأتحدث أولا عن الإكراه المادي الخاص بالنشر لأن تجربتي الشخصية كمبدعة تأخرت في الظهور بسبب انعدام أي تأطير أو دعم مادي، مما جعلني ألجأ في البداية لدور النشر الفرنسية التي توفر النشر المجاني الرقمي كحل، لكن بالمقابل وضعتني أمام ارتفاع تكلفة اقتناء دواويني الباريسية. وحين لجأت للنشر بالمغرب كان لزاما علي تحمل التكاليف كاملة حتى ترى دواويني النور ببلدي الأصلي ويسهل تداولها وتقديمها للقارئ المغربي.
الإكراه الثاني هو التناول النقدي للشعر الناطق بالفرنسية والذي لا زال البعض يعتبره شعرا هجينا أو غريبا عن مغربيتنا رغم أنه وليد المدرسة والثقافة والبيئة المغربية وأعتبره دائما مكونا من مكونات الفسيفساء الثقافية والأدبية بالمغرب. هناك محاولات طلابية خجولة ومقاربات نقدية فردية تناولت كتاباتي لكن ككاتبة تطمح للمزيد، أنتظر أكثر من النقد كي يقيم تجربتي كلغة وكإبداع وكأسلوب حتى أستمر في العطاء بشكل أفضل. وهذه إكراهات يعانيها الكاتبة والكاتبة على السواء.
على مستوى القيم هل ما تزال مقولة “التزام الكاتب” تتمتع بنفس البريق ونفس الاشعاع؟
إذا كان الإلتزام يعني أن يحمل الكاتب أو الشاعر هموم ذاته الإنسانية أولا أي هموم غيره وتفاعله مع العالم المحيط به سواء القريب أو البعيد كفضاء لممارسة إنسانيته وعيشها بكل ما يلزمها من قيم كالحرية والديمقراطية والمساواة والحب والعدل والتسامح والغيرية وما إلى ذلك، فلا يمكن لبريقه وإشعاعه أن يأفل. وبالأحرى سيصير الدافع والمحرك لكل عمل إبداعي جاد.
على المستوى النقدي كيف تقييمن تجربتك الابداعية والتجربة النسائية المغربية؟
الإبداع عطاء ومن يعطي لا يحبذ دائما أن يقدم تقييما لعطائه، وكما سبق وأشرت أتمنى أن تكون القراءة ويكون النقد جادين نزيهين منصفين لتجربتي الشعرية لأننا بالقراءة والنقد نعرف أين نحن وأين نسير ونقوّم مساراتنا إذا توجب التغيير ونتقدم. لكن ما يصلني من قراءات وانطباعات مباشرة أو غير مباشرة يثلج صدري، خصوصا أن كتاباتنا في زمن التواصل الرقمي السطحي تخضع للمحاباة وهذا ما يعطي غالبا آراء غير موثوقة، تكاد أحيانا تتلخص في نقرات جوفاء، وحين تصلني قراءة نقدية من شخص تعرف على كتاباتي بالأساس أعتبرها قيمة مضافة تغنيني وتدفعني إلى الأمام.
بالنسبة للتجربة النسائية المغربية فلدي تحفظ صغير عن صفة “نسائية” لأن مسألة التمييز أو التجنيس أصبحت متجاوزة منذ زمن، لكن إن قصدت بها فقط التصنيف فالكتابة النسائية متميزة جدا في المغرب الذي أعطى أسماء غنية عن التعريف في مجالات وأجناس أدبية عديدة طبعت الساحة الثقافية والفكرية ليس فقط بالمغرب بل بالعالم والنقد يشهد لها بالتفوق والتجديد.
وماذا عن جهة سوس في الكتابات النسائية؟
أما بالنسبة لجهة سوس ماسة فهناك أسماء عديدة كبيرة برزت بتميزها في القصة والرواية والشعر والتشكيل وبأكثر من لغة وأسلوب منها ما تتمتع بصدى وطني ودولي ومنها من تنشط في إطارات ثقافية وازنة. لكن ما نناضل من أجله في جهتنا الشاسعة والمتناثرة الأطراف هو ضرورة الإنتباه والتعريف بالعديد من الأسماء الوازنة نعم لكن التي لا تشملها تغطية الإطارات الجمعوية الثقافية ولا المهرجانات الإبداعية ولا الحوارات الصحافية، مما يجعلها تعاني من التجاهل وعدم الإحتواء بقدر ما تعانيه من إكراهات النشر والنقد التي تنضاف لمعاناتها من الإكراهات الجغرافية التي تبقيها حبيسة مناطق معزولة عما يجري بالحاضرة المليئة بالحياة الثقافية والفنية.
ماذا عن دخولك لرابطة كتابات المغرب؟
نفس هم النضال ضد التهميش الممنهج أحيانا والإقصاء للأسماء الجديدة والشابة والتشبث بالأعلام فقط رغم أن هناك من الأعمال الصاعدة ما يحمل الكثير من الوهج ومن الدم الجديد للأدب المغربي الحديث وللساحة الثقافية بوطننا الغني والمتنوع. وبعيدا عن كل طعن في مصداقية أي جهة، حين نجد إطارات ثقافية محترمة تكرر إدراج نفس الأسماء في مهرجاناتها أو في جوائزها ولا تسمح للأقلام “الجديدة” – أو “الشابة” أو “الصغيرة” كما يصر البعض على تسميتها وكأن الأسماء الكبيرة بدأت كبيرة- بالبرزو، يصير من الضروري الإلتحاق بإطار يستجيب لمتطلبات الإحتضان بعيدا عن أي تهميش أو تمييز رغم ما يبدو في تسميته. فحين يحكم أي إطار جمعوي ثقافي على الكاتب الناشئ بضرورة الإدلاء بعدد معين من الكتب الورقية والشهادات على مروره في مهرجانات ونشره لأعماله في منتديات ومنابر وهو يعلم طبيعة الإكراهات المادية والمعنوية لتوفير العديد من الأقلام الجيدة كل هذه الوثائق التعجيزية والتي تشبه أحيانا وثائق التأشيرة لبلد مغلق الحدود والقوانين يخشى الإختراق الأمني، يخلق لدي هذا المنطق كما لدى العديد حساسيات ربما يخشى الكثير الحديث عنها حتى لا يحرق أوراق حظوظه في الإنتماء لتلك الإطارات، لكنني أرى أن هذا رأيي وأحب التعبير عنه بحرية في بلد حريات تحترم فيه الآراء المخالفة ويعمل بها كنقد بناء يجعل من الإطارات المنتقدة إطارات مواطنة حداثية منفتحة على الجديد.
والقانون الأساسي لرابطة كاتبات المغرب واضح بهذا الخصوص ومنفتح على كل الأقلام الجادة الجيدة المتميزة وبكل اللغات ويمكن بانفتاح فروعه الجهوية على الأقلام الشابة حتى في المناطق العميقة من إحتضانها والتعريف بها ودعمها بالنشر لها وهذا ما يأمله كل مبدعة ومبدع . وبالمناسبة فرابطة كاتبات المغرب هذه السنة توقع ثاني مجموعة إصداراتها لمنخرطاتها بدعم من وزارة الثقافة وهي توقَّع مؤخرا في رحاب المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 23 بالبيضاء سواء في رواق وزارة الثقافة أو في رواق الرابطة بحضور قرائي وإعلامي نوعي.
ماهو جديدك الآن وهل هناك مشاريع في الأفق؟
لدي ديوانان ينتظران النشر بالفرنسية وديوان باللغة العربية بعنوان “عاشقة الرمال” لم أقرر فيه بعد رغم الانطباعات الجيدة التي تشجعني على نشره. هناك أيضا مجموعة قصصية بالفرنسية أعدها للنشر قريبا ولازلت أكتب وأكتب وغاية طموحي أن تصير لدينا مؤسسات تنظم عمل الإبداع وتؤطره وتدعمه وتروج له بشكل احترافي من النشر للتوقيعات للتوزيع للمبيعات حتى ينال كل مبدع حظه من الظهور ومن الإشعاع ويتفرغ للكتابة بعيدا عن حمل الهم المادي الذي يثقل كاهل الكثيرين.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.