القنيطرة: الدكتور الباحث الأكاديمي أنس أمين في قراءة نقدية لكتاب” رسائل من الحجر الصحي”
أزول بريس- الدكتور أنس أمين
بحسِّه الإعلامي الرفيع وبتجربته في تغطية المواقف وكفاءته في تعرية أو تغطية الأحداث، انخرط الإعلامي النِّقْريس الأستاذ سعيد الهياق كباقي مكونات المجتمع المغربي في محترف أوراش كورونا ملاحظة ومواكبة وتغطية إلى أن أسعفته ذائقته الإعلامية بتوثيق لحظة الجائحة وتدوين ما نُسِج حولها من خواطر ومخاطر من خلال إعداده لكتابٍ جمَّعَ فيه رؤيات شتى لمختلف اليَرَاعَات المغربية التي قاربت الظاهرة من مختلف التمثلات الثقافية الاجتماعية والاقتصادية والفنية وغيرها من المقاربات، من ثمة كان كتاب مادة علمية وتاريخية وتوثيقة لهذه الجائحةٍ دمَّغت المعمور بآفاتها من خلال فيروس استأسد في تلابيب المرفأ الإنساني.
وتأتي أهمية هذا الكتاب فضلا عن كونه جماعِيَ الرؤية والمقاربة أنه كتاب تآلفتْ في متونه التجارب المتباينة والمقاربات المختلفة من سياسية واجتماعية وثقافية وبيئية وفنية، ولعل هذه المشارب ليس من التسهيل التنسيق بينها والجمع بين تشظياتها لولا حصافة الإعلامي المائز السي سعيد الذي أذاب جليد الانفراد وألهب وَبِيصَةَ التجاوُرِ والتجاوُز مع كورونا ضمن إبداعية نَصٍّ تَمَحْرَقَ بين اللغة العربية واللغة الفرنسية ما انفكا أداتين تعبيريتين لأطياف ثقافية من خلال ثلة من الأساتذة الأكاديميين في مختلف المشارب والمعارف والعوارف الذين أضحوا في الضيافة الورقية للأستاذ سعيد الهياق.
وتأتي أهمية هذا الكتاب من خلال مجموعة من التصورات، أهمها:
(رسائل من الحجر الصحي) بحثاً:
إن الجدير بالذكر أن هذا السِّفْر ينزل منزلة البحوث العلمية القمينة بالدراسة والتحليل لما لاطَ به من إواليات موضوعية للكشف عن حقائق كورونا، حيث رسخت مقالات الكتاب واستفزت المعلومات التي بها اتسع أفق الاتفاق والمعرفة المنهجية المستندة على البحث والتمحيص والدليل المنطقي من خلال الباحثين الذين يتهدّجُهم مُنسِّقُ ومُعِدّ هذا الكتاب، حيث إن الإعلامي الهياق يتمكن من إعداد وتنسيق بحث علمي سليم أجاد فيه خطوات إعداده ودبّر اختلاف الاختيارات التي قادته من خلال كتابه إلى الإجابة على إشكالية بحثه بطريقة صحيحة سواء أكانت كمية أو كيفية.
(رسائل من الحجر الصحي) توثيقا:
وتنهدُ أهمية هذا الكتاب إلى خصيصة التدوين، فلمّا كثُرَ اللغط حول كورونا من حيث أسبابُها ووخامَتُها وتبعاتُها وارتطم الشفوي بالشعبي كان لابد من مادة تدوّن الملامسة الحقيقية لهذه الجائحة وتدوين مختلف التصورات والرؤيات التي لاطتْ بها، فاختلج في جُبّة هذا الإعلامي أن يدوّن ما ترفل به حافظة وذائقة الكتاب والمفكرين حتى يصبح للجائحة ذاكرة كتابية يمكن أن نطلق عليه (أدب كورونا)، من ثمة كان هذا الكتاب الجماعي جسرا لإرسال الأفكار عبر المسافات البعيدة والتصورات المتباينة، والتي يمكن اعتبارها واحدة من العلامات الحضارية التي تجعل من البائن أو المندثر افتراضياً ممكن الحاصل؛ ولنا في الأدب العربي ما يُعضِّد ذلك إذ لولا تدوين الشعر الجاهلي في صِحاف تشبه الدواوين الشعرية لاندثرت روايته جراء النقل الشفوي وكما يقول المثل إن هذه الآداب شوارد فاجعلوا الكتب لها أزِمَّة.
(رسائل من الحجر الصحي) تأْريخا
إن الكتابة مرسَم حُروفي لخلود الأفكار ووصمها بالثبات والديمومة لأنها تتطلب القدرة على تصور الأفكار بدقة وعمقٍ ووضوح لذلك تعتبر الكتابة صنعة متخصصة لكل من يحملون معاناة الأرض، وقد وجدت هذه الفئة من الكَتَبَة التأريخ التوثيقي – الذي يمثله الكتاب المدروس – مادة ثرّة لتنسيقها وتبويبها وترتيبها وإعدادها لتصبح مادة بحثية تاريخية بغية الحفاظ على النتاج الإبداعي والإنساني المؤسس على الجوائح بخاصة؛ لذلك فالمادة التاريخية لكتاب سعيد الهياق المُجَمَّع انبثقت جل نصوصه من مقاربتين: المقاربة التوثيقية التاريخية باعتبار التاريخ هو علم السيطرة على المعلومات وتحنيطها، ومقاربة وصفية تاريخية والتي تعتبر عَصَب البحث عن الحقيقة، كما تشكل ذاكرة الأمة المكلومة التي لا يدركها النسيان، وحلقة وصل متينة تصل حاضر الواقع المأزوم بماضيه وتُشْرِفه على مستقبله.
وبالجملة: يعتبر كتاب (رسائل من الحجر الصحي) للمُصَنِّف والإعلامي سعيد الهياق تجميعا توثيقيا ناذرا انفرد به إبان إصداره وكان موحيا لتجارب أخرى اقتفه ولكن الفضل يُهدى للسابق، وأوحت مبادرة توثيقه لوباء كورونا على مدى الجهد الذي بذله الباحث الهياق في تجميع مواد هذه الدراسة الجماعية كما ينم هذه المبادرة المحمودة على حسن اطلاعه وإلمامه بموضوع الدراسة، من خلال تتبعه للكثير من الأقلام التي ارتبطت المرتبطة كلياً أو جزئياً بالجائحة الكورونية والتي يسعى إلى دراستها وإسدال حلول لتبعاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية جراء الحجر الصحي الذي كان ملزما ما يربو على ثلاثة أشهر؛ ويظل ميكانيزم التجميع الذي راهن عليه الإعلامي الهياق خاصية للمتشابهات من الأفكار والآراء بغية تحيلي هذه الرُّزْمانة المقالية وفق علاقة التقارب والتقاطع إزاء موضوع كورونا الذي يعتبر مادة نوَوِيَة للكتاب المدروس من وجهة سوسيولوجية ونفسية وسياسية وبيئية وتربوية وقانونية وغيرها من المشارب التي كسرتِ الجدار الرابع لعقد حوار محموم ومباشر مع كورونا الذي غدا معه الرأي العام والرأي الأكاديمي مُتَشائِلاً يتوق إلى التنطّع من نخاسة هذا الداء.
التعليقات مغلقة.