قرار الرئيس الامريكي “المتهور” في اعلانه القدس عاصمة لاسرائيل قرار يفتقد الى الحكمة و النضج السياسي الذي تحلى بها الرؤساء الامريكيون السابقون.
القراءة الواقعية لقرار ترامب تؤكد انه قرار اتخذ في ظروف سياسية تعيشها حاليا منطقة الشرق الاوسط لفرض تصور و واقع سياسي بالقوة الناعمة المرتكزة على القوة الامريكية المهيمنة على العالم، و هذا أمر طبيعي شأنه شأن الامبراطوريات العظمى التى فرضت هيمنتها في التاريخ كالامبراطوريات الرومانية و الاموية و العباسية… و التي فرضت واقعا بالقوة يدخل الان ضمن الشرعية التاريخية .
لكن ان يتجاوز الرئيس ترامب القرارات الدولية و منها قرار مجلس الامن 242 الداعي الى احترام حدود الدول بالشرق الاوسط و يوحي الى الدولتين: الفلسطينية و الاسرائيلية ، فذلك يشرع لقانون القوة المنفلت من ضوابط الشرعية الدولية مع ما ينتج عنه من مخاطر يشرعن للقوة اسوة بما قامت به روسيا في ضمها لجزيرة القرم الاوكرانية.
شرعنة القوة الناعمة كما فعل ترامب في تغيير ما هو ممكن أن يؤدي الى سلام بين الفلسطينيين و الاسرائيليين لن يساعد الا في تقوية قوى التطرف في الجانبين لاسالة المزيد من الدماء و تأجيج الصراع و ادامته. فالقدس، قبل ان تكون فلسطينية بحكم التاريخ و الواقع أو اسرائيلية بحكم التاريخ و الواقع كذلك، هي ارث انساني و ارض الديانات السماوية و تتطلب تسوية عادلة عبر تطبيق الشرعية الدولية في اقامة دولتين فلسطينية و عاصمتها القدس الشرقية و دولة اسرائيلية و عاصمتها القدس الغربية، و تبقى الاماكن المقدسة للديانات الثلاث منطقة مفتوحةللجميع تحت السيادة الشرفية للدولة الفلسطينية او مشتركة بين السيادتين الفلسطينية و الاسرائيلية. منطق الشرعية الدولية هذا هو ما يريد الرئيس ترامب تخريبه لصالح الطرف الاسرائيلي، و لن يفيد هذا اسرائيل كدولة محتلة للضفة الغربية و قطاع غزة و القدس الشرقية التي هي جغرافية الدولة الفلسطينية حسب قرارات الشرعية الدولية، و لن يفيدها كذلك في محاولاتها الانتماء الى منطقة الشرق الاوسط ما دامت لم تلتزم بهذه الشرعية.
بقي ان نشير الى ان الفلسطينيين يعيدون انتاج ظروف انكساراتهم و ماسيهم لعدم استغلالهم للظروف السياسية المتاحة لهم. فلا التهييج و لا الخطب النارية و لا الشعارات العاطفية التي ابتليت به ساحاتنا منذ قيام دولة اسرائيل الى اليوم لم تزد قضيتهم الا تدهورا و هزائم و انقسامات. فمنذ التقسيم الذي اقرته الامم المتحدة عام 48 الى مبادرات الزعيم التونسي الراحل بورقيبة في نهاية الخمسينات و الملك الراحل الحسن الثاني في الستينات لقبول التقسيم و الامتثال للشرعية الدولية أنذاك لانقاذ مايمكن انقاذه (و التي لم يقبلها الفلسطينيون و وراءهم القادة المهيمنون أنذاك،) بقيت الشعارات هي نفسها و الخطب الحماسية هي نفسها و بقي التهييج الشعاراتي و العاطفي للشارع من اجل فلسطين وسيلة لكسب مواقع سياسية في الداخل ( و اليوم يكرر التاريخ نفسه)، فلو قبل الفلسطينيون في تلك المحطات التاريخية منطق التاريخ باستغلال تلك الفرص المتاحة لهم لما وصلوا الى ما وصلوا اليه اليوم من ضياع و تشرد و تقاتل على السلطة بامارتين في رام الله و غزة.
ذ. الحسن زهور
التعليقات مغلقة.