الفكر الموروث والفكر المكتسب
بقلم : محمد شنيب//
إن الإنسان (أكان أنثى أم ذكر) بمجمل أفكاره وشخصيته وعاداته وما يؤمن به وما يعتقده هو خليط من تجمع ما ورثه من تراث ثقافي إجتماعي ومن معتقدات تعلمها في طفولته من ميثولوجيا سائدة في مجتمعه وما تنبثه من عادات وتقاليد، والتي يكون فيها الدور الأساسي لتعلمه وإدراكه لها أولا وقبل كل شيئ البيت والعائلة التي يولد ويعيش فيها (وبالطبع المقصود به بالموروث هنا ليس الصفات الجسمية أو الجينية الوراثية ) وكذلك ما توصل إليه بقناعاته الشخصية حسب ما تعلمه في دروب حياته وما عاشه من تجارب ذاتية مختلفة، والتي تبداء مع الأطفال والجيران والشارع والنَّاس ثم المدرسة والمدرسين الذين يحتك بهم ثم أيضآ ما يتعلمه في مسيرته في الحياة العملية (المكتسبة).
غير أنه لهذه الموروثات والمكتسبات في مرحلة الطفولة وبعد تداخلها فيما بينها يبقى لها الأثر الكثير في سيكولوجية الإنسان ونظرته للمجتمع والعلاقات الإجتماعية وفي إنتمآته الفكرية والسياسية كلما تقدم في السن وتبدو تأثيراتها أكثر وضوحآ حتى في مراحل متقدمة من حياته؛ وأيضآ حتى ما يحدث له من تغيرات فكرية متأخرة في حياته والتي نسميها مرحلة النضج.
علينا النظر أو إعتبار هذا الموضوع ليس فقط من ناحية التأثير فقط بل أيضا مهم جدآ إعتباره في إيطار التغير والديناميكية التي دائمآ تسير عالمنا منذ القدم وتأثيراتها على الإنسان (سواء كانت أنثى أم ذكر).
الفكر الموروث والتقليدي الذي نعيشه في منطقتنا في الشمال الأفريقي هو وليد تراكمات تاريخية منذ ألاف السنين الذي مرت عليه الكثير من الحضارات والثقافات الإنسانية ولاشك كان وما زال لأثر الديانات التي سادت هذه المنطقة أثرآ كبيرآ على الشخصية الشمال أفريقية. ويتضح تأثير الأساطير الأمازيغية القديمة في الشمال الأفريقي وتفسيراتها لبعض الظواهر الطبيعية في المناطق المختلفة في الشمال الأفريقي والتي يتناولها كتاب الأستاذ “محمد أسوس” بعنوان ” كوكرا الميثولوجيا الأمازيغية” والصادر في عام 2008 .والملاحظ أن هذا الأثر يرجع إلى حتى ما قبل مجيئ الديانة الإسلامية مع الغزو العربي وبداية التاريخ الإسلامي في الثقافة وطرق الحياة المعاشة لدينا في الشمال الأفريقي.
ولاشك أنه منذ فترة ظهور التيارات الإسلامية ،المتطرفة في نهاية السبعينات وبداية ثمانينات القرن الفارط ، التي بدائت بتعميق الفكر والبعد السلفي والوهابي والذي يحجم إرادة الإنسان ويسلبه من كل إمكاناته وقدراته لدرجة أن يبقى الإنسان لا قيمة له في كل شيئ يفعله ويقوم به لإن هذا الفعل هو،حسب معتقدهم،”مكتوب” منذ الأزل ويلخص الإنسان في كونه مخلوق وبدون عقل وأن كل ما يقوم به الإنسان قد كتب في اللوح المحفوظ منذ الأزل ومن ثم سابقآ لحدوث ما يقوم به الإنسان من فعل..!!!
قد نلتقي اليوم مع أي شخص أو شخصية وإذا ما سألناها ما إسمك ستقول أو يقول ” فلانة أو فلان إن شاء الله”، وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على أن الإسم ليس معروفآ بعد مع العلم بأنه تم تسجيله كواقعة حقيقية حدثت منذ فترة زمنية سابقة…!!!وكذلك إذ سألت أحدهم هل وصلت أم هل أخدت الطائرة أو القطار أوالسيارة ستأتي الإجابة ” وصلت إن شا الله” مع أنه هذا الشخص قد وصل فعليآ وواقف أمامك دمآ ولحمآ!! ونرى وبكل وضوح أن هذه الإجابات قد تأتيك ،وبعفوية، من الكثير من الناس حتى وإن كانوا متعلمون ومتحصلون على شهادات عالية وأحيانآ حتى وإن كانوا علمانيون، وهي إجابة ليس مقصورة على محدودي التعليم والمتدينين فقط.
لا شك أن هذا يظهر ويوضح مدى تأثير الفكر والثقافة الموروثة والكثير ما تكون مبنية على الفكر الغيبي المستشري لا إراديآ حتى بين المثقفين والعلمانين من ناحية ومن ناحية أخرى عدم قدرتهم بعد من التخلص من هذا الفكر القابع في خلفيتهم الذهنية،وفي الكثير من الحالات تنبع مثل هذه الإجابات من باب المجاملة والتي هي سمة منغرسة في الفكر الموروث ويصعب على الكثير التخلص من تأثيرها حتى في ترجمة الأمور الحياتية اليومية بل قد يكون لها تأثير حتى عند العلمانيين في تقييم الأمور التي تقابلهم وتطلب منهم أحيانآ تحديد موقف الذي يكون في بعض الأحيان نتيجته موقف متأثر بالفكر الموروث.
إن التخلص من تأثير الفكر الوراثي في الحوار اليومي بل حتى في الممارسة الحرية اليومية بالنسبة للمثقفين العلمانيين ليس من الأمر السهل، فالفكر الوراثي السلبي الذي مازلنا نعاني من تراكمه عبر الأزمنة التي عشناها كبشر متفاقم ويحتاج إلى إدراك آني من كل من يريد أو ينوي التخلص منه لإفساح المجال أمام الفكر المكتسب الذي يعكس الواقع الإنساني والحقيقي وبطريقة علمية مجردة.ولإنجاحه يجب علينا مواجهة الفكر الموروث المتخلف والدفع وبكل جرأة بالفكر المكتسب الذي يعكس مواجهة حياتنا بأسلوب عصري متبنيآ للحداثة ومتطلعآ لتطبيق وتنفيذ ما تتطلبه منا الحياة العصرية .
طرابلس يونيو 2020
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.