الفرياضي، حزب تامونت والعلاقة مع إسرائيل ! ردا على هجمات الإسلامويين وعروبيي “النهج”

*عضو اللجنة السياسية لحزب تامونت للحريات

—————–

قبل البدء:

كلما تيقن “دعاة الإسلام السياسي” و”سَدَنة القومية العربية” بالمغرب أن مصداقية خطاب الحركة الأمازيغية تنخر، بشكل تراكمي، أطروحتيهما المفلستين، كما نخرت الأرَضَة مِنْسأة سليمان، إلا واستنجدوا بأسطوانتهما المشروخة في اتهام الحركة الأمازيغية ونشطائها بالتخابر مع إسرائيل والعمالة لأجهزتها السرية والعلنية.

تامونت” وإسرائيل: في أسباب النزول

لم يخف مريدو خطاب الإسلام السياسي وأيتام القومية العربية بالمغرب، غيضهم من الدينامية الترافعية والتنظيمية لمناضلي “حزب تامونت للحريات” وإصرارهم العنيد على الخلخلة المستمرة للبنى التقليدية للمشهد السياسي المغربي في أفق التأسيس لمشروع مجتمعي جديد بالمغرب. بل الأكثر من ذلك أنهم كشروا عن أنيابهم محاولين النيل من صورة هذا التنظيم الحزبي الإستثنائي والجديد على الركح السياسي المغربي.
غير أن عَرّابي هاتين الأطروحتين المفلستين لم يجدوا في الواقع سبيلا إلى التفاعل مع هذه الحركية سوى بالاستنجاد بأوهام اختلقوها اختلاقا، في محاولة بائسة للتأثير على الرأي العام الوطني ودغدغة مشاعره. وذلك عبر اتهام الحزب ومناضليه بخدمة “أجندة” متوهمة لدولة إسرائيل في المغرب وتلقي التمويل الأجنبي لتنفيذها.
وإذا كانت المناسبة شرطا كما يقال، فإن محاولة بعض “الإسلامويين” وبعض “يساريي القومية العربية” النيل من “وطنية” المشروع السياسي لحزب تامونت للحريات – عبر النيل من وطنيتي كمناضل بهذا الحزب سبق لي أن زرت إسرائيل علانية – تعتبر مناسبة سانحة لوضع النقط على الحروف بشأن حقيقة علاقتنا مع إسرائيل. لا سيما وأن تلك الإفتراءات التي طالت “حزب تامونت” كتنظيم سياسي وطني قد صدرت في وقت سابق عن مسؤولي جمعية تدعى “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” المقربة من حزب “العدالة والتنمية” المسير للحكومة المغربية. وأبى بعض الرفاق المستلبين في حزب “النهج الديمقراطي” إلا أن ينخرطوا هم أيضا في حملة ترويجها مؤخرا.

نظرتنا إلى إسرائيل… اختلافات وتقاطعات

الواقعية والجرأة والوضوح، هي الصفات الثلاثة التي اتصفت بها الحركة الأمازيغية والتنظيمات التي ترعرعت في مشاتلها – ومن ضمنها طبعا حزب “تامونت للحريات” – في صياغة مقاربتها لطبيعة العلاقة الإستراتيجية التي يجدر بالمغرب نسجها مع الدولة العبرية. وذلك في مقابل مؤسسات “المغرب الرسمي” والتنظيمات الحزبية والمدنية التي تسبح في فلكه، والحريصة على المزاوجة بين التعامل “المتقدم” مع إسرائيل في الخفاء و”مناهضتها” بخطابات إنشائية مكرورة في العلن.
إن مقاربة “حزب تامونت” لهذه العلاقة في جملة واحدة، تتأسس على مبدأ الواقعية السياسية ومنطق المصالح الإستراتيجية المتبادلة، بالقدر ذاته الذي تؤطرها الاختلافات الإديولوجية والمبدئية الجوهرية مع الدولة العبرية.

الإختلاف الأول: التباعد الإيديولوجي

لن يستقيم الحديث عن موقف حزب تامونت للحريات من دولة إسرائيل وتصوره لطبيعة العلاقة المفترض نسجها بين بلادنا وبين هذه الدولة إلا باستحضار المرجعية الإيديولوجية للحزب. وعلى وجه التخصيص مبدأ “العلمانية” الذي يعتبر أبرز مبدأ تتأسس عليه الهوية الإيديولوجية لتامونت.
وتأسيسا على ذلك، فإن أولى اختلافاتنا الجذرية مع إسرائيل تتجلى في موقفنا المبدئي من طبيعة نظامها السياسي القائم على نزعة كهنوتية يهودية مكشوفة. مما يعني أن تموقعنا الإيديولوجي الطبيعي تجاه الدولة العبرية لن يكون سوى على طرف النقيض. ذلك لأننا بكل بساطة نؤمن بمبدإ العلمانية المتعالي على جميع الحساسيات الدينية والمستوعب لها في الآن ذاته.
فالنزعة “الإكليريكية” للنظام الإسرائيلي تجعله، من منظورنا، لا يختلف عن قوى الإسلام السياسي والأنظمة الكهنوتية الإسلامية التي نتموضع بشأنها أيضا على طرف النقيض.
كيف ذلك؟
على الرغم من أن الحركة الصهيونية، المؤسسة لدولة إسرائيل، قد حاولت في البداية استنبات نظام سياسي علماني وسط أرخبيل من التوتاليتاريات الدينية بالشرق الأوسط، معلنة بذلك انتسابها لمنظومة التنوير الأوروبي الحديث، إلا أن واقع الحال يكشف بما لا يدع مجالا للشك أن النظام السياسي الإسرائيلي علماني بالإدعاء فحسب.
فالنشيد الوطني لإسرائيل، “الهَتِيكْڤاه”، المفروض فيه أن يكون نشيدا للمواطنين الإسرائيليين بمختلف دياناتهم وأعراقهم يقصي كل من هو غير يهودي، تماما كما هو الشأن بالنسبة للدول الإسلامية التي تنص دساتيرها على رسمية الإسلام كدين للدولة. حيث نقرأ في “الهَتِيكْڤاه” ما ترجمته إلى العربية: “طالما تكمن في القلب نفس يهودية تتوق للأمام نحو الشرق، وعين تنظر إلى صهيون. أملنا لم يضع بعد، أمل عمره ألفا سنة، أن نكون أمّة حرّة في بلادنا، بلاد صهيون”. وهو ما يكشف عن نزوع متأصل نحو الدولة الدينية سرعان ما سيتم ترسيمه بشكل نهائي منتصف السنة الماضية، حين صادق “البرلمان/الكنيست” الإسرائيلي على قانون القومية اليهودية الذي قطع شعرة معاوية مع العلمانية المؤسسة، وذلك بتنصيص بنده الأول صراحة على أن “إسرائيل هي الوطن التاريخي للأمة اليهودية”، وأن “لليهود فقط في إسرائيل الحق في تقرير المصير”.

الإختلاف الثاني: مناهضة الإحتلال

الاختلاف الجوهري الثاني بيننا في “تامونت للحريات” مع إسرائيل، يتأسس على مبدأ مناهضة كل أشكال الاحتلال والاستعمار الذي يعتبره حزبنا من البديهيات غير القابلة للنقاش.
فإذا كانت أدبيات “تامونت” تعلي من قيمة الحرية باعتبارها حقا طبيعيا لجميع شعوب العالم وشرطا أونطولوجيا لتحقق إنسانية الإنسان، فإن موقفها المنطقي والمبدئي لن يكون أقل من الإدانة القوية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واغتصابها وتغول الآلة العسكرية على المدنيين الفلسطيين، بذات القدر الذي ندين فيه النزوع الفلسطيني نحو منطق الإغتيالات والإعتداءات الدموية على المدنيين العزل في الجانب الإسرائيلي أيضا.
إذ كيف يستقيم أن نقر بأن حق الوجود والبقاء والحياة حق طبيعي مشروع لإنسان يقطن “الضفة الغربية” و”قطاع غزة” فيما نحن نصر على حرمان إنسان آخر يعيش برقعة جغرافية تسمى “إسرائيل” من ذات الحق؟ تلك إذن قسمة ضيزى !
صحيح أن الصراع أمر حاصل على أرض الواقع، وصحيح أيضا أن النزاع على تحقيق غريزة البقاء قائم بقوة الواقع وقد بلغ أشده. لكن أيعقل أن يكون الاحتراب وسفك الدماء هو الحل الوحيد لحلحلة واقعية ومنصفة؟ ألن نكون بتشجيعنا لهذا الحل إنما نهدر قيمة الحياة ونسترخص دماء الأبرياء؟ ألن نساهم بذلك في شرعنة العودة إلى حالة “حرب الكل ضد الكل”؟ أليست هذه الحالة نقيضا موضوعيا لحالة المدنية والتعايش السلمي؟ أليست حالة “حرب الكل ضد الكل” مدخلا جهنميا لتحقيق “الفناء” بدل “البقاء” وتحويل المنطقة إلى مقبرة جماعية مخيفة؟
إن تصورنا لحلحلة هذا النزاع يحتم علينا العودة إلى قيمنا ومبادئنا المؤسسة والإنطلاق منها كأساس مرجعي لاجتراح الحل الأنجع في نظرنا لهذا الصراع المزمن. ولا حل يستقيم مع إيماننا بالقيم الإنسانية الكونية إلا حل الإقرار بالحق المشترك في العيش المشترك ونبذ منطق “الدماء المهروقة”.

قضايانا الإستراتيجية وفقه الأولويات

يتساءل البعض هل سافرت إلى إسرائيل قبل عضويتي في “حزب تامونت” أم بعد عضويتي، كما يتساءل آخرون هل تعتبر مواقفي هي ذاتها مواقف الحزب؟
للجواب عن هذين السؤالين يجدر بي أن أقول بداية أن زيارتي إلى إسرائيل أو غيرها من بقاع المعمور حق طبيعي أولا ودستوري ثانيا وحق مكفول بمقتضى التشريعات الدولية ذات الصلة بالحقوق المدنية والسياسية ثالثا. بمعنى أن التنظيم الذي أنتمي إليه لا علاقة له من قريب أو بعيد بهذه الزيارة، اللهم علاقته الوطيدة بنضاله المبدئي في سبيل تحقيق مغرب يكفل لي ولغيري التمتع بحق التعبير الحر عن مواقفي والتمتع بكامل حقوقي الفردية والجماعية ومنها طبعا حق السفر إلى أي مكان أشاء. أما بالنسبة لممارسة حقي في السفر إلى إسرائيل فقد تم وأنا عضو كامل العضوية بتنظيمي الحزبي، حق مارسته بشكل شخصي تماما كما مارس رفاق آخرون لي حقهم “الشخصي” في التموقف سلبا تجاه الدولة العبرية.
نقطة الاختلاف الجوهرية بيني وبين رفاقي الحاملين لمشروع حزب تامونت للحريات من جهة وبين الإسلامويين والعروبيين من جهة ثانية هي نظرتنا إلى سلم الأولويات بالنسبة إلى بلادنا.
إذ على أعتقد فيما أعتقده أن على المغرب الرسمي، اليوم وقبل أي وقت مضى، أن يتخلص من عقدته “القومية” تجاه فلسطين في صراعها مع اسرائيل. تخلص يتم من خلال إعادة النظر في المنطلقات النظرية المؤطرة لسياستنا الخارجية طيلة العقود الماضية؛ بفعل انجرارها وراء رأي عام غيبت عنه حقائق الواقع الملموس، وترك فريسة عمليات شحن عاطفي تفننت فيها تنظيمات وأحزاب اختزلته في البداية في مجرد دروع بشرية تحتمي وراءها في صراعاتها الطاحنة مع النظام، لتحوله اليوم إلى مجرد كتلة انتخابية لا غير.
على المغرب الرسمي، في تصوري الشخصي، أن يعيد ترتيب سلم أولويات سياساته الخارجية بشكل يجعل قضاياه ومصالحه الاستراتيجية القُطْرية في صدارة تلك الأوليات بدلا عن القضايا الموروثة عن زمن النزعات القومية المتهالكة. أقصد، بكل تأكيد، أنه بات لزاما علينا أن نعترف بحاجتنا اليوم إلى حلفاء واقعيين للذود عن مصالحنا الاستراتيجية. أليست العشرات من مدننا وجزرنا ما تزال قابعة تحت نير الإستعمار الإسباني والبرتغالي؟ أليست صحراؤنا مهددة بالبتر والإنفصال بين عشية وضحاها؟
وارتكازا على ما سلف، فإن مصلحة المغرب، من منظوري الشخصي دائما، تقتضي عدم إغفال “موازين القوة” على أرض الواقع بوصفه المفهوم المؤسس للعلاقات الدولية. وذلك عبر التحالف مع كل من يدعمه في الدفاع عن مصالحه الإستراتيجية القُطرية بما فيهم دولة إسرائيل. أما إذا كان المغاربة كلهم متفقين مع أصحاب الأطروحة المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، فآنذاك يتوجب علينا أن نعيد النظر، لا في سياستنا الخارجية، وإنما في مفهوم الوطنية بالأساس.
لماذا؟ لأن المسلمة النظرية التي ينطلق منها معارضو التطبيع، الإسلامويون منهم والقوميون العرب، لخصها أحمد ويحمان، بوصفه أحد دهاقنهتم، بمقولته الشهيرة التي أكد فيها أن “قضية الوحدة الترابية للمغرب تأتي في مرتبة ثانية وراء القضية الفلسطينية”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد