حاورته مريم المعطصم//
عبد النور الفديني ( 34 عاما)، شاب مغربي متزوج وأب لثلاثة أطفال، تحدى الإعاقة وحقق إنجازات مهمة في المجال الرياضي على المستوى الوطني والدولي؛ بطل العالم مرتين في رياضة الباراتايكوندو، قائد فريق استعراضي عالمي في مجال الباراتايكوندو، فائز بجائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي في دورتها العاشرة عن فئة أصحاب الهمم ومن حققوا إنجازات في ظروف وتحديات صعبة. عبد النور اليوم يرفض نعته وباقي رفاقه ب”ذوي الاحتياجات الخاصة” ويفضل أن يَتِمَ مناداتهم بالأشخاص ذوي القدرات الخاصة. تحدث عبد النور الفديني في هذا اللقاء الذي خص به نبض المجتمع عن السر في نجاحاته المتكررة، وعن آلامه وكيف استطاع تجاوزها .
هل من السهل أن يحقق الإنسان في وضعية إعاقة نجاحات في هذه الحياة؟
من السهل إذا توفرت له مجموعة من العوامل، أهمها المحيط العائلي، لأن الطفل في وضعية إعاقة لا يكون واعيا بإعاقته و لا حتى بمحيطه في سن الطفولة لكن هنا يكمن السر في المحيط العائلي المحفز و المساعد و المهيء لما سيخوضه هذا الطفل في حياته المستقبلية من صراعات اجتماعية تخص المحيط الاجتماعي الذي نشأ فيه و كذا الصراعات الاقتصادية التي تهم الجانب المادي للعائلة و البيئة (وأقصد هنا الدولة) التي نشأ فيها، و يأتي جانب آخر و هو جانب مكتسب من طرف هذا الإنسان مع مرور التجارب في الحياة حيث يكتسب هذا الشخص شخصية إما قوية أو ضعيفة حسب مدى تقدير هذا الشخص لذاته مما ينتج إرادة و عزيمة و إصرار على تحقيق النجاح في شتى المجالات و العكس ممكن.
* إذا عدنا بك إلى الطفولة و سألناك عن قصتك مع الإعاقة وكيف استطعت أن تصل إلى ما وصلت إليه اليوم ماذا يمكن أن تقول لنا؟
ليس من السهل على الإطلاق أن أتحدث عن نفسي من خلال كشف كل اللحظات الثمينة في حياتي، لكنني سأحاول أن أكون مختصرًا ومخلصًا معكم من خلال ذكر اللحظات التي لا تنسى في حياتي الشخصية والمهنية و الرياضية.
سنبدأ من حيث يبدأ كل إنسان، من خلال الولادة.
عبد النور الطفل ، المولود بدون يدين في مستشفى محمد الخامس بمدينة مكناس في 18 يناير 1985 ، ولادة مفاجئة لجميع الأطباء في المستشفى وجميع أفراد عائلتي لأن الولادة بدون أطراف تطرح عدة أسئلة خصوصا في الثمانينات ، ولكن في النهاية فالله أدرى بعباده و أرادني أن أكون بهذا الإبداع لأسباب سنكتشفها مع مرور الوقت.
صحيح أنها كانت لحظة فرح لوالدي ولكنها أيضا كانت لحظة حزن على هذه الولادة الغير مكتملة، ولكن بفضل الله ووالديّ المحبوبين فإن هاته الولادة سيكون لها معنى فيما بعد.
نعم ، المعنى المراد هو محو هذه الرؤية غير مكتملة لليدين و التعايش معها، مع العلم أني لم أبدأ المشي إلا في سن ثلاث3 سنوات بسبب فقدان التوازن لغياب الطرفين العلويين.
و تستمر الحياة بدخول المدرسة ، ولكن ليست أية مدرسة ، إنها مدرسة “ابن البيطار” الابتدائية بمدينة الخميسات خاصة بذوي الإعاقة الحركية، دخلتها عن عمر 6 سنوات مبتعدا عن والداي ولا أراهم إلا في الأعياد و العطل ، كان الأمر صعباً للغاية بالنسبة لي وخاصة بالنسبة لأمي في هذا العمر المبكر ، بكيت كثيراً خلال السنة الأولى ولكن وأخيراً اعتدت على ذلك ، في هاته الفترة بدأ البناء الحقيقي لشخصيتي الخاصة، فقد كانت أوقات طيبة مع الأطفال الذين يعانون من مشاكل جسدية أكثر صعوبة مني ، مما جعلني أشعر بالراحة في هذا العمر من خلال القول بأنني ولدت على الأقل بدون يدين ويمكنني المشي بقدماي ، ويمكنني أن أتحدث وأستطيع أن أرى ولكن هناك آخرون لا يستطيعون، لكننا نشارك لحظات لا تنسى، اذكر منها كرة القدم و رياضة الشطرنج و خوفي من السباحة ( صمت، وحزن على وجه المحَاوَر) وبعد انتقالي إلى إعداية الفتح وهي مدرسة داخلية، وجدت الأمر أشد صعوبة حيث و لأول مرة سأضطر لغسل ملابسي لوحدي و أعيش مرحلة أخرى من الاعتماد على الذات و عدم الاتكال على الآخر.
نذهب الآن إلى مرحلة الثانوي ، حيث أخيراً أعود إلى مسقط رأسي “مدينة مكناس” للدراسة في ثانوية المولى اسماعيل حيث حصلت على شهادة الباكالوريا سنة 2003 في العلوم التجريبية ، وفي هاته السنة بدأت ممارسة رياضة التايكوندو كهواية فقط رغبة مني في استكشافها بعد مشاهدة بعض الأصدقاء يمارسونها.
وفي سنة 2005 ، حصلت على شهادتي في علوم الكمبيوتر بفضل رئيس مدرسة خاصة الذي عرض علي الدراسة مجانا بمدرسته الخاصة، وفي سنة 2007 ، حصلت على الإجازة في الدراسات الفرنسية في جامعة الآداب و العلوم الإنسانية بمكناس.
وفي سنة 2006 ، التقيت الملك محمد السادس نصره الله خلال افتتاح مركز للمعاقين حيث كنت مسؤولاً عن قاعة الإعلاميات ، حيث هذا اللقاء غيّر حياتي بالمعنى الإيجابي ، لأنه بفضل هذا اللقاء قررت الاندماج في المجتمع أكثر و إثبات وجودي فوق الميدان فحصلت على وظيفة بعمالة مكناس في ملحقة إدارية بمصلحة جوازات السفر لكن للأسف بدرجة أقل من ما أستحقه حسب مستواي التعليمي، وفي تلك السنة أيضًا ، في سنة 2006 ، حصلت على الحزام الأسود درجة 1 في التايكواندو ، واستمررت في التداريب و ممارسة حياتي بشكل عادي، وفي عام 2010 تزوجت بعد فشل زواجي الأول في عام 2008 بسبب العقلية المتأخرة للعائلة المعنية ، لكن الحمد لله ، دائماً ما يخبئ لنا القدر أشياء جميلة نعيشها في المستقبل ، ومع زوجتي التانية لدي الآن 3 أطفال (ردينة عمرها سبع سنوات و تسنيم عمرها ثلاث سنوات وإسحاق عمره سنة واحدة و نصف ، هؤلاء الأطفال جعلوني أكثر قوة للتغلب على كل الصعاب ، مع العلم أن ابنتاي ردينة و تسنيم لديهما تأخر أيضا في الحركة و الكلام، رغم عدة محاولات لعلاجهم لكن مرضهم ليس لديه علاج( صمت…) صحيح أن أمر صعب بالنسبة لي ولجميع أفراد عائلتي ولكن في النهاية أدركت أنها رسالة من الله لدفعي للعمل أكثر وبكل جدية مع الأشخاص ذوي الإعاقة ومساعدتهم .
* ما هو الدور الذي لعبته الأسرة الصغيرة و بالأخص الأم والزوجة في حياة ونجاحات عبد النور؟
كما لاحظتم، فمن خلال سرد مختصر من حياتي فإن تواجد الوالدين كان له دور مهم في صقل شخصيتي و دعمهم الكبير لي في مساري الدراسي و الرياضي، أما بالنسبة للزوجة فكان دورها تكميليا من خلال السهر على راحتي و تحمل غيابي لبعض الفترات و تربيتها لأبنائي والذي يعتبرون بمثابة الحافز الثالث لمزيد من العطاء و التحدي و الإصرار على مواصلة المشوار.
* تابعنا العديد من حواراتك في لقاءات وتظاهرات داخل المغرب وخارجه ولاحظنا أنك تستعمل عبارة ” الأشخاص ذوي القدرات الخاصة” بدل ” ذوي الاحتياجات الخاصة لماذا هذا الاختيار؟
هي عبارة اتخذناها كهدف أولي بعد تأسيسنا لجمعية تحت مسمى التحدي و الإصرار للأشخاص ذوي القدرات الخاصة سنة 2012 من أجل إعطاء شحنة إيجابية لهاته الفئة المهمة من المجتمع و حثهم على مزبد من العطاء في شتى المجالات لأنهم ليسوا بعالة على المجتمع بل هم فاعلين حقيقيين داخل المجتمع و لديهم حس وطني كبير يترجمونه على أرض الواقع من خلال مختلف الإنجازات التي في بعض المرات يعجز حتى الأسوياء عن تحقيقها . إن ذوي القدرات الخاصة هم من يحفظون لنا ماء وجه الرياضة المغربية خصوصا لدى مقارنة الألعاب الأولمبية بالبارالمبية.
* ماذا يمكن أن تقول لنا عن مسارك في المجال الرياضي؟
في عام 2012 قمت بإنشاء جمعية التحدي والإصرار للأشخاص ذوي القدرات الخاصة بالتعاون مع أصدقاء آخرين ، وخلال عامين قدمنا عدة عروض وطنية بعدة مدن في المغرب ، وتلقينا خلال هذين العامين أربع دعوات دولية (من أروبا وكندا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية)، و في عام 2014 كنا قادرين على الاستجابة للدعوات الدولية دون ذكر العديد من الدعوات التي لم نستطع تلبيتها، وكانت أول مشاركة دولية في تونس مرتين ثم إسبانيا عدة مرات والنمسا وروسيا وبولندا ، ومن خلال عروضنا نحاول نشر العديد من الرسائل الإنسانية و نهدف بالخصوص إلى تغيير التعبير “الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة” إلى “ذوي القدرات الخاصة” ، ولهذا ، قمنا بتنظيم مهرجانات لأشخاص ذوي قدرات كل سنة بشعارات مختلفة.
وفي سنة 2014، تلقينا كجمعية دعوة لتقديم عرض بافتتاح بطولة العالم الخامسة للباراتايكوندو بالعاصمة الروسية موسكو حيث كان لعرضنا دور مهم في قبول ملف رياضة الباراتايكوندو لإدراجها ضمن الرياضات البارالمبية بطوكيو 2020 كما اغتنمت الفرصة و مثلث بلدي المغرب و كل الوطن العربي و حصلت على الميدالية النحاسية بأول مشاركة رسمية لي بدون أي دعم.
وفي عام 2015، بدأ العمل الحقيقي في الباراتايكوندو من خلال حث رئيس الجامعة الملكية المغربية للتايكوندو على تنظيم أول بطولة وطنية في الباراتايكوندو و تأسيس منتخب قوي، حيث شاركنا لأول مرة تحت لواء الجامعة الملكية المغربية للتايكوندو ببطولة العالم السادسة بمدينة سامسون التركية حيث حصلنا على ميداليتين فضيتين لي شخصيا و للبطلة رجاء أقرماش، وفي سنة كانت 2016 أول بطولة إفريقية في الباراتايكوندو بمصر حصل فيها المنتخب المغربي على نتائج كبيرة منها مدليتين ذهبيتين و في سنة 2017 وفي بطولة العالم السابعة للباراتايكوندو بلندن حصلت على الميدالية الفضية، لكن للأسف رغم كل هاته الإنجازات لم أتلقى و لو لمرة دعم مادي أو مكافأة من الوزارة أو الاتحاد، إلى أن قمت بالتسجيل في جائزة محمد بن راشد آل مكتوم للإبداع الرياضي حيث قمت بالتسجيل منذ سنة 2015، و كنت مصرا على تحقيق النتائج و التسجيل في كل سنة إلى أن كتب لي هاته النسخة العاشرة مع مرور 50 سنة عن أول مسؤولية في خدمة الوطن لسمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رعاه الله، إنها سنة 2019، سنة التسامح، و في آخر مشاركة لي سنة 2019 ببطولة العالم الثامنة للباراتايكوندو بدولة تركيا حصلت على ميدالية نحاسية لأختم مشواري باعتزال هاته الرياضة من أجل توظيف تجاربي و خبراتي لخدمة هاته الرياضة من خلال التسيير الإداري.
* متلت المغرب الأسبوع الماضي بالمؤتمر الدولي خورفكان للرياضة والإعاقة بمدينة الشارقة ماذا يمكن أن تقول لنا عن هذه المشاركة ؟
هي مشاركة بمثابة رحلة البحث عن العلم و التعمق في الرياضات البدنية المعدلة أو المهيأة لهاته الفئة من المجتمع، و كان لي الشرف أيضا أن يتم اختيار بحثي تحت عنوان :”البارارياضة وسيلة لإثبات الذات، الباراتايكوندو نموذج” من بين 150 بحث ليتم عرضه في هذا المؤتمر العلمي الدولي و الرائد، حيث كنت ممثل المغرب الوحيد من بين العديد من الدول الممثلة من طرف دكاترة و أساتذة جامعيين قدموا بحوثهم بهذا المؤتمر الفريد.
* بماذا يمكن أن تنصح الشباب الطموح سيد عبد النور ؟
نصيحتي لهم، أن يعلموا أن لا شيء يأتي بالسهل لكن بالجد و الكد نصل إلى النجاحات، و لننطلق من أنفسنا، لأن تقدير الذات بشكل إيجابي يساعد على العطاء في شتى الميادين و يجعل الآخر يحترمك و يقدرك.
* كلمة أخيرة ..
شكرا لنبض المجتمع على هذا الحوار الشيق و أتمنى أن يكون مبتغى الاستفادة من هذا الحوار قد حققناه مع قراءنا الأعزاء .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.