العلالي: مواجهة نظرية المؤامرة يرتبط برفع صوت الثقافة العلمية لدى الناس والحد من الجهل

حوار أسبوعية الأيام مع د.عبد الوهاب العلالي

قال د. ممد عبدالوهاب العلالي، أن مواجهة نظرية المؤامرة  يرتبط برفع صوت العلم والثقافة العلمية للناس والحد من الجهل، في حوار أجرته معه أسبوعية الأيام  نعيد نشره لأهميته بعد الاتفاق معه.

سؤال 1: ما أن هزم المنتخب الفرنسي أسود الأطلس حتى إنطلقت تصورات عن وجود تواطؤ لإقصاء الأفارقة ووجود صفقة لإقصاء المغرب من المونديال,ما تفسيرك لذلك؟

هل ينسى الناس أننا في مجال الرياضة وبالضبط في كرة القدم حيث يعد الفوز أوالهزيمة من القواعد البسيطة للعبة وذلك من القواعد والمعايير التي تقوم عليها، والغلبة لهذا الفريق أو ذاك من عدمه هو نتيجة لمدى جاهزيته ككيان جماعي، وككيانات فردية ، وإنسجام وخبرة وتجربة أعضائه، وتأثير دور المايسترو الكبير مدرب الفريق في جعل الفريق يعزف موسيقى جماعية متناغمة تحقق متعة الفرجة ولذة الفوز.

هذا إضافة إلى عوامل أخرى عديدة مثل دعم الجمهور والمجتمع والشروط التي تضعها الدولة للفريق الوطني،  سواء تعلق الأمر بالبنية التحتية الرياضية، والحوافز المادية والمعنوية ، والتكوين والتكوين المستمر، والتشبع بالقيم المشتركة للنجاح والفوز.

وكل ذلك يبقى مرتبطا بنوعية الخصم الذي نواجهه وجاهزيته….. هذه هي الأمور في كرة القدم ويجب التذكير بذلك .. هذا بشأن الهزيمة والفوز من عدمه.

أما عن تصورات الإقصاء ونظرية المؤامرة والتشكيك فالأمر يمثل ظاهرة إجتماعية تبرز في المجتمعات في فترات من تاريخها وتزداد مع إنتشار وسائل التواصل الإجتماعي وتخص الرياصة كما تخص أحداث ووقائع أخرى كما لاحظنا إبان جائحة كوفيد 19 وأحداث أخرى عديدة.

السؤال 2 : ماهي الحقيقة من المؤامرة في كل ماتم تداوله في نهاية مشوار المنتخب المغربي؟

لا بد من التأكيد أن كرة القدم وفلسفتها كما أظهرها مونديال قطر، أكثر من أي مونديال سابق،  تتجاوز من حيث بعض تأثيراتها النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والانتماءات الهوياتية، واللغوية، والعرقية، والدينية، والحضارية ، كلعبة تكتسي بعدا إنسانيا بإمتياز.

فالناس تنسى مشاكلها ومشاغلها وهمومها، وتحس وتتوجد حول مشاعر واحدة ، لمدة تسعين دقيقة أو أكثر بقليل، مهما كانت أعمارها و جنسياتها ، ومواقعها الجغرافية وإعتقاداتها وقيمها. وهو ما يجعل كرة القدم في عالم اليوم عاملا للتواصل والتفاعل بين ثقافات وحضارات كوكبنا كما أبرز ذلك المونديال الحالي.

لذلك فالحديث عن نظرية المؤامرة ووجود صفقة سرية جرت تحت الطاولة بعد أن هزم المنتخب الفرنسي أسود الأطلس أمر لا يستقيم. فهل كنا سنقول نفس الشيء لو توجنا فائزين على فرنسا؟ وهل كانت المنتخبات العريقة التي هزمها المغرب،  وهي منتخبات أوروبية كبيرة،  ستقول أنها هزمت بسبب مؤامرات حيكت ضدها وهي المنتخبات الكبيرة التي يصعب إركاعها؟

إن اصحاب هذه التصورات يخلون بمبادئ كرة القدم والتنافس الخلاق وحتى أنهم ينغصون على الجمهور المغربي فرحته في الإحتفاء بالإنجازات التي حققها كحق مشروع.

لنكن عاقلين،  فالادعاء بوجود صفقة أمر فيه تشكيك وإتهام وانتقاص من كل الجهود الذي بذلها أبطالنا وعلى رأسهم المدرب الرائع وليد الركراكي وطاقم كامل مرافق للفريق المغربي والتقنيين والإداريين،  واتهام لهم بالضلوع في مؤامرة أو السكوت عليها وهذا أمر خطير.

فلا أذكر ، حسب علمي ،  أن حل المشاكل المتعلقة بالعلاقات الدولية القائمة على المصالح تم حلها بتوافقات بين الدول جرت بمناسبات ألعاب المونديال لسبب بسيط هو أن سبل حل المشاكل المتعلقة بالعلاقات بين الدول لها أسسها وقواعدها الأخرى.

وهنا نطرح السؤال من له المصلحة في ترويج خطاب المؤامرة و تضليلٌ للرأي العام، بأطروحات تفتقد إلى الدليل عليها، وترويج أكاذيب يصعب محوها في بيئة مساعدة على إنتشارها ؟ ثم ما هي البنية المنتجة لهذا النوع من الخطاب؟

صحيح أن الناس يفقدون كل يوم ثقتهم في النظام العالمي غير القائم على أسس سليمة ، ومع ازدياد الكذب السياسي ونشر الأخبار المزيفة، خاصة في بنيات يقوم لا وعيها الجماعي على ثنائية  “نحن الأخيار” و“هم الأشرار” على مستوى الدول والمؤسسات والأفراد،  تزداد فرص الإيمان بهذا النوع من التصورات خاصة في السياقات الثقافية التي تعرف إنحسار العلم والمعرفة والمنطق وسيادة عناصر التفكير السليم، و حيث الجهل وإفتقاد الرؤية النقدية والتحليل يجعل الناس تحت رحمة الشائعات والخيالات بدل التحلي بمبادئ العلم والبحث للتحقق من الأحداث والوقائع.

سؤال 3 : يبدو أن هناك تقبلا أو إستعدادا نفسيا في سيكولوجية كل المغاربة لتقبل نظرية المؤامرة , كيف تفسرون هذا البعد؟

الحمد لله في جو الإحتفالات بنجاحات أسود الأطلس التاريخية يبدو أن نسبة من لهم إستعداد لتقبل نظرية المؤامرة محدودة.

وهذا أمر طبيعي . فلا بد من التذكير أنه في المجتمعات المتخلفة كما في هوامش المجتمعات المتقدمة تهيمن القناعات والمعتقدات غير ذات أسس علمية على شرائح من المجتمع .وكمثال فقط على ذلك ، ففي ألمانيا وحسب دراسات حديثة  30٪ من الأشخاص يصدّقون ولو جزئيًا بإحدى الإشاعات أو نظريات المؤامرة ذات العلاقة بجائحة كوفيد – 19. وهو أمر مرتبط بتغلغل الإتجاهات الشعبوية في أوروبا إلى حانب عوامل أخرى.

بالنسبة لسيكولوجية جزء من المغاربة ومدى تقبلهم أطروحة نظرية المؤامرة فالأمر يعود لعوامل مختلفة منها ماهو خارجي وماهو داخلي.

فما يعرف بالدارجة المغربية ب”التقوليب” تعبير صارخ عن إنغراس نظرية المؤامرة في المجتمع. فالطفل المغربي ، ينشأ في جو يسوده فكر التآمر وتنغرس في ذهنيته فكرة العدو المفترض بالإضافة إلى بنية تراثية تكرس هذا الإتجاه.
من جهة أخرى ، فمتابعة معلومات وتقارير عن مظاهر فساد ورشوة، كمظاهر انحراف في أعتى الديمقراطيات في بلدان مختلفة من العالم لضلوع مسؤولين كبار في عديد من الدول في فضائح فساد وأعمال مؤامرات ذات طابع مالي واقتصادي و سياسي وأخلاقي معطى يجعل بعض الشرائح من المجتمع تتأثر على نجو كبير بهذا الواقع.

وفي سياقنا الحالي شكل الفرح المغربي بالنجاحات التي وصل إليها فريقنا الوطني ، والذي ولد لدى جزء من المغاربة نزعة وطنية وقومية ضيقة ترى أن الفوز يجب أن يكون من نصيبنا، في مقابلتنا مع فرنسا التي عشنا معها مشاكل دبلوماسية وسياسية خلال الفترة  الأخيرة خلق هذا السياق أرضية لتقبل مثل هذه الأطروحات والتصورات المرتبطة بالمؤامرة.

إذا ما كانت سيكولوجية الإنسان المقهور تعتبر الانتصارات فعلا تعويضا لمواجهة أزمات الواقع  وحين تفشل في ذلك تتذرع بوجود قوى لا مرئية رتبت لمؤامرة ما ، فمواجهة ذلك يرتبط برفع صوت العلم والثقافة العلمية للناس والحد من الجهل.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد