أنير بالا //
“إن لم تقتل عدوك فعلا، فاقتله بالإشاعة”: هكذا تصرف حزب العدالة و التنمية. إنه أسلوب من الأساليب التي يظهر أن حزب العدالة و التنمية مصمم على الانخراط به في “التسخينات الانتخابية المقبلة” .لعل هذا ما ذكرنا بقصة أهل الكهف في جزء منها. أكيد أن هذه ليست إلا بداية المسلسل حيث أن مخرج هذا الحزب لن يتوقف عن توظيف و إعادة توظيف نفس الأدوات التي يلجا إليها في كل معركة انتخابية بعيدا عن المرجعية التي يدعي أنه يستند إليها.
حزب يبدو من خلال أدبياته و ترسانته المفاهيمية النظرية أكثر ليبيرالية من الأحزاب الليبرالية و أكثر ديمقراطية من الأحزاب الديمقراطية لكن الممارسة، التي دامت لعشر سنوات في تدبير شؤون الدولة، تبين أن هذا الحزب بعيد كل البعد عن ما يدعيه فكرا و ممارسة.
هذه المرة يبدو ان انغماس قيادات البيجيدي في كهف السلطة و بعدهم عن الواقع اليومي المعيش للناس أفقدهم الإحساس بنبض الشارع. كما عطّل لديهم محرار قياس حرارة التطلعات المجتمعية. سيما و أنهم كانوا يصُلون و يجلون في الأسواق و يأكلون من أكل عامة الناس و أفقرهم و يركبون وسائل نقلهم . هذا طبعا، قبل ان يحصلوا على ورقة ولوج الفردوس المفقود و قبل أن يصير الكهف الذي أصابهم فيه سبات عميق لم يستيقظوا منه إلا في هذا الزمن العسير و الجديد. ذلك بعد عشرية تميزت باحتجاج كل من لم يسمع يوما بماهية الاحتجاج و أصل وجوده.
تفتَّحت اعينهم على واقع مابعد جائحة كورونا، واقع يقوم على أزمة مسَّت مختلف جوانب حياة المواطن المغربي. لكن الظاهر أنهم مازالوا يشتغلون بمنطق ما قبل الجائحة-الأزمة.
وهذا ما جعلهم يستيقظون على وقع، رغم أنهم لم يستسيغونه كما وقع لأهل الكهف، من تغير عادات و تقاليد الانتخابات و تغير عملة تقديم البرنامج الانتخابي من عملة رفع الشعارات الفضفاضة و الغير قابلة للقياس إلى عملة تسطير برنامج من خصائصه الواقعية و الانجازية و قابلية التحقق. من عملة تسفيه كل الاحزاب السياسية إلى عملة تقدير الشركاء و الايمان بمساهمتهم في التدبير. من عملة خلق عدو وهمي و التلميح إلى المحيط الملكي إلى برنامج الاعتراف بإنجازات المؤسسة الملكية و حفظ مكانتها.
يريد البيجيدي على ما يبدو أن يدخل غمار انتخابات 2021 بنفس منطق 2011 و 2016 ناسيا أو متناسيا أنه قضى عشر سنوات في كهف السلطة بدون انجازات إيجابية تسجل له و يستحسنها الشعب غير النوم الثقيل و ما يصحبه من شخير مزعج و بعض الركلات التي يضرب بها الشعب في كل مناحي حياته اليومية. الم يفتخر أمينه العام السابق و رئيس الحكومة عبد الاله ابن كيران ب”اصلاحه” لصندوق التقاعد و الرفع الصاروخي من مساهمة الموظفين فيه. و ينتهي به الأمر بالاستفادة من تقاعد سمين يعادل الاجرة الشهرية ل 12 أستاذ تقريبا. في حين أصبح أغلب الموظفين يعانون من جراء السياسة العبثية لحكومة البيجيدي. ألم يكن التعاقد المشؤوم في قطاع التعليم إبداع من الإبداعات التي تفتق فيها ذكاء ليبيرالي أناني متوحش، بعيدا عن شعار الاقتصاد الإسلامي الذي لم نلمس له اثر، لحكومة يقودها البيجيدي بدل العدالة الاجتماعية التي يتطلع إليها المجتمع.
بل أكثر من ذلك إن حزب العدالة و التنمية استيقظ جاهلا بتغيُّر الاوضاع على المستوى الوطني و الدولي و لم يعد يدرك قراءة المتغيرات الوطنية و الاقليمية و الدولية. صار همه الوحيد هو حيازة المقاعد و اللعب على وثر محاربة الفساد و لو كان ذلك على مصلحة الوطن و تمويه المواطنين و تحريف الصراع و تعطيل تقدم الوطن خدمة لذاتية سياسية متطرفة و تغدية لشعور بتفوق الذات الحزبية و تحت شعار :”أنا بوحدي مضوي البلاد”. لم يعد البيجيدي يقوى على استعمال ورقة معارضة “التماسيح و العفاريت” نظرا لأنه استنفذها في العشر سنوات التي مضت. كما صار فاقد لكل مصداقية في معاكسة توجهات الدولة التي يرأس حكومتها خصوصا في الجانب الديبلوماسي حيث ظهر جليا أن حزب العدالة و التنمية يغرد خارج السرب. فها هو رئيس الحكومة (أمين عام لحزب العدالة و التنمية) يوقع على اتفاقية تقضي بالاعتراف بالصحراء المغربية و ها هو نفس رئيس الحكومة يدلي بتصريحات تضرب في جوهر ما وقَّع عليه شخصيا باسم الدولة المغربية كما لو أننا بصدد لعب الصبيان.
الا يدرك من ينخرط في تسيير شؤون الدولة أن الأمر يختلف عن خوض معارضة راديكالية مغرقة في المثاليات و بعيدة عن واقعية تسيير شؤن الدولة و مواطنيها.
إنه لا يصعب حقيقة الجمع بين ما يدعى شرف المعارضة و نعيم السلطة. و كما جاء في المثل الدارج ما معناه “لا ثقة في من يأكل الغلة و يسب الملة”.
خلاصة، الشباب و النساء و الموظفين و العمال و الفلاحين و عموم الشعب في انتظار إنجازات ملموسة و وعود قابلة للتَّحقق بعيدا عن رفع شعارات محاربة الفساد و خلق أعداء و هميين التي امضينا عمرا سلبيا من حياة شعبنا في كنفها دون قطف ثمار ايجابية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.