بقلم ذ.الفنان عمر أيت سعيد//
الجنوب الشرقي لا يزال يعطي ويثمر دررا فنية ، وأبناؤه في كل المجالات يبدعون ، وفي المجال الفني الغنائي الملتزم لهم نصيب لا يستهان به فرغم قلة وندرة المؤسسات الحاضنة والساهرة على التكوين والتأطير في هذا المجال أو انعدامها أحيانا في هذه الربوع. رغم كل هذه الإكراهات، نجد في ”أسامر” حركة فنية غنائية أطلقت على نفسها اسم ”أمون ستيل”. تلك الحركة المؤطرة فكريا وثقافيا ،من داخل الجامعات المغربية تحاول خلق التراكم الكيفي الفني من خلال اعتماد نصوص شعرية تنتصر للتراث والهوية وتستعمل في معظم منجزاتها الفنية ألة القيثارة لإيصال ألحانها وإبداعاتها الى العالمية لتتجاوز المهمش في الأغنية المغربية الا وهي أغنية الواحات والجبل …
في هذه الايام الربيعية، ورغم صعوبة الإبداع بوجود الجائحة كرونا أبهرتنا مجموعة تغرمت بقلعة مكونة بإصارها الجديد من خلال أغنية ” أيد يوفن إولون ،خير الكلام أو مسك الكلام الصلاة على النبي ” أغنية تمدح النبي صلى الله عليه وسلم من خلال إعطاء قيمة لكلامه. أغنية تظم من النصائح والتوجيهات الشيء الكثير للعروسة لتكوينها نفسيا وأخلاقيا لتتمكن من بداية حياتها الزوجية بشكل معقان ومسؤول . وهذه الأغنية تدخل ضمن التراث الشفوي الطقوسي الذي يؤدى في الأعراس وفق سياق محدد في العرس بواحتي دادس وامكون وتسمى ”أسركض ” هي أغنية ذات طبيعة طقوسية، إذ نادرا ما يتم الإبداع في أبياتها المتوارثة عبر الأجيال. حافظت القبائل والأجيال بشكل جماعي جميل على كلماتها وألحانها ، وعند سماعها على شكل ”كورال ”نسائي تحس بالقشعريرة ” تسري في جسمك و جسدك نظرا لجمال أدائها ولحنها الذي يعود لسنوات قديمة جدا …
مجموعة تغرمت تأسست منذ سنة 2006 بقلعة مكونة. تعتبر هذه المجموعة إضافة نوعية للساحة الفنية بالمنطقة سيرا على نهج الأغنية الملتزمة أمون ستيل ،إذ تعتمد على قدراتها الذاتية في كتابة الكلمات وربطها بالتراث المحلي الأمازيغي، دون إغفال التثاقف والانفتاح على المدارس الموسيقية العالمية والرقي بمستوى الإبداع في جميع المستويات سواء من ناحية الكلمات والالحان. وتضمين النصوص لحمولات ثقافية وإنسانية وتجديد مستمر لخطابها .
في هذه الأغنية حاولت مجموعة تغرمت النهل من التراث الشفهي من خلال النص الأدبي الشعري المختار. واستعملت المجموعة الات موسيقية عصرية محافظة على اللحن الأصيل ، فتوفقت الى حد بعيد وفق تقديرنا الى تطويع اللحن وجعله يتلاءم ويتناسب مع أذواق الجيل الجديد ، وتم تقديم الأغنية برمتها في قالب شبابي . تم تسجيل هذه الأغنية في أستوديو KM-production الذي يسهر عليه الفنان المبدع سعيد أيت شطو . إن ما أثارنا وأعجبنا كمتتبعين للشأن الفني والموسيقي بالمنطقة هو حماس واهتمام وارتباط المجموعات الشبابية بالتراث الشفوي للمنطقة . وهذا شيء نعتبره ايجابي جدا لكون هذا التراث فيه غنى وعمق من حيت الكلمات والألحان وتشكل هذه الأغاني فرصة جديدة لإحيائه وبعثه من جديد .
مجموعة تغرمت أبدعت بشكل جميل في التراث، وكلنا أمل أن تحدو المجموعات الأخرى نفس النهج لإحياء القصائد والأغاني التراثية الخالدة التي يتضمها تراثنا الشفهي العريق والعميق في أصالته.
نتمنى من المنابر الإعلامية الوطنية والجهوية أن تولي اهتماما لهذه الطاقات الشبابية التي تشتغل في الخفاء بصدق وتبدع بعمق محرومة من المنصات الحقيقة لعرض منجزاتها الفنية ، مجموعات تنتصر للجذور والثقافة المغربية في أعمالها الفنية ، ليست مستلبة ولا تابعة لصيحات الموضة في منجزاتها الإبداعية ، هي تحتاج فقط لمن يتق فيها ويشجع إبداعاتها ، تحتاج لمؤسسات ثقافية تسهر على احتضان انتاجاتها، فالفن يحتاجه الجميع فهو مرأة المجتمع بل هو ضرورة نفسية وليس ترفا ولا امتيازا .
بقلم ذ.الفنان عمر ايت سعيد
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.