لا يخفى على من يتتبع الشأن المغربي أن لكل ساعة موضوع، من بين كل المواضيع يحظى بالشعبية، شعبية النقد والانتقاد، وشعبية الغوص في الثقافة المشتركة، وشعبية الإدلاء بالرأي دون مطالبة، وشعبية التخلص من المكبوتات والضغائن تجاه تيار معين، هذا كله ما يصنع شعبية الموضوع، وأي موضوع؟
لا يختلف اثنان على كون المغرب يعيش أوضاعا اقتصادية واجتماعية متأزمة، زادت الغني غنا وتزيد على قبر الفقير ترابا، لكن هل من متحدث شجاع، أم أن قول ” الفتنة نائمة، لعن الله من أيقظها “، جعل الجميع صامتا ومصقلا (من الصقيل) كحامل أدق للمعنى بدارجة المغرب
بين ليلة وضحاها، انقسم المأثرون المتأثرون إلى قسمين، الأول ينتصر للشيخ ويدين الشيخة، فلنتطرق إلى بعض دوافع واستدلالات هذا الطرح، أولا الإيمان وضرورة الحفاظ على إسلامية الدولة والثقافة السائدة، وكذا مراعاة مشاعر أخلاقيات الأسرة المغربية الشريفة، وهاشتاغات التمثيلية على طريقة تلك المصاحبة للحملة الإنتخابية والتي جادت علينا بارتفاع تسعيرة البقاء على قيد الحياة، مهاجمين الشيخة بكونها لا تشكل جزءا من الواقع، وكون السلسلة المعنية تأثر على التنشئة الإجتماعية للجيل الصاعد بمغرب اليوم وما إلى ذلك من آراء وتصريحات
فما الشيخ إذن، لفظ الشيخ يطلق على الداعية، أو رجل الدين في الإسلام، وما الشيخة، قد يأخذ الغالبية من المنغمسين في مناقشة موضوع الساعة هذا بإقرانه بلفظ العاهرة الذي حاول أعداء الفكر والتنوير لبسه معنى كهذا، كما ألبسوا ثوب العروبة للمعروف بطارق ابن زياد في سخرية وتزوير للتاريخ وللكلمات، لعل من كلف نفسه عناء البحث عن أصل لفظ الشيخة، يجده مرتبطا بفن “العيطة”.
وقد ظهر هذا اللفظ خلال القرن الماضي مع سيرورة البحث والمقاومة من أجل الاستقلال، فلم تكن الشيخة سوى أنثى تتغنى بهموم الشعب وصرخاته ضد المستعمر، إلا أنها اليوم حولها الفكر الظلامي من مقاومة إلى بائعة هوى، كما هو الشأن مع “عيشة قنديشة” التي لقبها الأوروبيون بكونها غولة أو طيف بعد فشلهم في مجابهتها وكونها مجرد امرأة كما يدعون، فهل نقزم الشيخة “خربوشة” مثلا في معنى يطلقه جيل “الفري فاير” المسير والذي لا يستطيع التفريق بين السلفية، والوهابية والعلمانية والإلحاد والوسطية في الدين والحياة العامة
إن الشيوخ لطالما كانو مسالمين ومتعايشين مع طبقات المجتمع المختلفة، شيوخ أمازيغ يصلون بالناس العشاء، وينضمون إليهم إلى فن أحواش وأحيدوس في كل مناسبة، متلذذين ومستمتعين بأشعار تأرق وتأرخ وتصرخ بالواقع المعاش ولا مفكر في جنس الناطق أهو ذكر أم أنثى، فوضع الشيخة في العيطة كوضع الرايسة في الفن الأمازيغي، فصفية أولت تلوات التي لازال الجميع يستمتع بأشعارها أنثى، لكن فنانة وشاعرة وربة بيت في مجتمع يسوده تقبل الإختلاف وائتلاف القلوب ووسطية التدين بالدين، وكذا الشيخة “شاما” التي ظل المغاربة يحضرون حفلاتها ويتابعونها على القنوات التلفزية كإحدى الموارد والمصادر البشرية للفن وجزء من الثقافة المغربية
إن من يطلق لسانه على الشيخة دون علم ولا بحث منتميا إلى صف الشيوخ، نفسه سيقذف الشيخ لو انتمى لصف الفنانة الشيخة، ولعل المغربي نفسه الذي يقطع الطرقات منصبا الخيام، احتفالا بعقيقة، أو عرس أو عيد ميلاد أو فوزا بمقعد في البرلمان، فيأتي بأفضل الشيخات المغنيات ليطربنه وزملائه معلقين الأوراق على ما فوق صدرها إن كانت بالمعنى الذي يتقبلونه ويؤمنون به، صائحين بلفظ “ها الغرامة”، نفسه من يردد آمين بعد كل قطع في كلام شيخ أو رجل دين، ولو كان يروي قصة ولا يتلو دعاء، فينهض أمام الناس كما يفعل بالأعراس ليرمي قطعات نقدية فضية أمام الشيخ المتحدث مرددا “شويا دلفتوح”، فالفتوح غرامة والغرامة فتوح، وكل من المستورد لهما ينتمي لهذا المجتمع ويشكل جزءا من ثقافته وهويته.
بقلم : عبد العزيز اقباب
التعليقات مغلقة.