الشـــبـــاب و التنمية ، فـي مــنــطــقـــة تـــازنــاخــت : مــن الـريـاضـة إلـى الـثقـافـة والـريـاضـة إلى الثقافة والتنمية
عناية الإنسان بصحته الجسمية مطلب إنساني ، وحاجة اجتماعية ؛ فالجسـم هبـة الله للإنسـان ، وعـليـه رعايته و توفير أسباب الصحة له . والرياضة عامل أساسي للترويح عن النفس ، ولسلامة الأجساد وصحتها ، إلى جانب عوامل أخرى كالتغذية الملائمة ، والتطبيب .
ولذلك لا يسع الإنسان إلا أن يسر لشبابنا في منطقة تازناخت على انتظامهم في جمعيات رياضية شبابية ، على مستوى القرى ، منذ مدة . كما لا يسعه إلا أن يسر لالتئـام شمل الجمعيات الرياضية بجماعـة سيروا ، في الأيام الأخيرة ، في إطار تنظيمي إتحادي .لأن من شان هذا الإتحاد ، أن يساهم في التقارب و التفاعل الإيجابي ، بين شباب قرى هذه الجماعة ، كما هو مأمول .
نعم ، منذ سنوات ، بدأت هذه الجمعيات الرياضية الشبابية تتأسس في قرى المنطقة ؛ و هذه ظاهرة جديدة في مجتمعنا المحلي ، بعد أن كانت ممارسة أنواع من الرياضات من التقاليد الراسخة في مجتمعنا المغربي ، ومنه المجتمع المحلي لمنطقة تازناخت ، بما فيه مجتمع سيروا ؛ يمارسها الشباب من الجنسين ، كما يمارسها الرجال و النساء ، كل مع جنسه . و كانت تلك الرياضات من صميم الحياة الإجتماعية لمجتمع ” لجمات ” ، و من تقاليدها الثقافية و التربوية .
و قد جاءت مبادرات شبابنا ، في تأسيس جمعيات رياضية ، بمختلف قرى منطقة تازناخت ، عفوية و تلقائية لأنها كانت استجابة لحاجة ذاتية لدى هؤلاء الشباب . و قبل ذلك ، كانت فرق لكرة القدم قد تكونت في عدد من هذه القرى . وبعد تأسيس الجمعيات ، إنخرطت في تنظيم إقصائيات مباراة لكرة القدم ، بين فرق الكرة من الشباب ، ووصلت هذه المنافسات الرياضية إلى بعض المدن ، كما يحدث في مدينة مراكش ، منذ سنوات . و كانت حمية القرية ، و حمية القبيلة حاضرة ، بصفة أو بأخرى ، في أحاسيس الشباب ومشاعرهم . و هي مشاعر ينبغي تهذيبها والإرتقاء بها ، بتنقيتها من العصبية الضيقة للقرية او القبيلة ، لتكون دافعا للمنافسة الرياضية الشريفة ، بروح سامية إندماجية ، من شأنها أن تؤالف بين مشاعر شباب المنطقة ، وتؤهلهم لتحمل مسؤولياتهم الفردية والجماعية في بناء التنمية بمنطقتهم . على أن شبابنا مطالبون بعدم البقاء سجناء لرياضة كرة القدم ، و بالسعي لممارسة أنواع أخرى من الرياضات ، الفردية والجماعية ، ومنها الرياضات التراثية التي كان أجدادنا وجداتنا يمارسونها ، و التي كانت متوارثة عبر الأجيال .
كل ذلك جميل و مفيد ، غير أن العناية بصحة الجسم عن طريق الرياضة ، ليست كل شيء في الوجود الإجتماعي للإنسان ، فإذا كان هدف الرياضة هو الترويح عن النفس ، و اكتساب الأفراد بنية بدنية صحية وسليمة ، فقط ، فهو هدف قاصر ، لأن عالم الحيوان ، نفسه ، فيه أجسام قوية و سليمة ؛ لذلك ، فالوقوف بالرياضة عند مجرد الترويح عن النفس والترفيه ، وامتلاك جسم سليم ، لا يكفي ، و لا ينسجم مع طبيعة
ــ 2 ــ الإنسان ومكانته في الوجود ، هذا الإنسان المتميز بمستواه العقلي و الفكري ، وبقدرته على التعبير اللغوي ، و على الإبداع الفكري والثقافي ، بمختلف اشكاله ووسائله . و هذا كله هو ما أهـلـه لبناء الحضارة .
و معنى هذا أن شخصية الفرد البشري تتكون من مكونين ؛ المكون المادي الفيزيولوجي المحسوس ، المتمثل في الجسد ، و المكون العقلي الفكري ، و النفسي والروحي . و لا تكتمل الشخصية و تكون سوية (1) إلا بالعمل على تغذية البعدين ، المادي والمعنوي ، فيها ، و رعايتهما بالتربية و التكوين .
و في سيرورة التطور ، و البحث عن الذات لدى شبابنا ، ظهر هذا النزوع لتوسيع الرؤية ، و تعميقها ، و لو على مستويات مختلفة من الوعي ، و هو ما يفسر انتقال عدد من جمعيات الشباب ، الرياضية من شعار الرياضة إلى شعار : الثقافة و الرياضة ، هذا الشعار الذي يقتضي استيعاءه ، و التأسيس الفكري له ، و ذلك من خلال ممارسته (2) على مستوى أعمال ثقافية هادفة ، وأنشطة رياضية .
و ذلك ، على أن يكون شعار الثقافة والرياضة مرحلة لاستشراف أفق أوسع من ربط الثقافـــة بالرياضة فقط ، بالإنفتاح على مرحلة أخرى هي مرحلة الثـقافــــة والتنمية ، حيث تكون الرياضة عملية جزئية للتثقيف والتهذيب ، أي عملية تكوين في إطار عملية أوسع و أشمل هي عملية الـتـنـميـة ، و حيث سيجد شبابنا نفسه وقد إنخرط في المساهمة في بناء تنمية و طنه ، من خلال النهوض بتنمية مجتمعه المحلي . وتلك هي المهة التاريخية النبيلة ، التي تستحث همم شبابنا .
وبانخراط الشباب ، من الجنسين ، إلى جانب غير الشباب ، من الرجال و النساء في عملية البناء التنموي لقريتهم ، يجد جميع سكانها أنفسهم و قد توحدوا في إطار تنظيمي جامع واحد ، هو الجمعية التنموية للقرية ، حيث يتداخل العمل الثقافي والإقتصادي و الإجتماعي ، وحيث تكون للشباب لجنتهم التي ينظمون من خلالها شؤون فئتهم ، التي منها الرياضة ، في إطار العمل الكلي و الموحد لجمعية القرية . وبهذا يزول تعدد الجمعيات داخل القرية الواحدة ، هذا التعدد الذي هو ظاهرة غير صحية ، من المطلوب تجاوزها . و هذا ما يؤكده علم الإجتماع وعلم التنظيم .
وفي هذا السياق ، لعله من المفيد أن أسوق ، فيما يلي ، تجربة معيشة ، في قرية من قرى منطقة تازناخت ، و لو أنها تجربة مجهضة ، و لم تتح لها ظروف الإستمرار :
أجل ، من المنظور الذي ذكرناه ، كنت ، في زمن مضى ، قد نصحت شباب قريتى تاغدوت ، حين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أقصد الشخصية السوية بمفهوم علم النفس .
(2) أقصد بالممارسة الفعل الموعى ، الذي يعي صاحبه طبيعته و أبعاده و نتائجه ، لا مجرد الفعل أو العمل ، كيفما كان
ــ 3 ــ أسسوا جمعية رياضية لهم ، باسم : “جمعية شباب تاغدوت للرياضة ” ، نصحتهم بعدم الوقوف عند حدود معنى الرياضة البدنية ، في جمعيتهم ، و بمد الرؤية ، بالجمع بين الثقافة و الرياضة ؛ و قد استوعبوا الخطاب ،
و عدلوا نظرتهم ، فأصبحت جمعيتهم تحمل إسم : ” جمعية شباب تاغدوت للثقافة و الرياضة ” . و بدافع رغبتي في تمثلهم لمعنى الثقافة و الرياضة ، و ضعت لهم ورقة تتضمن التصور النظري للثقافة و الرياضة و العلاقة بينهما . وهي عندي في متناول من يرغب في الإطلاع عليها ، من جمعيات الشباب ، و من الأفراد الراغبين في التواصل المعرفي . غير أن تلك الجمعية لم توفق في تفعيل شعار الثقافة و الرياضة ، الأمر الذي دفع ثلة متنورة من شباب القرية إلى تأسيس جمعية جديدة باسم ” جمعية شباب تاغدوت للثقافة و التنمية ” ؛ وقد إستطاعت هذه الجمعية ، من خلال عدد من الأعمال الثقافية التي نظمتها الشروع في أجرأة شعارها في الثقافة و التنمية ، وبصفة موفقة ، غير أن المحيط ألإجتماعي في القرية ، ألمسكون برواسب الماضي ، لم يكن مهيأ لفهم هذه الجمعية ، و رأى فيها منافسا للجمعية التنموية للقرية ،التي لم يكن لها ـ آنئذ ـ ألأفق الفكري الذي تمتلكه جمعية الشباب ، تلك ، فتدخل لزرع عدم التفاهم بين أعضائها ، و لتوقيف سيرورة مشروعها . والمأمول ، أن يلتئم شمل تلك النحلات ، لتعود إلى صناعة العسل في جمعيتها ، بل وأن يفسح لها المجال داخل جمعية القرية ، التنموية ، لترقى بها إلى المستوى المطلوب .
و على مستوى عموم منطقة تازناخت ، تأسست ، في عدد من القرى ، جمعيات للشباب في الثقافة والرياضة ، و قد إستطاعت ، على تفاوت فيما بينها ، أن تنخرط في تفعيل مشروع الثقافة و الرياضة ، غير أن مشاريعها ، على ما أعلم ، لم تبلغ المدى الذي يجعلها تستشرف أفق إدماج الرياضة في إطار الثقافة و التنمية ، ضمن عملية اجتماعية كلية .
و على ضوء كل ذلك ، فإنني إذ أرحب بتأسيس إتحاد الجمعيات الرياضية بجماعة سيروا ، فإنني أدعو شبابنا في جماعة سيروا ، و في منطقة تازناخت عامة ، إلى العمل للإنتقال من الرياضة إلى الثقافة و الرياضة وصولا إلى منظور الثقافة و التنمية ، على النحو الذي بيناه من قبل .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.