الشاعر عبد الله الطني يكتب معلقتان: صهوة الريش ولآلئ عين اغبالو نكردوس..

أزول بريس

هما معلقتان شعريتان إلى سليل الأعاليا لبروفيسور مولاي امبارك نزي.

تقديم وإهداء:

“معلقة أيت حاحو” (صهوات الريش) و”مُعَلّقَة الوطن” (لَآلِئ عين أغبالوا نكردوس)، هما معلقتان شعريتان من سرب المعلقات التي احتفيتُ بواستطهما شعريا بالأمكنة التي عَلَّقَت القلب والوجدان عاليا، لما لها من رمزية إنسانية ووجودية وتاريخية وحضارية وثقافية، مثل باريس، والكعدة الحمراء، وسجلماسة، وتنجداد، وتنغير، ومكونة، والريصاني، وتازرين وزاكورة، وورزازات، ومراكش وتارودانت.

وقد جمعتُ في هذه الأضمومة الشعرية بين المعلقتين المذكورتين أعلاه لعدة أسباب، من بينها:

1- لأن “صهوات الريش” و”للآلئ عين اغبالو نكردوس” وجهان لكتاب واحد، هو كتاب الأطلس الكبير، كتاب أعالي الماء والوطن والحياة، وأعالي المقاومة، دفاعا عن الماء والوطن والحياة والحرية.

2- لما لهما من رمزية وطنية؛ فمعلقة الوطن ارتبطت بمكان اعتقال المستَعْمِر الفرنسي لفرسان المقاومة الوطنية ورموزها، التي كانت تؤطر الحراك المغربي من أجل تحرير الوطن والدفاع عن شرعية عرشه، في سجن عُرِفَ باسم “معتقل الصحراء”، سنة 1952م، بأغبالو نكردوس، شمال تنجداد.

أما “معلقة ايت حاحو” (صهوات الريش) فقد ارتبطت بزيارتي الثقافية لمدينة الريش سنة 1919، وهي زيارتي الأولى لهذه المدينة، وكانت بطلب من مجموعة من طلبتي في سلك هيئة الإدارة التربوية بالمركز الجهوي للتربية والتكوين، وعلى رأسهم الأستاذ عبد الرحيم ابوشيل، الفاعل التربوي والجمعوي والحقوقي المتميز، وهناك تعرفت على الحمولة الوطنية لهذه المنطقة العتيدة من وطننا، باعتبارها قلعة من قلاع المقاومة والكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، في مواقع وتواريخ متعددة، فضـــلا عـــــــــــــن خصوصيـــــــــــــــة قبائلهـــــــــــــــــا ومحيطهـــــــــــــــــــــا السوسيوثقافي في الذاكرة التاريخية المغربية.

3- والسبب الثالث يعد إلى محبتي الخالصة لإنسان عزيز نبيل هو البروفسور مبارك نزي، طبيب القلب والشرايين، وابن هذه المنطقة المعروفة بعمقها التاريخي والحضاري والثقافي، وهو إنسان تتجسد فيه كل قيم ذلك العمق.
وهذا الديوان أهديه له، اعترافا بروحه الوطنية العالية، وبمعدنه الإنساني الأصيل، وخدماته الجليلة لقلوب المغاربة، محليا، وإقليميا، وجهويا ووطنيا، فضلا عن ثقافته الجمعوية الهادفة في مجال الرعاية الصحية، واعترافا كذلك بحاسته الجمالية الرفيعة. وهو من خلال هذا وذاك، جدير بالمحبة والتقدير والاعتراف. وأعتبره شخصيا مفخرة لأهل الريش، وأهل سجلماسة ومكناس، حيث يقيم ويشتغل، ولكل المغاربة، حيث يتحرك لتوسيع ثقافة الوقاية الصحية، ليجمع بذلك بين علم الصحة كعلم أكاديمي، وبين توظيفه عمليا لرعاية القلب والشرايين، وبين علم الوقاية الذي يستهدف التوعية المدنية، بناء على مقتضيات المعرفتين النظرية والعملية.
عبد الله الطني

معلقة أيت حاحو ومعلقة صهوات الريش

وهي إحدى عشرة صهوة من المحبة والتقدير أهديها إلى قمر الريش ومنارتها، سليل اعاليها الصديق البرفيسور مولاي امبارك نزي – طبيب القلب والشرايين – ومن خلاله إلى أهل الريش وعشاقها من المقيمين بها والعابرين.

1- صهوة الحروف

مَنْ يَحْلُمُ بالتحليق
يا نَزِيَّ الريش
وليس له أجنحةٌ
أو ريش
فليقصد أرض الريش صباحاً
وليقرأْ أحرفَها
حرفاً حرفاً
بكل لغات التحليق
حروف الريش

وهل تستطيعُ اللغات
هل تستطيع
ويستطيعُ الحالم
هل يستطيع
ولو مجازاً،
فكَّ حروف الريش ؟ !
وحده الشاعر يستطيع
أن يقرأها في كف أمير الريش

للريش حروفٌ
شذريةٌ
لامعة مثل أحلام العروش
مستباحةٌ
للنهر ولي
تقول الأعالي
يا مبارك الجميل
وما أدراك ما حروفُ الريش

حَرَّافُ الحروف
وَعَرَّافُ الأسماء يبوح:
في لوح الريش
الراء رذاذ سماويٌ،
من غيم مطير وريح
على ربوةٍ الهيةٍ
معلقة للقلب والعين
يرفرف يستريح

بين جبال وجبال
ترنو آيات الراء
أَهِلَّةٌ وهالاتٌ
ضَيَّاء لمن يرى
عيني على الجمال على الجلال
وعلى الريش تزهو
بصهوة الشمس والراء

وياءُ الريش أيادٍ
سمراءُ
حمراءُ
بيضاء
ومن كل لون
غَرستْ أشجار الريش الأولى
وسَقَتْها بماء الجبين
ولا يذبل ما سقاه الأسلاف بعشق اليدين

تَوارتْ أجسادُ الأجداد تباعاً
ولا زالت
هاماتُ الوقتِ
أيادي الأجداد
مرفوعةً لسماء الياء بهامات الأحفاد
ويدُ الله،
كانت ولا زالت
فوقها كما تشاء

وأنت حفيدهم
مُبَارَكُ يا حبيب القلوب
كيف قلوب الآتين إليك
أفواجا
صباح مساء
تجمعها أياديك البيضاء
وإليها تؤوب ينابيع الياء والراء والماء

والشينُ
شين الريش
شَنْشَنَةٌ أعرفها
شِيَمُ الأهل الطيبين
شجونٌ تتحدي غُلبَ الوقت
وعُبَّادَ الأوتان
من أجل ديانة
تُنْصِف الغلابى والمتعبين

شينُ الريش لغرتها الشمس
غَنَّاهَا الشاعرُ مُذْ عانق أعلاها
بصدر الفرسان الأفذاذ
أولادُها القابضون على هامات الأيام
كي لا تنطفي بخيام الريش نار القِرى
ألا بُورِكَتِ الخيامُ
وبورك فيها الأولادُ
وأمير الخيام

أعرفتَ إذاً يا أنت،
ماذا تعني الــراء
وماذا تعني الياء
وماذا تعني الشمس
وماذا يعني الواو
وأنوار الشين عليها
وكيف يطير الريش
بشهوة الحروف إلى أعاليها
حيث غيمات الله وأنت

2ـ صهــــوة الغـــيـــمــــات

لكل مدينةٍ
سماءٌ
وغيمات،
حتى ولو تشابهتْ
فوقكمُ السماواتُ
والغيمات
هكذا قالت لي غيمات الريش،
وأنا أسمع أُنشودتهاالمطرية
تأتيني من تحت جناح الريح

فقلت لها
ذراعيك افتحي
يا ملهمتي
فلا سماء تفهمني غير سماك
فقصائدي عاشقة
للتحليق الحُرِّ
والإنسياب
وللتيه العاشق بين ثناياك

وَلْتَكُنْ،
مِن بَرْق قصائدي
وبرقك الَّلْألاَء اغنيةٌ
للعاشقين أشواق الريش
وأحلامَ النخل بغرتها
ناصعة الغُرَّات
كما الصخرُ الحالمُ والطين
تُسَرْبَلُه مطراً مطراً
تلك الغيمات

وها أنذا
بأعاليك تغنيت
حتى تعافيتُ تولهتُ وارتويتُ،
وتــراقصتْ لعيوني
صهوات الصخرات
صهواتك يا نَزِيُّ يا مبارك الطلعات
ألا بوركتَ وبوركتْ
بريشكَ البهي الصهوات والصلوات

3- صهوة الكأس

وأنتَ تقصد أعناقَ الجبال
بعد السهول والغابات والوهاد
تشتهيك على اليمين الجميل نخلاتُ الريش
كأسٌ،
من شاي أهلها
تحت ظلها
وتحس يا ولدي
بمجد القبائل والبلاد

إن أنت وصلت الريش
اِعلم أنك صرت يماما بريشها
تجوب الأماكن والوهاد
وتغني
كما لو لم يُغَنِّ من قبل اليمام
ألا ريشَ يُغْنِي
بعد اليوم عن ريشها
يا ريش الكرام

حَبَّةٌ، من قمحها الأصلي تحييك
وعَبَّةٌ، من مائها الجوفي يشفيك
وتَحْلِيقةٌ،
من ريشها لأعلاها تُعَلِّيك
ونفحة، من زهور الريشِ
عن كل جنات الأرض تُغْنِيك
وعناق أسْمَرِيٌّ
من فتاها النبيل يواسيك
هكذا هكذا
يقول الشاعر ما يقول :
( كن ريشيا أو لا ولن تفهم ما أقول )

4- صهوة الصخور

لصخور الريش
أيتها الغيمات الحبلى بالأنواء
ريشٌ أسطوري لا تراه العين
إلا حين يطير به يمامُ زيز الشجـيُّ
تلاحقه أعينُ الريشيات العاشقات
إذا احتل بواديها الربيع
يمتطي صهوةَ الصخور التي أمست
صبايا شَكَّلتْ صدورَهن أناملُ الماء

كم هو مبدعٌ
ماؤُكِ أيتها الغيمات
وكم هو رفرافٌ
ريشُ صدرك المتلألئ بالماء أيتها الصخرات
وكم هو رَبَّانِيٌّ،
نَزِيُّكِ أيتها الهضبات
إن صافحته يوما
بكفك يعبق طِيبُ الآيات

5- صـــهــــوة البــــــوح

ليتني ياليتني
كنت أملك ريشاً
مثلك أيتها الطيور
لرفرفتُ رفرفتُ من كل الجهات
كي أصل الريشَ عالياً
مُنيفاً مثل أهلها وأعاليها
وحامياً مثل تاريخها وماضيها
وملاحمِ البطولاتِ في ثناياها

لكنني،
ومِن غير ريش
أو أجنحةٍ،
سوى أجنحة الكلمات
ها أنذا
قد وصلتُ الريشَ أخيراً
يحملني حب فرسانها المفعمِ بالصدى
بالمدِّ والمدى
والفتوحات

يا سلام يا سلام
هم فِتْيَةٌ
آمنوا بآيات الضوء في ضواحيها
فعانقتني الزَّگديةُ المَرْغاديةُ بينهم
بحاضرها وماضيها
والثنيات والطلائع فيها
وضايفتني المداخل فيها
بكم عناق بكم غناء
وباحت لي النخلات والصخور
الحافظات للسر وأخفى

بالغيمات فوق جبينها
ترقص عالياً
– يا سلام يا سلام –
تتوله تُمْطِرُ تُمْطِر
وتقصد زيزَ ونهرَ زاوية الزُهَّاد من حواليه
تفيض لفيضها تَدُقُ الخيامَ القبائلُ
وتهتاج على أًحَيْدُوسها المائج الذي
لا ينتهي به المد والجَزْرُ والمدى
إلا بعد ان ترتوي منه القبائل والخيام
– يا سلام يا فتاها النَّزِيُ يا سلام –

6- صهوة العاشق العذري

لما دخلتُ الريشَ أبايع رَبْعَها
وأسأل بين الناس أهلها :
أهاهنا ترعرعتْ
أغصانُهُ الخضرُ اليانعات،
صديقي الأسمريُ المُباركُ
الذي بايعتْ له القلوب
بالمَنِّ والسَّلْوى والفتوحات
أميرُ الصخرات العاشقات الحالمات
بآيات السيول وفيض السماوات؟

أجابتني يمامةٌ
فضيةُ الجيدِ
باذخةُ الهذيل
أجل يا شاعر الريش بصدر اليمام
مِن هنا
كان يَمُرُّ الفتى الأسمريُ الهُمام
يحمل أقْلامهُ،
وألواحهُ،
وأحلامهُ،
ونواصي الكلام

يردد ما كان يقول النِفَرِيُّ
لمن يطلب أوصافَهُ وسجاياه:
[القرب الذي تَعْرِفُهُ مسافة
والبعد الذي تعرفه مسافة
وأنا القريب البعيد بلا مسافة ]
كان يَمُرَّ عفيفاً خفيفاً
كنا نحييه بتحليقة عذرية او تحليقتين
ولم يُصِبنا منه سهمُ عينٍ أو حجر
من فوقنا كان يَمُرُ بهالته القمر
وبابتسامته الوريفة بين سحابتين
كنا نعرف أَنَّ الغيمات سَتسقِي أغراسَ الواحات
وتغسلُ سيقان الشجر

وأنَّ الربيع لا محالة آت آت
وأنَّ مِن صُلب الريشيات
سيكون للريش ما سيكون
كواكبُ خيرٍ وشموس
سيكون الحُكَماءُ والعلماء
والفقهاء والشعراء
ومواويلُ الأعالي وفرسانُ البلاد
والمقاومون الحارسون أحلام الأرض
ولو بين أَلفِ رصاصة ورصاصة
والنبلاءُ الكرام
يجودون ولو كانت بهم خَصَاصَة

هاهنا ترعرع النزي المبارك
عَرَّافُ النبضات
الوارثُ أسرارَ الماء وأَلْطَافَ الغيم
وآلاءَ البرق وأسرارَ الأرضِ المعطاء
قلتُ صدقتِ صدقتِ أيتها اليمامة
هو ذا الذي يوم زرتُه أشكو
تَعَبَ الحال وأوزار الترحال
وجدتُه فارساً مُتَلَأْلِئ الصدى والرُّحَبِ
شامخاً، بحجم نخلةٍ
واثقاً، مثل نهر زيز
شفوفاً، متواضعاً، مثل نبي

حَيَّاني ثم عانقني
قال أهلاً أهلاً
بطائر أعرفهُ بين الملهمين
هو مثلي
كان لا يحط إلا على أنين الغلابا المتعبين
حَطَّ الأُذْنَ على قلبي
ويمناه على معصم يسراي
أَنْصَتَ مرَّات ومرات إلى نبضي
قلَّبَ ألواحَهُ ومراياه
ثم قال مبتسمَ المُحَيَّى وضّاحَ الجبين:
قم عليك الأمان
يا شاعر الفتوحات يا ابن الأكرمين

قلبُكَ الشَّجرِيُ لا مثيل لهُ
يشبه قلبَ الوردِ وقلبَ الماء
كم به ما يشبه قلبي
وكثيرٌ كثيرٌ مِن طَيْفِ صباي
يوم كنت بالريش طفلاً هُلاَمِياً
وكلُّ شهوتي وبَلْوَاي
حروفُ نصبٍ وجرٍ
مِن بقايا سِيبَوَيْهِ الهمام
وآياتٍ بيناتٍ من قَبَسِ الرحمان
أحفظها بلوح فاتح بالصلصال الريشي
وحباتِ التمر واللوز والتين والزيتون
تتدلى إلي من إزار اُمِّ مبارك عاشقة الريش

ومِن خبز ذاك الإزار
كانت هداياها
لكل زائر واحةَ الفرسان
أيها الشاعر قُمْ طَهُوراً
إن كنتَ ذقتَ من ذاك الإزار
فأنت لا ريب شقيقي في الصفات
في الرضاعة من أرض الريش
والفطامِ بخبز الإزار
والمفطوم بماء الريش
يا صديقي
أبداً لا تَخْذُلُهُ الغيمات

7- صهوة الفارس (ابو شيل)

وحبات الزيتون المتلألئات
سوداءُ، حمراءُ،
خضراءُ، صفراء
تراودها الريشيات في حدائقها الغناء
أصلُها من أحلام السماء
عندما مرَّتْ غيمةٌ
وأَرْخَتْ على الريش
ما بصدرها من ْعشق وماء

لقد ذقتُ زيتها الذهبِيَّ الشَّهِيَّ
من كف أبي شيلَ فتاها الكريم
ذات شتاء
ومن يومها
وأنا كلما تحرك في دمي
شوق الأعالي
على البياض الذي لا يذبلُ
أُمْطِرُ ما تَيسر من معلقةِ الريش
والماء

8- صهوة سليمان النبي

مَن عَلَّمَ هدهدَ الغابة
والعَريش
أن حزاما قزحياً من ألوانهِ
وطلاسمَ أختامِ سليمان النبي
أصْلُها البعيدُ البعيد
مِن سحر العياشي
وحدائق الريش؟!

الآن الآن
أدركتُ لماذا
مَرَّتْ بلقيسُ من الريش
ذات يوم
من ذات وقت
وارتوتْ من فيض زيز على ركبتيها
قبل أَنْ تُضارع طيات الصحراء
وتستوطنَ قبل أًنْ تموتَ حَضْرَمَوْت

قال الراوي:
كل الذين أَتَوْا
من شبه الجزيرة عاشقين
مروا من هنا
بحضن الأطلس ماتوا عشقاً
بين بحرين عاشقين
والهدهد المرسُول
حتى الهدهد يا أبو شيل
يا حارس القلوب
كيف غَاَفَل النَبِّي سليمان وبلقيس
وعاد ليستوطن مملكة الريش

ألم أقل لكم
منذ زمان منذ زمان
مَلَكِيَّةٌ هي الريش
فمنها يبدأ التحليق
ومنها تبدأ جاذبية الأوطان
ومن جناحها
كان ولاء المغَارِبِ
لكتاب السماء وتاج السلطان

9- صهوة تاماوايت

للريش جناحانِ
وشاعرةٌ، وفرسان
لسماء الريش نسورٌ
تحمي الغيمات من الأعداء
ولأرض الريش أَشَاوسُ
فرسانٌ شداد
ولأحلام الريش شاعرةٌ
فارسةٌ من حاحو

لشهوة الريش
جناحان من فيض الماء
جناح زيز الهادر من أعلاه
إلى حضن الصحراء
وجناح حمزة الفَائضِ
من ألِفِ الماء إلى الياء
بجناحيها المائيتينِ
تَرْكَبُ أوحامُ الريش صهوةَ الفصول

هكذا هكذا
كانت تغني الفارسة الزَّگديةُ
فَضْمَةُ شاعرةُ الريش
وسلطانةُ تَاَمَاوَايْت
تُفشي كل مواويل القلب:
موالٌ منها لجموح الثلج
وموالٌ لنسور الأعلى
وموالٌ حام للفرسان الشجعان
المقاومين مدَّ المُحْتَلِّ الغادر بالأوطان

تحكي الملاحم التي كانت
وعن فارس لم يستطعه رصاصُ الأعداء
فأرداه رصاص الخلان
هوى واقفا
كما الأرزُ ونخلُ البلاد
وهو يقول – يدٌ على الزنادِ
ويدٌ على القلب بليلة –
( اقتلوا حظكم بأيديكم
ياخُذَّالَ القبيلة )
إن متُّ اكتبوا على شاهدتي
كي يَشْهد لي مَن لم يشهدِ

هو ذا الذي قتلناه لأنهُ
من أجل الحمى كان بالموعدِ
[ وظلمُ ذوي القربى،
يا طرفة ابن العبد
أَشَدُّ مَضَاضة على المرْءِ
من وقع الحسام المهندِ ]
شرف القبيلة أولى
من حياة ذُلٍ تَنْسَى روافذها
وتقتات كما الضباع
على فتات المعتدي

10- صهوة العياش

وأنا أَتَرَجَّلُ عن صهوتهِ
أهداني جبلُ العياشي من صدر أعاليه
إكليلَ أزيرٍ وزهورٍ عطشى
إلاَّ مِن قَيظِ الشمس وأنفاسِ الريح
قال ليِ الصاحبُ المريد :
صهوةُ العياشي يا مولاي
ليستْ سوى لطيور الأعالي
وللشعراء وللفرسان
ولم تكن يوماً للعابرين الناسين
سوى مساربُ النسيان

11- صهوة القمر

يا قمر الريش
يا نَزِيَّ الريش
لك الدَّارَةُ الضَّيَاُء
والهالةُ
لك البشائر
لك قلب الشمس يبايع
وقلب الكلماتِ
وقلب الشاعر

معلقة الوطن
(لآلئ عين أغبالو نكردوس)

كتبت بباب معتقل الصحراء
بأغبالو نكردوس ربيع 2019

إلى كل شهداء الوطن الذين قدموا أرواحهم من أجل أن تكون أحرارا، وكل رموز الذاكرة التاريخية الوطنية للمقاومة وجيش التحرير، وبعدهم إلى كل مغاربة “الجهاد الأكبر”

1- أمام اللوح المحفوظ

يا بنات الوطن
يا أبناء الوطن
العاشقاتُ والعاشقون ثراه
على مر الزمن
ها أنذا الآن الآن
يُعَلّيني وطن الأوطان
فوق الثرى وتحت السماء
أما اللوح الحافظ للأسماء
تُجَلّيني أرواح الشجعان
أمام الصدى المحفوظ بمعتقل الصحراء

ها أنذا أقرأ أسماءاً أحمل إرثا
تحملني أعمارٌ
ما هانتْ قربانا كانت
كي نحيا أسيادَ الزمن
نرى الأرض أرضا
والسماء سماءاً والشمس تاجاً
ونُرفرف أحرارا كما ترون
بكل ربوع الوطن

ها أنذا،
ولو في خريف العمر تَمنيتُ تَمنيت
ولو لحينِ
أن أكونَ ريحا، أو غمامةً
بأعالي بادُّو المجيدة
أو طائرا بجناحين
وأُحلّق حول ذاك الحائطِ الشاهدِ
من كل الجهات
حتى أراه أراني

ونقول، لبعضنا،
ولو مرة أو مرتينِ
عن رجال الجمر الذي ضمهم
ما يُشْفيكم ويُشْفيني
ويَزرع في وجدان الأجيال
وروحَ الأسلاف المقاومين الميامينِ

2- يقول المنفى

فوق جناح الريح هناك
حيث الأعلى الأزلي
سمعتُ صدى تاريخِ الأزمانِ
صدى الملاحمِ والأكوان
يُغَمْغِمُ في سَماه لكل من رآه
يا أيها الحالمُ بالصعودِ اِصْعد
فلا حقيقة إلا في الأعلى
ها هو الحائط الشاهدُ من أعلاي
في أعلاه
يعاندُ العوائدَ،
ويقاوم النسيان

اِستفيقوا،
يقول المنفى،
أيها الساهون
اللوح الصامدُ بالحائط يَسمو يخاطبكم
ولو بما لم يَمُتْ مع من ماتوا
ولم يموتوا
مع من كانوا ولازالوا بيننا الآن
كي نكون اليوم كما نكون
في أجملِ كل الأوطان

3- هو ذا وطني 1

غَنُّوا معي
غنوا معي:
(مَنْ تجاهل مَنْ أنت
يا وطني
سيخبره التاريخُ
والقِدَمُ
قولوا معي
جيلا بعد جيل أراه
هو الوحيُ واللوحُ والقلمُ

وطني روحُ الْمَتَى والأَيْن
والمعجزاتُ والبيْنَ – بَيْن
فلا تَسْتَغْرِبوا أيها الخُذّال لا تَنْكَتِمُوا
إن كان الله حافظه
والعز والمجد ناصِرُه
وخيول الله فيه لا تَنْهَزِمُ
فيه عيون الحراس لا تنام
وأصوات الشهامة فيه لا تَنكتمُ

5- هو ذا وطني 2

هكذا هو الوطن
يقول لوح الشهداء
في الحائط الشاهدِ
لكل جيل بعد جيل
واحد متعدد في واحدِ
قبلاً وآناً وبَعْداً
لكنه دوما
هو الوطن الجميل

وطنُ المطلق والتسبيح
وطنُ الممكن والمستحيل
وطنٌ لكل ما كان
وطنُ الآن وما سيأتي
وطنٌ لكل المَحطات والأزمنة
حتى وإِنْ تَشعبَتْ روافِدُه
ومرتْ به أكثر َمن غيمة وعاصفة
لازالت به الأرض ُتشتهي
والفصولُ فصولاً
ولازالت أركانُه واقفة

5- بعين اغبالو نكردوس

عين أغبالو انكردوس
عينٌ
ليس كالعيون
فيضُها الهادرُ الهَتُون
تَرَقْرَقَ لما رآني تَلَأْلَأَ حَيَّاني
وردد ماءاً يَنْصُر عِشْقَ الماء
(عاش الوطن، عاش الملك)
عانقتُ الماء
وقلتُ عاش عاش
يا أجمل الأوطان

جَثوتُ على ركبتيَّ
أعُبُّ من مائها الزُّلال
وقلتُ ما أعظم عشق الوطن
بخرير الماء،
كنتُ أسمع ما كان
زَمْجَرَةَ السلاسل،
تَكْبيرَ الرجال
يَعلو من بين ثنايا الماء

كلما اشتد سوطُ السجان
ركعت ساجدا
بحضن العين لله
عينٌ على الماء،
وعينٌ على المنبع
كأن المنبعَ يَحكي ويَحكى
كأنما لا يريد أن ينتهي
وكنت أشرب أشرب
كأنما لا أريد أن أنتهي

شربت بقدر ما أستطيع
بقدر ما أشتهي
لا لكي أسْكَر
بل لأصحو شاعرا
وأُفيقُ الأجيال التي نَسيَتْ
تاريخا كَتَبَ الأجدادُ مدَاه
بمداد العمر
وأكثر أكثر

كان الماءُ يراودني في الكفين
يُمْعِنُ بي
تَهْمِسُ لي
زِدْ لك عَبَّاتٍ
من قلب المنبعِ واسمعْ
ما لم يَكتبه الخَطَّاطون على الرمل
ولا الزعماء السُّذَّجُ والمُنْتَهِزون
وما لم يقرأه الطلاب بألواح الحَرَّافين
ولا رآه المنجمون

أَبِلِغْ طلابَك أنَّ بعين العين نشيدا
يَحْفَظُهُ الحائطُ لا ينساه
أسماءٌ
خَطَّتْها الشمس
ورغم الأنواء
لا زالت تستطع بالآيات
وبالأنوار تلمع تلك الأسماء

أسماءٌ
لم يَحْجُبْها موتٌ،
لم يُخْفِ ملامِحَها كَفَنْ
ها هنا
لوح الذين تأججوا
وأججوا القبائل في وجه الأعداء
كي يعود للبلاد عزُّها الذي كان
وللكروم عناقيدُها
و للشعب المُنِيفَ عرشُ الوطن.

قال الماءُ انتصِبْ
يا وارثَ الملاحِمِ والبطولات
فللماء في هذا الوطن الأثيل
مَلاحِمُ لا تَنْتهِي
ولا يطويها الليل
انتصبتُ
والعينُ للأُفْقِ ترنو
سمعتُ الصدى
(والصدى أنصع من صوت الحقيقة)

6- أَفِقْ رَشَّتْني أجنحةُ الماء

أخذتني سِنَةُ الوجدان
وما عاناه الأجداد
أَفِقْ،
رَشّْتْنِي أجنحةُ الماء
وزادت تحكي لي
ما كان وما كان.
فتَمَلْمَلِتُ ذات اليمين وذات الشمال
كأني أحلُمُ،
كأني أستفيق
ويستفيق بداخلي الزمان

قِفْ ناداني
يا هذا الضارب في أحضان الجبلِ الحافظِ ملحمةَ الفرسان
رَدِّدْ أسماءَ السِّرب المَرْصوفِ بصدر اللوحِ يُرَتل أشعار الشجعان
لا زالوا ينشدون كما كانوا
ولازال يُعيد صداهُم بَوْحُ الجدران
(هل تسمعون معي الصدى الآن؟ !)

يقول صداهم
كنا حطبا
للهيب الوقت المُرِّ
كنا نَعْلَمُ أن رماد الأجساد سمادُ الأرض
كنا نارا،
تَأْكُلُ أجنحةَ الريح المُحتل لناصيةِ الأوطان

7- قال الشهود

كم شُهُودٍ
بمعتقل الصحراء
وقفتُ أمام اللوح الشاهد أصغي
أسَرَّتْ لي بأسرارها وأوزارها
من أول الكلام
قال لي لوح الأخيار:
(أنا من شجر الأرض
عايشتُ الأمجادَ بها مجداً مجداً
وبصدري الفائض كلُّ الأوزار
وكل الأسرار)

ومن آخر الكلام
قال السور الحامل للوح:
وللسور تاريخٌ
لا يكذب لا ينسى
(اليد التي
جعلتني مُعتقَلاً للأسياد
بَتَرْتُها
لأنها كانت من جُذَامْ

ومن غير كلام
حجارةُ السور قالت تشُدُّ بعضَها وتُقْسِم
(صدقوني أولا تصدقوني
أنا شذرةٌ من كبرياء
من جَبَلٍ طاعنٍ في الشموخ وفي الزمان
كنتُ على مضض قطعةً من سجن الرجال
كرهت السجنَ المظلمَ والسجان
وأصبحتُ الآن الشاهدَ الأمين
على كل ما كان وكان )

8- سرب نشامى الوطن

قبَّلْتُ اللوحَ
وصرت أردد كل الأسماء
اسما اسما،
شيبا وشبابا
من كل ربوع الوطن المنصور ثراه
من الأسلاف إلى الأخلاف
ويُجيب كلُّ من كنت أناديه
كما لو يَسمعني من ماضيه
والريح يعيد صداه

(ها أنذا ها أنذا
وطني الغالي
وكنت فداه)
رددتُ مع الريح الحافظ للأسماء
ها أنذا أشُدُّ بقدر ما أستطيع
شُدُّوا معي
يا أهلي وخلاني وأَبنائي
حَبْلَ بَلَفْرِيجَ وعهدَ الإمامِ
والحنْصَالِيِّ وشيخ العرب

والمُحمديِّ والقَصِيبيِّ،
وابنِ ادريسَ والعراقيِّ
وجوريو والقاسمِ جَدَّاين
وابنِ جلونَ والأشرفيِّ
وابنِ بَرْكةَ والمختارِ السُّوسيِّ
وبركاشَ والقَصْرِيِّ
والصائغِ والميدالتيِّ
والشاعرِ فَضُّولَ وبادّو المَكِّيِّ

والمَسْطاسِيِّ وعمورَ وبنّانِي
وحُوسَا حفيدُ الزيانيِّ ،
والشرايبيِّ والأحمدِ الزَّيْديِّ والمَشْرِفِيِّ …
وزِدْ عُدَّ معي بقدر ما تشاء
أيها الكثيريُّ الشَجِيُّ الشاهدُ الحارس ذاكرةَ الوطن
وعُدُّوا معي أنتم
بقدر ما تستطيعون
يا كلَّ وارثي حَبْلَ الحُماة على مرِّ الزمن

قلت يا إلهي:
كيف تَقَادَمَ الصلصالُ
وما زال الطينُ
واللوح الحامل ينبض يَنْبُضُ
ذَبُلَ الحائطُ المهجورُ
وما تعِبَتْ قَدَمَاهْ
تآكلتْ جنباتُ اللوح ولازالت تَعْبَقُ لازالت
رائحةُ الصَّمْغِ بأوصاف الأسماء

مازال المنفى الخلفيُّ
يُرَدِّدُ للوجدانِ وللزمن
(ها هنا كان الرَّوافضُ
والخَوَراجُ الفرسان
يستعيدون الملاحم التي كانت
والدماءَ الزكية التي أُريقت من أجلنا
ومن أجل الوطن)

9- قمرٌ
وسِتٌّ وسبعون كوكبا

عانَقْتُ الحائِطَ نِمْتُ قليلا
فرأيت ما رأيت في المنام
رأيتُنِي طائراً،
وأُرَفْرِفُ أكثرَ من جناحيَّ،
علَّني أَصْعَدُ أصعد
خلوةَ الواثقين مع الصاعدين
ومِنْ كل السماوات التي عرفتُها
رأيتُ سماءاً أقربَ للأرض من سواها
يُحيط بها ليلٌ بهيمٌ من كل الجهات
يلُف دجى العالمين

رأيتُ بِغُرَّتِها – وجلالُ الله عليها –
سِتًّا وسبعين كوكبا أو يزيد
تُحَلِّقُ الكواكبُ حول الثريا
من قريب من بعيد
يَقْصِدون أطرافَ الليل ثم يعودون
والثريا تُمْسِكُ بالسديم
والسديمُ يجمع بين شَتَاةِ الكثرةِ والوحدةِ في واحد
حوله النجوم تختفي وتعود
وفجأةً

طَلَعَ القمرُ الفضيُّ
المنفيُّ المجاهد
قمرٌ لا كالأقمار عليه مهابة
يُمْعِنُ في كل ربوع الوطن المَسْبِيِّ
ورأيتُ به وجها يتجلى ويستدير
باسماً مثل نبيٍّ، عليه جلال ونور
ومن حوله خطوطٌ كأنها كتابة

 

ورأيتُ في الخلف سحابة
كما لو كانت
تناور كي تُخْفِيه
لكنَّ الكواكبَ السِّتــاً وَسَبْعِين
تَحَلَّقَتْ مثل طيور
ومَزَّقَتْ إرباً إرباً
تلك السحابة

فاستفقتُ مسحورا
من كُثْرِ التَّجَلِّي
والغرابة
وتمنيتُ أن أُصْبِح طائرا
مثل تلك الطيور
ولو بالحلم
ولو بالكتابة.

فهرس الموضوعات
تقديم وإهداء 1
معلقة أيت حاحو صهوات الريش 4
1- صهوة الحروف 5
2ـ صهــــوة الغـــيـــمــــات 17
3- صهوة الكأس 23
4- صهوة الصخور 27
5- صـــهــــوة البــــــوح 31
6- صهوة العاشق النزي العذري 37
7- صهوة الفارس ابو شيل 47
8- صهوة سليمان النبي 51
9- صهوة تاماوايت 57
10- صهوة العياشي 63
11- صهوة القمر 65
معلقة الوطن/ لآلئ عين أغبالو نكردوس 67
(1) أمام اللوح المحفوظ 69
(2) يقول المنفى 75
(3) هو ذا وطني 1 79
(5) هو ذا وطني 2 83
(5) بعين اغبالو نكردوس 87
(6) أفق رشتني أجنحة الماء 97
(7) قال الشهود 101
(8) سرب نشامى الوطن 105
(9) قمر وسِتٌّ وسبعون كوكبا 113

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد