- بقلم : محمد بلهي //
في موسمه الرابع ، بمائة و عشرون حلقة يواصل مسلسل “بابا علي” سطوته الفنية على ” التوندونس” الفني بمزاحمته القوية لأكبر الانتاجات الفنية ببلادنا ، إذ نجح في شد انتباه قاعدة عريضة من المتابعين و المشاهدين من بوابة القناة الثامنة الأمازيغية التي تبثه يوميا خلال شهر رمضان وفي وقت الذروة أي مباشرة بعد الإفطار.
” بابا علي ” مسلسل تراثبي تاريخي تمتزج فيه الأحداث الواقعية التاريخية بالخيال الفني ، نجح السيناريست احمد نتاما في حبكه بكثير من الذكاء و الكفاءة الفنية . وتدور أحداث حلقات المسلسل في فضاءات طبيعية مفتوحة و جميلة ، منازل و رياضات و قصور تجسد عبقرية الإنسان الأمازيغي في بناء مساكنه وفق نمط معماري متميز وبخلفية ثقافية و حضارة عظيمة مع مراعاة وظائفها الايكولوجية بما يلائم و يتناسب مع طبيعة المنطقة المقاومة للبرد شتاءا و الحرارة صيفا فضلا عن كونها تتمركز فوق الهضاب و الجبال استحضارا لمبدأ الأمن و القدرة على رصد و صد أي عدوان محتمل أو على ضفاف الأنهار و المنابع المائية تجسيدا لمبدأ الخصوبة و ضمان الأمن الغذائي . ومبدئيا تدور احداثه التي تتنوع بشكل مثير ، ما بين الفكاهة و الدراما ، حول ثنائية الخير و الشر او بتعبير اخر بين الذكاء و الدهاء و بين القوة و الجبروت.
الحكيم ” بابا علي” بذكاءه الحاد و تواضعه و زهده القريب من المجدوب يواجه مكر و خداع موشي ، ذالك اليهودي الذي اندمج بشكل كلي داخل المجتمع الأمازيغي مجسدا مبدأ التعايش السلمي بين الأمازيغ و اليهود عبر التاريخ ببلاد المغرب، هذا من جهة و في نفس الوقت يجابه ” بابا علي ” الطاغية أضاشي و حليفه الخادم ” الداغور ” و الصراع كان حول السلطة و الثروة ، و في المقابل يبقى الصراع على الأرض ثانويا بنفس درجة حضور مؤسسة الفقيه و أمغار بسبب نجاح بابا علي في إضعافها و تجاوزها ليبقى رأسا مع مؤسسات القاضي و الحاكم.
أضاشي و الداغور يجسدون الشر و يعتمدون على القوة و الجبروت محاطين بجيش من المحاربين و قطاع الطرق، فيما بابا علي يجسد الخير و يقود القبيلة بكثير من الذكاء و الدهاء لمقاومة رموز الشر بعد ان ينجح في تحييد كل القلاقل الداخلية و بتنسيق مع مؤسسات الحاكم(ة) (فاطمة باوجي) والقاضي(ة) خديجة أمزيان قبل ان يعوضها القاضي المزور (عبو) وبين هذه الثنائيات تستمر الحياة اليومية لسكان القبيلة كمجال للتنفيس عن المتلقي بكثير من المواقف الكوميدية والمقالب المضحكة ابطالها موشي وبابا علي وعابد وحمو ومسعود و اخرين.
بابا علي إذا يشكل مجتمعا تتشابع فيه العلاقات الاجتماعية بشكل الي وفق منظور دوركايم مع حضور نمط التدين الشعبي مع حضور مؤسسات الصلحاء والاولياء والسحر وفق ثنائية المقدس والمدنس اي الاخروي والدنيوي مما اضفى على المسلسل طابع الغنى والثراء الثقافي والتراثي والفني.
ومما يمكن إجداؤه كملاحظات نقدية كون الصراع على الارض يأتي في المرتبة الثانية بعد السلطة رغم أهمية الارض والماء عند الشعب الأمازيغي.
كما يمكن تسجيل غياب الاطفال والموالد ماعاد ظهور مجموعة من الاطفال المتمدرسين في الكتاب، خلال الجزء الرابع من المسلسل أما في الفضاء العام فتكاد لانرى الاطفال خاصة في ساحة اللعب كمدرسة للتنشئة الاجتماعية ، و في المقابل يحضر طقس الزوال بدافع المصلحة أمغار”هروب من السجن ” والتاجر بلقاس ” الثروة ” وحمو ” الاخبار ” نمادج فضلا عن غياب طقوس الإحتفال وخاصة أحواش المعروف عن الامازيغ درجة ولعهم به واستحضاره في كل مناسباتهم الدينية والدنيوية .
ليبقى مسلسل بابا علي علامة فارقة في تاريخ الانتاجات الفنية ببلادنا و الذي انطلق بدايات التسعينيات من القرن الماضي بمبادرات شخصية وبإمكانيات محدودة من مناضلي الحركة الأمازيغية بصمها بكل اقتدار السيناريست والمخرج الحسين بويزكارن بفلمه الشهير ” تامغارت وورغ ” بشكل يزكي ويرسخ مكانة المرأة في الثقافة والحضارة الامازيغية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.