الدين والثقافة والحضارة
- أزول بريس – محمد شنيب – ميلانو //
ثلاث كلمات لها مفاهيم ومعاني ذات دلالات مختلفة وتتداخل معانيها في الكثير من الحالات لتعطي الإنطباع عن تشابهها وفي ذات الوقت هي مختلفة المعنى. والمدلول هذه الكلمات هي:
1- الدين،
2- الثقافة،
3-الحضارة
ولنتناول هذه الكلمات على حدة لمعرفة معانيها وما علاقتها ببعضها البعض وما علاقة الدور الذي تقوم به في حياتنا في يوميات وتاريخ الإنسانية.
1-الدين عند الكثير من المؤمنين بالديانات وليس التوحيدية فقط بل حتى الديانات الأخرى مثل الهندية والبودية ،وبالذات المؤمنين بالديانة الإسلامية والمسلمين ، هو نظام شمولي يؤطر للطريقة الأمثل التي يجب أن يعيش عليها العالم الدنيوي، بل يعتبر المسلمون أن الدين الإسلامي يشكل في ذاته حضارة.وهذا ما ذهب له حتى بعض مفكري وكتاب العصر من الكتاب الغربيين من أمثال “سامويل هانتيغتون” في كتابه “صراع الحضارات”
هذا الكتاب الذي أثار الكثير من اللغو والنقاش على مستوى كثير من أصحاب الرآي والسجال السياسي والثقافي بعد صدوره في النصف الثاني من تسعينات القرن الفارط.
إذ أنه إعتبر الدين الإسلامي حضارة مسميآ إياها الحضارة “الإسلامية” وكان له بالأحرى إعتبارها الثقافة الإسلامية أي الثقافة التي تبنت الدين الإسلامي لها كدين أساسي وبمختلف مذاهبه السني والشيعي وكذلك المذاهب الفرعية الأخرى. وإعتبار”هانتينغتون” هذا جعله يقع في خطأ تعريفي أوقعه في الخلط بين الدين من جهة ومن جهة الثقافة التي تتبنى الدين الإسلامي كمذهب وإرث أيدولوجي يرجع ميلاده ونشأته إلى القرن السابع الميلادي في الجزيرة العربية.
فالدين في ذاته لا يشكل ثقافة كما أنه لا يشكل حضارة أيضآ ولكن الثقافة يمكن لها أن تتبنى الدين كإرث أيدولوجي مؤثر فيها … هذا الخلط في المفاهيم ومن تسمية هذه الآشياء بالخطأ نتج عنه منظور عنصري واضح ومؤجج للفكر التقسيمي بين البشر بالرغم من أن الكاتب أي السيد “هانتيغتون” لا أعتقد أن ميوله الشخصية يمكن وصفها بالعنصرية.
الدين أيضآ وحده لا يمكن أن يشكل حضارة كما ذكرت سابقآ،فتعريف الدين هو الإيمان بالخالق وعبادته بإتباع طقوس وشروط معينة وتكون هذه الطقوس والشروط ذات طابع ممارسة شخصية وتربط الإنسان الشخص بالخالق وتنعكس على معاملته اليومية في أمور الحياة. وبذا يكون الدين آسلوب ذو أبعاد وإلتزامات شخصية تمامآ ولا يمكن تعميمها على بقية الناس، ومن هنا لا يمكن أن يكون الدين حضارة.الدين إرتبط بإنسان الغابة والبدوي والحضري المدني،كما إرتبط بلإنسان الغير متعلم والمتعلم وأيضآ المثقف والغير مثقف والمطلع والغير مطلع والواسع الإدراك والغير واسع الإدراك.وكل منهم له تصوره في الإيمان والشيء الذي يؤمن به إذا آمن أم لا. والدين هو شيئ موروث وغالبية البشر في عالمنا اليوم ترثه وراثة عن الأباء والأجداد أي أنه موروث وليس مكتسب وفي غالب الحالات غير مكتشف فهناك مسلمين ومسيحيين ويهود ومن وديانات أخرى من مختلف الأجناس في قارات عالمنا الذي نسكنه تعرفوا على دياناتهم كموروث من أمهاتهم وأبائهموتولو هذا الدين أو ذاك عن طريق الوراثة، غير أنهم من الممكن أن يغيروا أو حتى يكفروا بالدِين الموروث.
أما الحضارة فليس هناك حضارة ممكن ربطها بعرق أو جنس بشري معين لإن الحضارة هي تعبير عما وصلت إليه الإنسانية بجموعها وشمولها.
وهكذا تكون الحضارة نتاج قافلة الإنسانية مجتمعة وهي عصارة الإنسانية وماوصلت إليه منذ بداية الإنسان البدائي في الوجود.أي هي تراكمات ما وصل إليه الإنتاج الإنساني في ربوع هذا العالم اليوم.
ما وصل إليه الإنسان القديم والحجري وإنسان العصر المعدني وما إكتشفه من علوم وما وصل إليه من فلسفة؛كل هذا تقولب في أشكاله المختلفة ليشكل الحضارة الإنسانية جمعاء ولا شك بأشكال مختلفة ولكن لا يمكن القول بأن هذا هو نتاج ينتمي لجنس معين من البشر.فما أنتج وعمل به في أيام الفينيقيين واليونانيين والرومان….الخ لا يمكن إعتباره حضارة تخص الفينيقيين واليونانيين والرومان،لأن أثاره تعلمتها وطورتها الشعوب الأخرى وأيضآ في الإطار اللغوي في ثقافتها.وسيبقى هذا التراث للإنسان ساكن هذه الكرة الأرضية.
فالإدعاء كما يقول الكثير ممن يدعون أنهم عرب وبأنهم هم من أعطى الحضارة إلى أوروپا أيام كانت في العصور الوسطى المعروفة أيضآ بعصور الظلام أو كما تسمى عصور الظلام،أن هذا الكلام غير صحيح حيث أنه من المعروف أن ما تم أثناء الدول المسماة الدول أو “الخلافات الإسلامية ” لم يكن ليس إلا ترجمة ماتم معرفته من قبل الحضارات التي سادت العالم من قبل،ثم تم ترجمته ونقله ولا شك أيضا ما تمت إضافته على التراث الإنساني.فما قام به إبن سينا والفرابي (الملقب بالمعلم الثاني وعلى إعتبار أن أفلاطون كان المعلم الأول) والخوارزمي الذي إكتشف الصفر وما قام به إبن رشد والذي ظلت كتبه تدرس في أوروپا لفترة تاريخية لاحقة له،كل هذا يعد هو الإمتداد الطبيعي لتطور الحضارة الإنسانية،أي أن الحضارة متداخلة وممثلة للإنسان ولا يمكن إعتبارها تمثل عرق بشري واحد أو ثقافة أو دين معين.ما وصلت إليه أوروپا والولايات المتحدة والياپان والصين وروسيا وغيرهم من الدول المتطورة اليوم سيبقى تراث لكل الإنسانية في كل المجالات من طب وهندسة وإختراعات مختلفة في علوم الفضاء والصناعة.
أما مجموع الثقافات الإنسانية في المجتمعات الإنسانية المختلفة فهي لاشك تختلف من مجتمع إلى آخر ولها ذاتية وخصوصية تميزها عن بعضها بل تنعكس على الممارسات اليومية على كل مجتمع بذاته من عادات وتقاليد من أكل وشرب ولبس وفن كموسيقى والكتابة بلغات مختلفة تصل الإختلافات فيها حتى في الوطن الواحد وخاصة إذا كان بالوطن عدة مكونات إجتماعية ثقافية مختلفة وقد تصل هذه الإختلافات ألى خلافات عميقة ما قد يؤدي إلى الصراع بينها مثلما ما حدث في يوغوسلافيا في تسعينات القرن العشرين وكذلك الخلاف الذي أدى إلى إنقسام السودان إلى سودانين شمال وجنوبي.وكلا هاذين المثالين لايمكن إعتباره صراع حضاري بل صراع نابع من الموروث الثقافي.
وإذا ما رجعنا إلى فترة الحروب الصليبية فسنجد أنها حرب وصراع ثقافي بين موروثين دينين بالرغم من كونهما ديانتان توحيدتان تؤمنان بوجود خالق واحد للكون.وكذلك الصراع الفلسطيني اليهودي في نهاية المطاف هو صراع ديني له جذور تاريخية قديمة التي أدت إلى طرد اليهود من فلسطين؛فكلا الشعبين اليهودي والشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه ينتميان تلريخيآ إلى فلسطين فكتب التاريخ وكذلك التورات اليهودية تحدَّتنا عن وجوداليهود في فلسطين وكذلك تحدثنا عن كل من الملك سليمان وهيكل الملك دَاوُدَ وكذلك هجوم الفرس على فلسطين وطردهم لليهود.كما يحدثنا التاريخ عن الكنعانيين الذين سكنوا فلسطين والشام أيضآ كما يحدثنا القرآن عن القدس ،في سورة الإسراء والمعراج للنبي محمد، التي إنطلق منها إلى السموات السبع.ومن هنا فكلا الشعبين له الحق في الإنتماء لفلسطين وإنما الصراع بينهم هو صراع نتيجة لإختلاف ديني وقد يأخد حتى منحنى ثقافي ولكنه لا يمكن أن يكون خلاف حضاري، فكلا الشعبين يمكنهما تقاسم التعايش في فلسطين في دولة علمانية تعترف بهما كشعب واحد له مكونات إجتماعية ذات ثقافات وأديان (توحيدية) بها بعض الإختلافات،فالإسلام يعترف بنبوة بل يؤمن بكل من محمد وموسى وعيسى قبله أيضآ.
التعليقات مغلقة.