أزول بريس – احمد بودهكات //
في التسعينيات (على ما أعتقد خلال أجواء ما قبل انتخابات 1997) نشرت جريدة الإتحاد الاشتراكي (الجريدة الأولى من حيث المتابعة في المغرب آنذاك) ملفا مفصلا حول طرق هندسة السلطة للانتخابات والتحكم في الخريطة السياسية (أيام الصدر الأعظم البصري). وقد تم سرد مجموعة من الطرق، منها ما هو مباشر وما هو غير مباشر يتم الإعداد له عبر سنوات وعلى سبيل المثال لا الحصر:
- التحكم في اللوائح الانتخابية عبر الإنزال (تسجيل الغرباء، عدم التشطيب على المتوفين والمغادرين للدوائر مع استعمال بطائقهم الانتخابية للتصويت)؛
-
التلاعب في المحاضر بتواطؤ مع رؤساء مكاتب مشكوك فيهم؛
-
التأثير المباشر على الفئة الناخبة؛
-
قطع التيار الكهربائي أثناء فرز الأصوات؛
-
إعداد بروفيلات لمرشحين، وتيسير قضائهم لأغراض الساكنة دون غيرهم قصد جعل الساكنة تقترحهم لتمثيلها…
إلى غير ذلك من الممارسات التي لا يمكن التفكير في استعمالها الآن بنفس الطريقة لعدة أسباب موضوعية، منها تطور المجتمع والذي يوازيه تطور القوانين الانتخابية، وكذلك تواجد آليات المراقبة، خصوصا المدنية منها. دون نسيان ما يعيشه العالم الآن من ثورة رقمية، تسجل توثق كل كبيرة وصغيرة.
من هنا نلاحظ أن التحكم في الخريطة الانتخابية كان مباشرا، ويمارس في الدوائر الانتخابية، مما يعني تواجد أطر ميدانية قادة بشغلها. ولنا مثال فيما قاله الفنان الساخر أحمد السنوسي في أحد عروضه حول إخفاق العداء العالمي سعيد عويطة في الظفر بمقعد برلماني (عويطة ما خلا فين ما جرا وربح نهار جرا فالانتخابات عكلو مقدم).
وفي تجربة أخرى مرتبطة بأحد أهرام الإتحاد الاشتراكي “سي عبد الرحيم بوعبيد” الذي اختار خلال الانتخابات التشريعية لسنة 1977 الترشح في مدينة أكادير التي بدأت تتعافى من تبعات الزلزال المدمر. وأنقل مقتطفا من جريدة المساء في العدد الصادر يوم 5-08-2012:
(قبل الانتخابات التشريعية لسنة 1977، استدعى أحمد بنهيمة، وزير الداخلية آنذاك، عبد الرحيم بوعبيد وسأله: كم عدد النواب الذي تريدونه؟ ولوح له بما بين 46 و50 نائبا من أصل 176 مرشحا، وهو ما رفضه الكاتب الأول للاتحاد، لأن ذلك بالنسبة إليه كان طعنا للديمقراطية، ورد عليه بأنه «لا يمكن أن نناضل من أجل الديمقراطية ثم نطعنها بهذا الشكل من الخلف، فقبولنا بعملية «الكوطا» القبلية هو ضرب لدمقرطة المغرب، بل يشكل مأساة للوطن ومستقبله السياسي».
وكانت النتيجة أن عوقب الاتحاد من حيث حجم المنتخبين في البرلمان، حيث لم يتجاوز عدد الحاصلين على المقاعد 15 نائبا من حوالي 80 مقعدا، وأسقط عبد الرحيم بوعبيد في أكادير التي بعد أن رشح نفسه بها بعث إليه الملك يدعوه إلى أن يترشح في أي مكان آخر عدا أكادير)
الواضح أن المستجد الآن هو الجدال الحاصل حول القوانين التنظيمية للانتخابات، وخصوصا ما يتعلق بالقاسم الانتخابي وإلغاء العتبة، والذي يراه المراقبون بلقنة للمجالس المنتخبة تشريعية كانت أم محلية.
وإذا كان للموضوع ما يبرره فهناك قراءات لا بد من الإشارة إليها.
- يمكن القول أن تجربة ما بعد (الربيع الديموقراطي) أدت إلى انتكاسة كبيرة، وأعطت نتائج مخالفة لما هو متوقع. حيث تقوت الدولة المركزية على حساب التنظيمات المدنية والسياسية، مما أدى إلى تراجعات اجتماعية وحقوقية تقلصت معها الحريات، خصوصا حرية التعبير التي عرفت أوجها في العشرية الأولى من هذه الألفية. هذه القوة التي اكتسبتها الدولة منحتها نزوعا نحو المركزية، في تراجع كبير عما يتم تسويقه من لا مركزية ولا تمركز وجهوية موسعة.
من جهة أخرى يمكن طرح تساؤل حول الأطر المدبرة للإدارة الترابية، خصوصا الشق المتعلق بالانتخابات، فكما هو معلوم ففي الماضي كانت هناك أطر ميدانية ملمة بمحيطها لا على مستوى الأقاليم أو الدوائر الصغيرة، عكس ما هو موجود الآن بسبب نزيف التقاعدات والمغادرة الطوعية. الشيء الذي لا يمكن تعويضه بخريجي المعاهد خصوصا من حيث النوع والكيف.
ويبقى أكبر ما يؤخذ على الدولة هو مساهمتها في إضعاف الأحزاب والنقابات وتبخيس العمل المدني، وهو ما نعيش تبعاته الآن، عبر عزوف المواطن عن الممارسة السياسية بل شيطنة ممارسيها. وما يتم الآن معالجته بالقانون الانتخابي كان بالإمكان معالجته بشكل ديموقراطي، عبر أحزاب قوية. فتغول حزب العدالة والتنمية ليس بقوته لكن بضعف أو بإضعاف منافسيه.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.