الدكتورة ثريا بن الشيخ : ” المثقف المغربي و تداعيات كورونا، الواقع… و الآفاق المستقبلية..؟

إعداد سعيد الهياق//
في سياق تداعيات أزمة إنتشار مرض كورونا المستجد-كوفيد 19، يتضح أننا اليوم نعيش تحت الحجري الصحي في ظل حالة الطوارئ. و هذا الوضع غير إلى حد بعيد مجموعة الأنساق في حياتنا اليومية. و جعل المثقف المغربي يتأثر و يتفاعل معه حسب تقديراته و تصوراته الخاصة. و مع الدكتورة ثريا بن الشيخ في قراءة لدور المثقف المغربي وتداعيات كورونا.

المثقف المغربي وتداعيات كورونا، الواقع .. و الآفاق المستقبلية…؟

” منذ أزيد من شهر الآن ، وأنا أقاوم الرغبة في الكتابة حول الوباء الذي اجتاح الكرة الأرضية، ولم يترك منها زاوية إلا واقتحمها بدون سابق إنذار أو انتظار ؛ قاومت هذه الرغبة ريثما تتضح أمامي الرؤية من خلال العثور على رأس خيط أعتمده في محاولة الفهم أو التفسير أو الاستيعاب ، استيعاب ما حصل في العالم وربطه باسباب ومسببات أو بتفسير منطقي يخفف من هول الحدث . إلا أنه، تعددت التفسيرات والاطاريح بحيث يواجهنا كل يوم تفسير مختلف يجعلنا ندرك فعلا أننا أصبحنا متجاوزين مغلوبين على أمرنا . ولا نملك سوى الارتباط بما يصلنا من أخبار انتشار العدوى وبما يمنحنا الاتصال بالأهل والأحباب والأصدقاء من صبر أحيانا وتخوف وفضول في غالب الأحيان . إننا نعيش الآن جميعا وفي نفس الوقت وكأننا في قاعة انتظار كبيرة ، وكأننا في طابور واحدٍ ننتظر ما سوف تأتي به الأوضاع من مستجدات . لأول مرة في التاريخ ، تتوقف الحياة في جميع دول العالم وبدون تراتبية أو تمييز ، وَتَمَّ فتحُ حوار صامت بين جميع الشعوب حول حقيقة الوباء وحقيقة انتشاره بهذه السرعة وحول استهدافه فئة عمرية معينة وحول عجز العلم الحديث عن التوصل إلى حل يناسب هذه المعضلة أو يقلل من وطأتها أو يَعِد – على الأقل- بانفراج قريب .. الغريب أنها المرة الأولى في التاريخ التي تتوحد فيها أهداف الشعوب قاطبة وتتفق على لغة واحدة مشتركة تتجلى في ضرورة مواجهة الوباء بما يلزم من حذر ووقاية ودراسة مستعجلة وقائية تجنبا لكارثة عظمى .. تعددت التفسيرات والاطاريح ، فهناك من يحتكم إلى منطق المؤامرة ، وهناك من يربط الوباء بخطأ مخبري أو علمي ، وهناك من يعتبر الوباء لعنة أو ابتلاء من الله للبشر قصد تذكيرهم بوجود سلطة إلهية تعلو فوق إرادة البشر ، وهناك من يسند المسؤولية إلى وجود صراع مبطن بين الدول العظمى حول ريادة العالم واخضاعه لسلطة العولمة التي تسعى إلى إخضاع العالم لنفس المصير بشكل تتشكل معه الإرادات وتتميز الشعوب الأكثر قدرة على الدفاع عن وجودها بضمان قوتها وسيادتها وقدرتها على حل كل المعضلات الاقتصادية أو الصحية أو السياسية أو العلمية أو الثقافية . كلما حاولنا مقاربة الموضوع تواجهنا حقيقة مَا تعيش في الظلام ، وإذا اعترفنا بعدم مسايرة العرب لما يقوم عليه تقدم الشعوب ، فهل يُعقل عجز العلم الحديث عن تفسير الظاهرة ؟ وعن إيجاد ما يناسبها من حلول ؟ وهل دواء Paludisme هو الدواء الوحيد الذي يقاوم الفيروس ؟ أسئلة كثيرة تزيد الوضع قلقا خاصة وأن هذا الدواء شبيه العلاج الكيماوي بالنسبة لمرض السرطان، فهو دواء لا يناسب كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة ، وهل يعقل وجود نية التخلص من أكبر فئة عمرية يتكون منها العالم من كبار السن ؟ .. أسئلة كثيرة تتناسل من خلال ما سببه الإعلام الغربي بشكل خاص من رعب بين الشعوب ، خاصة وأن الصورة العاجزة التي اتضحت في ميادين حيوية صحية جعلت العالم يكتشف هشاشة البنية التحتية في دول ظلت تصنف الأولى عالميا على مستوى الخدمات الصحية بشكل عام .. صحيح أن الألفية الثالثة عرفت تحولا كبيرا على جميع الأصعدة ، وقد دخلتها الشعوب العربية بوعي جديد تشكل بعد سلسلة من الثورات والاحتقانات التي عرفتها ؛ وقد أدرك الجميع ضرورة التغيير، ضرورة الانتقال من مرحلة التقليد والتبعية إلى مرحلة الرغبة في بناء الذات ، ولن يتحقق ذلك إلا بتغيير المنهج والأسلوب الذي تقارب به الأوضاع . فنحن في حاجة إلى العلم والمعرفة أكثر من أي وقت مضى ، ولابد من تحديد الأولويات التي تقوم عليها الحضارة الإنسانية . فكيف نتمكن من الانخراط في مجتمع مابعد الحداثة ونحن مازلنا نعيش خارج ما يمليه الركب الحضاري من سبل التقدم المختلفة والتي تبدأ بتوفير سبل العيش الكريم للشعوب التي يظل وعيها السياسي رهين معيشها اليومي …
وضعية المثقف ؛
إن المثقف المغربي بدوره يعيش اللحظة بكل ما بُنيت عليه من حقائق ومخاوف وطموحات . فكل يوم نعيشه يأتينا بأخبار ومعلومات جديدة وتأويلات مختلفة من شأنها خلق نوع من الارتباك على مستوى الرؤيا والأسلوب الذي يجب أن تقارب به القضية على مستوى الفهم وعلى مستوى التدابير الإجرائية التي يجب تبنيها لتجنب استفحال الوباء ولستحالة التغلب عليه ، إلا أن الواقع يسير ضد المتوقع ، وذلك أن المثقف المغربي بدوره منخرط في عملية التوعية والتوجيه والإشراف والتنظيم والأمن والتطبيب ، فلم يكن هناك اي شرخ بين مكونات المجتمع ، وقد توحدت لغة جميع المثقفين باختلاف توجهاتهم من خلال توحيد الجهود بين جميع مكونات المجتمع ، ولأول مرة في التاريخ ، لم تكن مقاربة الوباء في حاجة إلى مخاتلة أو صراع أو استعارات مؤقتة. فالمثقف لا ينحصر بين الكتاب والشعراء والمفكرين والأساتذة والمؤطرين وغيرهم ، فالاطباء هم أول المثقفين الذين وقفوا بكل صمود في مواجهة هذه الأزمة إلى جانب الممرضين ورجال الأمن وعمال التظافة ورجال السلطة وغيرهم ، وقد قدم المغرب للعالم نموذجا متفردا بقدرته على استباق الأحداث واتخاذ الاحتياطات المناسبة دون تأخر أو استخفاف . لقد ظهرت عدة مقالات هنا وهناك ، عبر الصحافة الإلكترونية لكتاب ومفكرين وشعراء وباحثين وأساتذة تتناول الظاهرة من زوايا مختلفة ، كما عقدت لقاءات افتراضية عبر النت مع مفكرين ومبدعين وفقهاء سعوا إلى طرح معظم الأسئلة القلقة التي تمس الواقع الجديد مابعد زمن كورونا . وقد اتضح وجود شبه اتفاق بين معظم المثقفين العرب حول ضرورة يقظة علمية جديدة تجعل العالم العربي يعيد النظر في سياسته الداخلية والخارجية حتى يتمكن من مسايرة الواقع الجديد برؤيا جديدة ومنهج يمكنه من تجاوز السبق الحضاري الذي يفصله عن الدول المتقدمة التي تملك سلطة العلم وسلطةالقرار . فبعد كورونا ، سوف يبدأ تاريخ جديد يتحمل فيه الجميع مسؤولية التأسيس لمجتمع جديد قائم على مؤسسات متوازنة تخدم مصالح الشعوب بتوفير سبل العيش الكريم و تشجيع البحث العلمي و إصلاح التعليم والصحة والقضاء والأمن بشكل يؤهل المجتمعات لمواجهة ما قد تعرفه الألفية الثالثة من أحداث .. كورونا بداية الوعي بوحدة الشعوب.”

الدكتورة ثريا بن الشيخ


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading