الدسـتــور و اللـغـة الأمـازيـغـيـة ، و جـمـاعـة تـازنـاخـت

مع دستور 2011 ، الذي أقر اللغتين العربية والأمازيغية  لغتين رسميتين للبلاد ،…. انتقل المغرب ، وطننا ، أو من المفـروض أن ينتقل ، من حقبة تاريخية ، إلى عصر جديد ؛ من حقبـة سادت فيهـا ، مع ” الحركة الوطنية ” ، نظرة شقية أحادية ضيقة إلى الذات الوطنية المغربية ، بفعل تاثير الفكر القومي العروبي في مثقفي هذه الحركة ، فأصبحنا نسمع ، في وطننا ، الدعوة إلى العروبة ، لأول مرة في تاريخ شمالي إفريقيا ، بل وأريد  للمغرب أن يوصف بلون واحد ووحيد هو لون هذه القومية . كما أصبح شمالي إفريقيا ينعت  بلونها ، إلى آخر هذا المسلسل الذي وصل حد الدعوة إلى  إبادة اللغة الأمازيغية ممثلة في لهجاتها الرئيسة الثلاث بالمغرب : تاشلحيت  وتامازيغت و تاريفيت ، وإلى الدعوة ، كذلك ، إلى تعريب التعليم ، والقضاء ، وصولا إلى الدعوة إلى ” تعريب الحياة العامة ” ، في المغرب  ؛  لكن  حقائق التاريخ ، الواقعية ، لا يمكن طمسها أو تزويرها أو تغييرهـا ،  و سرعان ما تنجلى من وراء الغبار  . لذلك ،  وبفعل جهود الحركة الأمازيعية ، الدؤوبة والمستمرة  ، لعقـود   من السنين ، و بفضل الإرادة الملكية التي استجابت لنداء الأرض و التاريخ ، وبدعم المتنورين من أبناء الوطن ،  جاء دستور البلاد ليعترف  و يقر بالواقع التاريخي ، الذي هو عمق شخصية هذه البلاد ” ، و ” صلب هويتها ” ، كما قال ملك البلاد في إحدى خطبه ، و ذلك  بإقرار هذا الدستور بأن اللغة  الأمازيغية هي اللغة الرسمية  للوطن ، مع اللغة العربية .

  و إذا كان الدستور  قد نص ، في فصله الخامس ،على أن إعمال مقتضاه في اعتبار اللغة الأمازيغية  اللغة الرسمية للبلاد ، إلى جانب العربية ، يمر عبر إصدار قانون تنظيمي ،  فمن البديهي ان الأمر يتعلق بالمستويات التي تتطلب  تهيئة هذه اللغة ، وتأهيل العنصر البشري ، و إعداد مختلف الأدوات و الوسائل التي من شأنها تيسير وضع مقتضى الدستور موضع التنفيذ ، بالسلاسة المطلوبة . وهذا بالنسبة لمختلف المجالات و المرافق   والمواقع  التي تتطلب مستوى معرفيا  أوعلميا ، لم تتم تهيئة  اللغة الأمازيغية  لولوجها ، حتى الآن .  أما المستويات الأقل من ذلك ، و التي لا تتطلب هذا الإعداد  و هذه التهيئة ، و التي يمكن تفعيل اللغة الأمازيغية فيها ، فمن البديهي أنه لا مبرر لتأجيل تنفيذ مقتضى الدستور فيها ، بدعوى انتظار صدور القانون التنظيمي . 

ولنأخذ ، مثالا على ذلك ؛  مثلا ، كتابة أسماء  وعناوين مختلف مؤسسات الدولة و إداراتها ، باللغة الأمازيغية ؛ فهذه العملية لا تتطلب انتظار صدور القانون التنظيمي  لإنجازها ؛ وبالفعل ، فإن هذا ما  تترجمه وتؤكده مبادرة مختلف إدارات  ومؤسسات الدولة ، المركزية  و الجهوية  والإقليمية ، والمحلية  في عدد من مناطق الوطن ، بكتابة أسمائها  التعريفية على واجهات بناياتها باللغتين العربية و الأمازيغية بحرفها العريق ، تيفيناغ  .

 و الآن ، لنأخذ منطقة  ، لنرى كيف تعاملت الجماعات الترابية  المحلية ، فيها ،  مع الدستور ، فيما يخص

ــ 2 ــ

وضع  ترسيم اللغة الامازيغية موضع التنفيذ ، على هذا المستوى . ويعود مبرر اختيارنا لهذه الجماعات إلى كونها  مِؤسسات  لامركزية  و ذات طابع تمثيلي للمواطنين ، و هذا يضاعف مسؤولية المشرفين عليها ، ليس فقط في الحرص على فهم وإعمال القانون التنظيمي الذي يؤطر عملها ، و لكن ، أيضا ، يضع على عاتقها واجب الحرص على الامتثال  للقانون الرئيس و السامي  للوطن ، ألا و هو الدستور.

 ولتكن المنطقة التي نختارها هي منطقة  تازناخت ، بإقليم ورزازات ؛ فكيف تعامل مسؤولو الجماعات الترابية المحلية  من رؤساء  وأعضاء مجالس هذه المنطقة مع الدستور ، فيما يخص حضور اللغة الأمازيغية  في كتابة لوائحها التعريفية ، المثبتة على واجهات بناياتها ؟ 

 لنسق الجواب عن هذا التساؤل في سياق رحلة نقوم بها من مدينة  أكادير ، عبر إقليم تارودانت ، إلى تازناخت ، وها نحن قد وصلنا إلى مشارف إقليم ورزازات .

 فلنتموضع في الرحلة ، ونعرض الوضع الحالي ، فيما يخص موضوعنا ، بالنسبة لجماعات إزناكن    و ويسلسات  وسيروا  و خزامة ( ءيخزامن ) ، ثم نخصص لجماعة تازناخت الوقفة الخاصة ، التي يقتضيها الموقف . 

و أنت آت من الطريق الرئيس الرابط بين أﯕـادير ورزازات ، مارا بإقليم تارودانت ، يكون آخر ما يودعك من هذا الإقليم ، قبل دخولك تراب إقليم  ورزازات ، لوحة عليها إسم  إقليم تارودانت ، مكتوبا  باللغتين الرسميتين للبلاد : العربية  والأمازيغية . على أنك لا تكاد ترى هذه اللوحة حتى ترى عند الحدود الترابية لإقليم ورزازات لوحة  أخرى ، تحمل : إقليم ورزازات ، مكتوبة بالعربية ، لا غير . فتشعر بالصدمة لأنك بعد كنت واقفا على قدميك المغربيين ، مستريحا ، مرتاحا ، قويا ، و أعني بهما اللغتين الأمازيغية  و العربية ، حين كنت في تراب إقليم تارودانت ،  فإذا بك  في هذه الجهة من إقليم ورزازات ، واقف على رجل واحدة ( ؟! ) ، لا على مستوى اللائحة التعريفية  بهذا الإقليم ، المكتوبة بالعربية ، وحدها ( ؟ ! ) ، ولكن ، أيضا ، على مستوى اللوحة المعرفة بالجماعة الترابية  لإيزناﯖن ، المكتوبة كذلك بالعربية ، لاغير (؟! ) ، فتشعر بأنك أبتر ، و تزداد  صدمتك  ، و تجد نفسك في مفارقة ، بين زمنين ، أو قل بين عصرين ؛ عصر ما قبل دستور 2011 ، و عصر ما بعده  . وهكذا و بدخولك إلى هذه الجهة من إقليـــم  ورزازات  تشعر أنك قد عدت القهقرى في الزمن إلى ما قبل 2011 ، و بأن المنطقة لم تنخرط ، بعد ، على مستوى عناوين الجماعات  و رموزها ، على الأقل ، في عصر دستور الوطن ، الجديد . و تواصل طريقك في اتجاه تازناخت ، و بعد أن تقطع سهل  تاسريرت ، و تمر

عبر منعرجات منحدر قرية  “كركدة ” ، و حين تدخل سهل  ويسلسات ،  لتصل إلى مقر جماعة ءيزناكن ، تواجهك اللوحة نفسها ، مكتوبة بالعربية ، دون الأمازيغية   ( ؟ ) .

ــ 3 ــ

 رغم أنه يحسب لهذه الجماعة عدم إقحام  لغة  موليير ، ربما عن عفوية ، إلى جانب العربية  في لوحتها التعريفية ، كما يحسب لها حفاظها على اسمها الأصلي القديم الذي هو اسم القبيلة الكبرى ( ءيزنا+ن ) التي ينتشر سكانها على مدى تراب  هذه الجماعة التي تسمى باسمها ( ءيزناكن ) .

 و تمضي في طريقك ، داخل منطقة تازناخت ،  إلى تازناخت المركز ، مارا بجماعة  ” ويسلسات ” ،  فتجد الوضع نفسه ، اسم الجماعة مكتوبا بالعربية ، فقط . سواء عند حدودها الترابية  مع جماعة ءيزناكن ،   أوفي مقرها  بـ ” تيمجيشت ” ، أو في واجهة  فرعها الموجود بجماعة  تازناخت ( ؟ ) ، فتزداد صدمتك .

نعم يحسب لهذه الجماعة أنها أضافت ، أخيرا ، على مستوى رمزها التعريفي في الوثائق ، اسمها مكتوبا باللغة الأمازيغية  ، إلي جانب اسمها بالعربية ، لكن  أضيفت إليهما  لغة موليير ، هذه المرة ( ؟! ) ، ربما ـ كما قد يفهم ــ لغرض وظيفي في التعامل مع المنظمات  الأجنبية الغربية ، و لكن هذا ، غير مبرر ، على كل حال ، بحكم الدستور .

   و لو زرت جماعة سيروا فستجد اسمها مكتوبا بالعربية و الفرنسية ، نعم الفرنسية ( ؟! ) ، فتشعر بأن إرث زمن ” الحماية ” الفرنسية  لا زال جاثما على العقلية التي كتبت بالفرنسية إلى جانب العربية ، و كذلك

ــ 4 ــ

العقلية التي تركت الوضع على حاله ؛ أما اللغة الأمازيغية  ، اللغة الوطنية ، و اللغة الرسمية  للبلاد إلى جانب اللغة العربية ،  فلا وجود لها ، حتى الآن ، في مخيال هذه الجماعة  ،    

  في حين ستجد اسم جماعة خزامة ( خزامة تحريف للكلمة الأمازيغية : ءيخزامن ) مكتوبا بالعربية  ، وحدها  ( ؟ ) ، كما هو الحال في جماعتي ءيزناكن و ويسلسات ، فتشعر ، في هاتين الجماعتين ( سيروا  و خزامة ) ، كذلك ، بأنك لازلت تعيش حقبة ما قبل دستور البلاد لـ 2011 .

 و إذ نعرض الواقع في جماعات ءيزناكن  و ويسلسات و سيروا و خزامة ( ءيخزامن ) ، من خلال ما هو مكتوب على لوحاتها التعريفة المثبتة على واجهات  بناياتها ، فإننا لا نظن أن الأمر يتعلق  بموقف سلبيي 

من طرف  رؤساء هذه الجماعات وأعضاء مجالسها ، إزاء اللغة الأمازيغية ، وإنما بنوع من التلقائية  والعفوية التي تجعل مسألة الحرص  على إعمال مقتضى الدستور خارج دائرة مركز الإهتمام ، الأمر الذي يطرح الحاجة إلى مزيد من استيعاء  الموقف بهذا الخصوص . و لذلك فإننا نلفت عناية  رؤساء هذه الجماعات وعناية أعضاء مجالسها الموقرة ، إلى الإلتفات  إلى هذا الامر وإعطاء الموضوع ما يستحق من الإهتمام  و العناية ،   بالعمل على تصحيح الوضعية الراهنة المتمثلة  فيما هو مكتوب ، حاليا على لوحاتها التعريفية  المثبتة على واجهات بناياتها ، و ذلك  بكتابة  أسماء هذه الجماعات  باللغتين العربية والأمازيغية ، في تلك اللوحات و على مستوى وثائقها الرسمية  ، و باستبعاد الفرنسية ، بالنسبة لجماعة سيروا . و ذلك امتثالا لدستور البلاد ، الذي أكدت المحكمة  الإدارية بالرباط  مقتضاه في حكمها  المرقم ب 4550 ، الصادر في الملف عدد : 2017/ 7110 /846 ، بتاريخ : 20/10/2017 ، و الذي جاء فيه  : “.. الدولة و الجماعات المحلية  و المؤسسات العمومية بجميع مرافقها تظل ملزمة باستعمال اللغتين العربية  أو الأمازيغية في جميع تصرفاتها و أعمالها ، من بينها اعتمادها في تحرير قراراتها و عقودها و مراسلاتها و سائر الوثائق المحررة بمناسبة تدبير جميع المرافق التابعة لها ، سواء كانت وثائق داخلية أو موجهة للعموم ، و في جميع حالات التواصل و التخاطب الكتابي           

ــ 5 ــ

و الشفهي  ، بأي وسيلة كانت مع المغاربة و الأجانب ، سواء داخل التراب الوطني أو خارجه ، من قبل ممثلي الدولة و الجماعات المحلية  و المؤسسات العمومية  و المرافق  والإدارات العمومية التابعة بصفتهم هاته ،  في الحالات التي يكتسي فيها الأمر طابعا رسميا و علنيا … اللغة الرسمية المقررة بنص دستوري تعد مظهرا من مظاهر سيادة الدولة ، في بعدها الثقافي والتاريخي ذي الإمتداد القانوني والإقتصادي والسياسي والإجتماعي ، ولذلك فإن استعمال الإدارة للغة أجنبية بديلة عن اللغة الرسمية ، في المجالات المذكورة أعلاه يشكل تنازلا عن هذه السيادة ، في أبعادها المشار إليها ، و انتهاكا لإرادة المواطنين المجسدة بنص الدستور الذين اختاروا العربية و الأمازيغية لغتين لمخاطبتهم من قبل الدولة و جميع المرافق العمومية الأخرى ، كما أنه تصرف لا يمكن تبريره بأي مسوغات واقعية أو قانونية جدية . استعمال اللغة الفرنسية من قبل الإدارات العمومية المغربية  يعد عملا مخالفا للدستور ، لأن اللغة المذكورة غير منصوص  على استعمالها الرسمي بأي نص قانوني ، فضلا على أنها لا تمثل أي مظهر من مظاهر الهوية المغربية ، ماضيا و حاضرا و ليس لها أي امتداد تاريخي بالمغرب ، ذي بعد و طني و مشروع ” .        

   جماعة تازناخت وموقع اللغة الامازيغية فيها ، عـود علـى بـدء :

و نقول : عود غلى بدء ، للموقف  السلبي ، الواضح والمقصود ، لمجلس هذه الجماعة ، أو بالأحرى ، لموقف رئيسه ، من اللغة الأمازيغية ، و من الدستور ، كما سيتبين لنا بعد حين .

وتعود ألأهمية الإضافية لجماعة  تازناخت ، بالمقارنة مع بقية الجماعات الترابية  بمنطقة  تازناخت ، لكونها الجماعة  ” الحضرية ”  ، الوحيدة  ، أو قل الجماعة /المركز  التي يوجد بها عدد من الإدارات التي تهم منطقة  تازناخت ، بأسرها . و هذا إضافة ألى كونها المركز الإقتصادي والسوق  الرئيس  بالمنطقة كلها ، حيث يؤمها ،  السكان أسبوعيا للتسوق ، إصافة إلى كونها سوقا يوميا على صعيد المنطقة .

و من البديهي أن الأهمية ، آنفة الذكر ، تضع على عاتق هذه الجماعة عبئا إضافيا ، فيما يخص القضايا السيادية للبلاد . و من المعلوم أن اللغة ، أو اللغات ، الوطنية  والرسمية  تعتبر ، بالنبسة لمختلف الدول و الشعوب من مظاهر السيادة التي لا يمكن التساهل فيها ؛ وإذا نظرنا ، على ضوء هذا ، إلي موقف مجلس هذه الجماعة من دستور البلاد ، فيما يخص تفعيل رسمية اللغة الأمازيغة  على المستوى الذى لا يتوقف على صدور القانون التنظيمي ، فماذا نجد ؟     

1 . على المستوى العام ، لا نجد  في هذه الجماعة  أثرا للغة الأمازيغية ، اللغة الرسمية الصنو في الوطن للغة العربية  ؛ لا في جوانب  الطرق ، و لا في واجهة مختلف الإدارات ، اللهم إلا في اللوحات التعريفية  لبعض المؤسسات التعليمية ،  وعلى استحياء.   

ــ 6 ــ                                                        

2 . اللغة الأمازيغية في فضاء بناية الجماعة :           

 لقد كانت البناية السابقة لجماعة  تازناخت ، و التي كانت في الأصل بناية الجماعة القروية لعموم المنطقة    ( هذه البناية  التي عوض أن تترك كما بنيت ، في الأصل ، لتكون إرثا عمرانيا دالا على فترة  من تاريخ تازناخت ، تعرضت أجزاء منها للهدم ، وإعادة الهيكلة ، و التشويه )، كانت هذه البناية  تحمل  في واجهة مدخلها الرئيس لوحة  ، كان مكتوبا عليها  ” الجماعة الحضرية لتازناخت ” ، مكتوبة بالعربية . كان ذلك قبل دستور البلاد لـ 2011  ، وظلت اللوحة هي هي ، بعد مصادقة الشعب المغربي على الدستور الجديد ، و لم يجر عليها  التغيير المطلوب ،   و الذي كان من المفروض أن يحدث  ، و ذلك بتغيير تلك اللوحة بأخرى تساير التطور الحاصل في بلادنا ، و تستجيب  لمقتضاه .  و هذا  ، سواء  في ظل المجلس  السابق ، أو في ظل المجلس الحالي .و ذلك امتثالا للدستور و اقتداء بمختلف الإدارات و المصالح الوطنية المركزية و الجهوية و الإقليمية .

غير أن الأكثر إثارة للإستغراب  والتساؤل ، هو أن يعمـد  المجلس الحالي لجماعة  تازناخت  ، أو بالأحرى  رئيسه ، وبإصرار، بعد بناء البناية الجديدة لمقر الجماعة ، إلى تعليق  لوحة لا تمت بصلة إلى دستور البلاد ، و لا إلى التطورات التي حدثت في عهده  ( ؟ ) ؛ نعم ، جاءت هذه اللوحة الجديدة القديمة ، في نسختها المعلقة على بناية هذه الجماعة ، و في نسختها المثبتة على الأرض ، مكتوبة باللغة العربية ، و بلغة الماريشال اليوطي (؟)؛ أما اللغة الأمازيغية ، لغة الأرض و التاريخ ، فلا وجود لها في ذهن من قرر تعليقها على البناية  الجديدة لهذه الجماعة ؟

ولتقريب الصورة  ، بلاغيا و بيداغوجيا ، يمكن أن نقوم بتشخيص موقف تغييب اللغـــة الأمازيغيـــة     في فضاء المكان  ، بجماعة تازناخت ، من خلال مشهد تشبيه تمثيلي ، نرى فيه أعضاء المجلس الموقر مصطفين  ، يتقدمهم الرئيس ، وكل منهم واقف على رجليه  ، إحداهما طبيعية  ، تتمثل في اللغة العرية ، والرجل الأخرى مبتورة  ، وقد عوضت برجل اصطناعية ، تتمثل في اللغة الفرنسية ؛ أما الرجل المبتورة الأصلية  ، والتي استبدلت برجل اصطناعية ، فهي اللغة الأمازيغية  (؟ ) . ويمكن أن نوسع المشهد إذا نظرنا إلى الموضوع ،

ــ 7 ــ

 من زاوية كون أعضاء الجلس ممثلين لسكان الجماعة الذين انتخبوهم ، فنرى سكان الجماعة  و قد إستبدل المجلس إحدى رجلي  كل فرد منهم ( اللغة الأمازيغية ) برجل اصطناعية ( اللغة الفرنسية ) ؛ حفظ الله أطراف الجميع ، بمن فيهم أعضاء مجلسنا المبجل . وإنما أردنا ، بهذا التشبيه التمثيلي ، تمثـــل عبثيـــة  و مأساوية  مشهــد اللوحة التعريفية  المعلقة في واجهة بناية هذه الجماعة ؛ فهل يرضى أعضاء مجلس هذه الجماعة  باستمرار هذا المشهد ، أم أنهم سيزيلون عنهم وعن سكان الجماعة ، ، بل وعن سكان منطقة تازناخت بأسرها هذا الكابوس ؟؟ . و عليهم أن يعلموا أنهم بهذا البتر المأساوي لإحدى اللغتين  الرسميتين للبلاد ، فإنهم يخرقون الدستور ، و يجرحون مشاعر الوطن .  

و في هذا السياق يفرض التساؤل الجوهري التالي نفسه : ما الدوافع / أو ما الدافع الذي حذا برئيس مجلس جماعة تازناخت إلى اتخاذ قرار تثبيت هاتين اللوحتين ( الأرضية و الحائطية ) اللتين تتجاهلان دستور البلاد و هوية الوطن ؟ و بالتالي ، بماذا يمكن له أن يبرر هذا القرار و يعلله ، طبقا لما هو منصوص عليه في القانون ؟؛ وهذا لأنه من غير المتصور و من غير المقبول أن يتخذ مثل هذا القرار بصفة عشوائية  و مرتجلة في مؤسسة للدولة تمثل المواطنين ، و تنوب عنهم في تسيير شؤونهم التي يتداخل فيها المحلي و الوطني ، و في موضوع يتعلق بسيادة الدولة و الوطن . ولسنا بحاجة إلى أن تطالبه  بهذا التعليل ، لآنه لن يجد مايعلل به قراره المذكور . و لذلك ، فإننا نطالبه بالتراجع عنه ، بتغيير تلك اللوحة بأخرى يكون فيها الوطن واقفا على قدميه الطبيعيتين قويا مرتاحا إلى أرضه و تاريخه  وهويته ، و نظل  ننتظر مع المنتظرين ،  لنرى ماهو فاعل .

و من المعلوم لدى المختصين أن عددا من الدول المتقدمة  قد عرفت في طريقها نحو الديمقراطية مشكل العقليات التي لم تستطع أن تساير تطور النصوص القانونية  لتلك الدول ، الأمر الذي كان يعطل سيرورتها نحو المأسسة  و الديمقراطية و الحداثة  و التقدم ، وهذا فيما عدا النص الدستوري ، الذي لايستطيع أحد خرقه ، مهما كان موقعه السياسي أو الإداري أو الإجتماعي  ، بسبب سموه ، و نظرا لطبيعة المؤسسات السياسية و الإدارية لتلك الدول .

وإذا كان  الأمر كذلك في تلك الدول ، فالواقع أن البنيات الذهنية  و نمط التفكير  عندنا لا زالا مسكونين بالماضي ، ماضي العشيرة و القبيلة ، إضافة إلى تعرض هذه البنيات  لتأثير الأفكار القومية الضيقة . و يمكن  تفسير قرار رفع لوحة تقصى فيها إحدى اللغتين االرسميتين  للوطن  في واجهة البناية الجديدة لجماعة تازناخت ، على ضوء ذلك . وإذا كان ذلك كذلك ، فمعناه أن أنوار العصر الحديث ، بكل ما تزخر به من مضامين إنسانية تحمل معاني  المساواة  والديموقراطية  لم تستطع ، بعد ، أن تجد كوة للنفاذ إلى تلك الذهنيات .

   وهذا ، بالطبع ،  مناف  لروح المواطنة التي تقتضي ، من بين ما تقتضيه  ، التشبع بروح هذه المواطنة          و استيعاب المكاسب  التي حققها الشعب المغربي ، في العقود الأخيرة ، و الإمتثال  لدستور البلاد ، دون الحاجة

ــ 8 ــ

إلى صدور حكم قضائي تأكيدي ملزم لمقتضى الدستور ، كالحكم الصادر عن المحكمة  الإدارية بالرباط ، الذي أوردناه في سياق هذا المقال .  

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد