الدراما العربية والانماط الذهنية

كنت في جلسة مسائية البارحة دامت قرابة الساعتين مع بعض رفيقاتي اخبرهن عن الاعلام بالمغرب وما تقدمه التلفزة من برامج “رديئة” خصوصا ونحن على ابواب رمضان وحينها جذبنا الحديث الى الكلام عن مسلسل الدراما شاهدته احدى صديقاتي . ولما جاء دوري في ابداء رايي اخبرتهن  بخطورة ما تفعله السناريوهات العربية الرديئة في الغالب .. وهو انشاء شيء يسمم ذهنية التلقي …
ضحكن   من كلامي كثيرا … لكنني استحوذت على الكلمة ولم اتركها رغبة مني في اتمام ما بدأت …
سالتهن دون ان تتغير ملامحي . اذا التقى احدكن  شخصا بحواجب واسعة وكثة .. اصلع وله صوت خشن ما هو انطباعكن عنه ؟ اجبت دون ان انتظر جوابهن باننا سنتصوره شخصا شريرا او على اقل تقدير ليس لطيفا .. رغم ان ذلك الشخص بإمكانه ان يكون غاية في الرقة والخيرية .. والسبب في تصورنا هو ان بداخلنا طبعت انماط تلقي بسبب تكرار تلك الصور بالأفلام والمسلسلات .. وهذا يحدث دون ان ننتبه له .. فنصبح مسطحين الى ابعد الحدود..
وحين نتعاطى مع عمل ادبي راق .. يقوم بوظيفته الاساسية وهي محاولة تفهم الضعف الانساني وان ليس دوره القاء الحكم الاخلاقي على الانسان .. ومحاولة فهم الناس حتى وهم يرتكبون جرائم … 
ولان اغلبنا تم تسطيحه بالفعل .. فهو لا يقبل الا صور بشرية واضحة ومريحة له.. حيث ان المومس تبدي على جوارب صدرها وتبتسم بطريقة جذابة .. والكافر صوته بشع واسنانه سوداء اما المسلم فهو وديع ووسيم وطيب .. هاته الصور النمطية تجعلنا نرتبك حين نقرأ مثلا رواية من الادب الراقي العالمي حيث يكون القاتل رجلا له مبادئ .. فنرتبك حينها ويجعلنا هذا الطرح قلقين وغير مرتاحين …
والسبب ان الانماط الذهنية بداخلنا تخلق لنا أمان خداع .. 
فصورة المومس بداخلنا منمطة .. وسهل وضع اي امرأة توفرت فيها تلك الصور الثابتة لدينا في نطاق المومس .. فحين يأتي عمل ادبي ما ويبين لك انه رغم انها تلبس كذلك، الا انها محافظة على نفسها .. هنا تكسر بداخلنا تلك المنظومة التي نرتاح لها .. والتي تعودنا على تصنيف الآخرين اعتمادا عليها وهي منظومة معتمدة على منطق الابيض والاسود وتتعامل مع النفس البشرية بسطحية مسيئة للفهم والنضج والوعي بالواقع…
ليس دوري ان اصدر حكم اخلاقي على الناس  .. هكذا ستبدأ تفهم لما مجتمعاتنا سطحية جدا .. ولما مفهوم الاخلاق عقيم .. ولما نعلن الامر ونبطن ضده…
هذا هدف الادب ان يشرح ظروف  اي انسان في لحظة ما بإمكانه ان يسقط في الخطأ .. 
ومن بين نتائج ذهنية التلقي على الفيس هو ان الشاب حين تعلق له فتاة على منشور ما يترجم ذلك الى انها تداعبه فيحدثها على الخاص مباشرة .. 
وحين تقول لفتاة في تعليق شكرا ايتها الجميلة تترجم ذلك الى اعجاب رجل بامرأة او انك تعاكسها … 
او حين تكتب قصيدة حب .. يظن القارئ العربي المسطح انك تعيش قصة حب او تظن امرأة ما انك تقصدها لأنك كنت لطيفا معها في تعليق او رسالة على الخاص … 
نحتاج الى الخروج من هذا النفق … وننضج كمجتمعات … 
حين انهيت كلامي مع الرفيقات وجدت انني كنت وحيدة لأنهن غادرن .فمن عادتي ان اغمض عيناي وانا اتحدث.

 Mpm6   *

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد