الخزانة العربية تتوشح بإصدار جديد ” معمارية القصيدة المعينية ” للناقد الدكتور أنس أمين..
متابعة سعيد الهياق
ازدانت المكتبة المغربية بسِفْرٍ نقدي موسوم بعنوان “معمارية القصيدة المعينية” للناقد الدكتور أنس أمين، وقد صدر هذا الكتاب النقدي عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع بالرباط في طبعته الأولى 2023.
وقد تمّ عرض هذا الكتاب وتوقيعه في المعرض الدولي للكتاب برواق مكتبة السلام الجديدة جناح (C39- C38) يومه الخميس 8 يونيو 2023 على الساعة الرابعة بعد الزوال. شهد حضر حفل التوقيع ثلة من الفاعلين الثقافيين والأساتذة والشعراء والمهتمين بالنقدي المغربي المعاصر.
وفي معمارية القصيدة المعينية قارب الناقد الدكتور أنس أمين بالدرس والتحليل القصيدة في الجنوب المغربي بخاصة قصيدة آل ماء العينين حيث ركز الناقد أنس أمين اهتمامه على القصيدة المادحة عند ماء العينين بن العتيق؛ التي تعتبر بؤرة جنينية في ديوان آل ماء العينين طالما اتكأتْ قصيدة آل ماء العينين على أسس فكرية وثقافية. بخاصة وأنها انبثقت من رحِم الحركة الصوفية للزاوية المعينية والتي اعتمدت على اختيارات فكرية وسياسية واجتماعية مع مراعاة الخصوصية العامة للمجتمع المغربي وما يعتَوِرُه من رصيد علمي وعملي مشبع بتعاليم الإسلام لمواجهة التحديات التي كانت تواجه هوية الثقافة المغربية السياسية والاجتماعية والعلمية.
لذلك كانت الحركة المعينية بجميع رجالاتها تمتلك برنامجا ثقافيا شاملا اتسعت مجالاته تدريسا وتأليفا، علما وأدبا، نثرا وشعرا حيث لم يكن هذا الأخير ترَفاً إبداعيا بل وسيلة لتعميق الهوية وتثبيتها انطلاقا من مفهوم الشعر عند الشعراء المعينيين.
فحسبُ الشعر عند الشيخ ماء العينين هو (كلام من أعلى مراتب الأدب وأرقى مراتب الحكمة، غاية الإصابة في القول والفعل، ويكفي من عُلوّه ما قاله النبي صل الله عليه وسلم [إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة] وقوله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام [كنوز تحت العرش مفاتيحها ألسنة الشعراء]).
ولَمّا كان المديح من أبرز الأغراض للدعوة إلى الفضائل أكثَرَ منه المعينيون تحقيقا للتآخي الذي دعا إليه الشيخ ماء العينين علاوة على أنه غرضٌ ركبه الفحول من الشعراء بسند أخلاقي واجتماعي وجمالي.
لذلك كانت القصيدة المادحة حلبة إبداعية اشرأبّ إليها الشعراء المعينيون لإبراز قدراتهم ومهاراتهم الشعرية وفحولتهم الإبداعية استنادا إلى مقومات المدحة وقواعد تجويدها معياريا ومعماريا.
فحسب ابن رشيق جعل المديح منخلا يصنّف الشعراء إلى شاعر وشويعر وشعرور ما جعل المديح في الديوان المَعِينِي يعرف إنتاجا شعريا ضخما طِمْحةً إلى فحولة شعرية نمطها النقد القديم، فحين سئل الادأصمعي عن أوس بن غلفاء الهجيمي، قال: (لو كان قال عشرين قصيدة لَلَحَق بالفحول)، وتنضاف إلى العدد الكمي القواعد المحددة للأماديح في بناءها الأمثل من ذكر الديار والاشتياق إلى الغواني ووصف العيس ووصف البيد ثم المدح وغيرها من القيود البنائية الصارمة.
ولَمّا كان العِرْق المَعيني اندسّ في ابن العتيق على جهة ما هو حفيد للشيخ ماء العينين فإنه ركب غرض المدح إلى جانب أغراض أُخَرَ في ديوانه الضخم حيث اقتفى معمار القصيدة عند الفحول المادحين مع خصوصية خبرته الشعرية التي تركت بصمته في سيماء مديحيته والتي نمَّتْ عن ممارسة إبداعية على مستوى مختلف مكوناتها المعجمية والأسلوبية والفنية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية؛ طالما المديح عند ابن العتيق تعبير ذاتي يعكس حقائق علاقاته بمن يخصهم بالمديح علاوة على البعد الأخلاقي لِمَا جنح إليه من ذكر للفواضل والفضائل والخِبْرات العَرَضية والمُطيفة حيث خص – انطلاقا من تجربته النقدية – كل متلَقٍّ بما يناسبه من المديح.
وانسجم بناؤه المعماري هيكلةً وحركيةً مع شروط التجويد الشعري فأتى بمقدمات متبايبنة ومتنوعة تراوحت بين الندرة والتجديد كمقدمات الرحلة والشباب والشيب كما جنح الى التخلص التقليدي والتخلص المُحدَث مراوحا إياه بين الحسن والاقتضاب فضلا على أنه قَفَل أماديحه بخواتمَ شكّل أنواعها ومحتواها من دعائية أو وصفية.
كما كان للمعمار الإيقاعي وقع بارز في تشكيل موسيقا أماديحه إذ تمتع ابن العتيق بقدرة فائقة على توقيع أنغامه وضبط أوزانه دون أن تلعب الزحافات والعلل دور النشاز في نغمية نصه الشعري، والملاحظ أن الطويل يأتي في المرتبة الأولى في أماديحه يليه البسيط والكامل والخفيف ثم الوافر.
وبالجملة فإن الرجل وسَمَ مديحيته بخصوصيةٍ انفرد بها عن غيره من الشعراء المعينين ما جعل مديحه غرضا مائزا انفرد بومض معماريته ومعياريته عن المتداول ما حقق له مغايرة شطَّتْ عن الموروث المرجعي ونأَتْ عن الاقتفاء المُخْدَج، وعليه حاورتْ هذه الدراسة نصوصه المديحية مبرزة ملامح التشكل الشعري وتحولاته البنائية في معمارية قصيدته المادحة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.