شكل الموقع الجغرافي للمغرب منذ ما يزيد عن 14 قرنا عنصرا مهما ، ساهم بشكل كبير في استقرار الساكنة بتنوعها المختلف الذي يشرب من مختلف الثقافات حيث كان يعتبر ممرا رئيسيا للربط بين قارتي أفريقيا و أوروبا كما شكل ملاذا آمنا للقادمين من الشرق هذا بالاضافة الى تمتعه بتنوع طبيعي و أرض خصبة تغري العابرين بالاستقرار و هكذا تشكلت فسيفساؤه المجتمعية شيئا فشيئا لترسم لوحة ثقافية غنية قل نظيرها، جمعت مختلف الأطياف و الأعراق التي تعايشت فيما بينها في سلم و أمان وفق ضوابط الأخوة و الانسانية حيث انصرهت و ذابت كل تلك الفوارق لتعطي نموذجا فريدا في التعايش السلمي بعيدا عن النزاعات القبلية و الصراعات الطائفية و التجاذبات السطحية، بل شكل ذلك التنوع عنصرا مهما و صمام أمان يقف في وجه أي نزوح نحو الانقسام بحيث يمكنك أن تجد اليهودي يجاور المسلم و يتقاسم معه تقاليده بكل عفوية.
في المغرب لن تجد مدنا مؤسسة على أساس عرقي أو طائفي فالمغاربة بكل أطيافهم بجمعهم علم واحد ووطن واحد يعترف بأصله الأمازيغي و يحفظ لمكوناته حرياتهم و يعتز بهويتهم المتعددة وبعمقه الأفريقي المتجذر. إنه بلد يخطو بثبات نحو تحقيق الرقي المنشود وفق الرؤية التي خطها ملك البلد و التي تترجم على أرض الواقع عن طريق مخططات كبرى و مشاريع مهيكلة تهم مختلف أرجاء المملكة من أجل تحقيق تنمية مستدامة تضمن لكل مواطن حقه في العيش بكرامة ،رغم وجود بعض الاختلالات كسائر البلدان التي تعيق تحقيق الأهداف المرجوة ، و هو الأمر الذي من شأنه تكريس نظرة سلبية لدى بعض الفئات و المناطق التي لاتصلها رياح التنمية بنفس المستوى مما يشكل بيئة مناسبة لظهور أصوات تحاول إذكاء الفتنة و اشعال فتيل النزاعات القبلية. شهدت مؤخرا منطقة الريف شمال شرقي البلاد خاصة مدينة الحسيمة موجة من الاحتجاجات الشعبية التي خرجت تنادي بمطالب اجتماعية كتوفير مركز صحي و كلية يكمل فيها أبنائهم تعليمهم العالي و معمل لتشغيل الشباب العاطل حيث كانت هذه المطالب محور مشروع شامل لتأهيل المنطقة و كان قد أشرف على إعطاء انطلاقته جلالة الملك سنة 2015 و سمي ” الحسيمة منارة المتوسط ” و لكن هذا المشروع لم يعرف طريقه للواقع نتيجة تقاعس المسؤولين و تعقيد المساطر و الاجراءات الادارية مما خلق تذمرا و سخطا لدى ساكنة الحسيمة التي خرجت تعبر عن استيائها في مسيرات متواصلة مباشرة بعد واقعة محسن فكري المعروفة ب “طحن مو” .
تميزت الاحتجاجات الشعبية التي عرفتها المدينة لأيام متواصلة ،مشاركة كل شرائح المواطنين و خاصة الشباب الذي كشف عن حس وطني عال ترجمه التنظيم المحكم و الشعارات التي تم رفعها تحت مراقبة قوات الأمن التي ظلت ترافق تلك الاحتجاجات لحماية الممتلكات العامة و توفير الاستقرار دون تسجيل اي مخالفات جسيمة. لم يتأخر تجاوب الدولة كثبرا و على رأسها أعلى سلطة في البلاد حيث تم ايفاد لجنة وزارية مستعجلة الى المدينة لتسمع لمطالب الساكنة و تحاول ايجاد الحلول الكفيلة لإنهاء الاحتجاجات . كان هذا تحرك لم يروق من حاولو بشتى الوسائل تغيير مسار الاحتجاجات و إلباس المطالب صبغة عرقية و نزعة قبلية برفع أعلام أخرى غير العلم الوطني و محاولة تصدير صورة مغلوطة للرأي العام الوطني و الدولي و توجيه رسالة مفادها أن هناك تمييزا و تهميشا مستغلين بذلك ملف الأمازيغية . لقد كانت هذه التصرفات عبارة عن محاولات مغرضة تفطن لها شباب المنطقة مبكرا خاصة أنها صدرت من أسماء ربما عرفت بحقدها الدفين اتجاه وحدة البلاد .
كان المغرب قد شهد احتجاجا و حراكا مجتمعيا خلال ما عرف بالربيع الديمقراطي لكن حدته لم تكن بذلك الوقع كما بالبلدان المجاورة حيث كان ملك البلاد و كعادته سريعا في التجاوب مع تلك المطالب، و تم إقرار دستور جدبد يعتبر ثورة بحد ذاتها، خاصة عندما تم الاعتراف باللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد الى جانب اللغة العربية، هذا بالاضافة لترسيم قواعد المغرب كبلد اسلامي يفتخر بأصله الأمازيغي و بغنى ثقافته المتعددة و على رأسها الحسانية و اليهودية بجذورها الافريقية .
المغرب و منذ القدم لطالما عبر فيه الأجداد عن تلاحمهم وتآزرهم كلما دعت الضرورة لذلك ، وهذا التلاحم كان له الفضل في وأد كل نحو الدفع بعجلة التنمية تحت اشراف و مراقبة المجتمع المدني الذي أصبح قوة اقتراحية يفرضها دستور المملكة .