الحركة الأمازیغیة بالمغرب : تحدیات ما بعد الاعتراف
الحسين بويعقوبي //
الحسین بویعقوبي یبدو من خلال مؤشرات عدیدة أن مكونات الحركة الأمازیغیة بالمغرب منذ بدایة القرن الواحد والعشرین قد دخلت مرحلة جدیدة من سماتھا الأساسیة البحث عن ھویة جدیدة تمیزھا في المشھد السیاسي المغربي، بعدما تم الاعتراف بالأمازیغیة لغة رسمیة في دستور 2011 .وكیفما كان التقییم الذي یقدمھ الفاعلون في مجال الأمازیغیة لھذا الاعتراف، بین من یقبلھ على علاتھ ومن یعتبره ناقصا أو حتى یرفضھ، فان لحظة دستور2011 ھي إعلان صریح عن الانتقال من مرحلة الإقصاء إلى مرحلة الاعتراف الرسمي، وھو انتقال ظھرت تأثیراتھ في العدید من التصریحات التي تصدر عن بعض الفاعلین في مجال الأمازیغیة، بین من یتحدث عن إمكانیة نھایة الحركة الأمازیغیة (الصافي مومن علي)، ومن یرى فتور العمل الجمعوي الأمازیغي وضعف آلیاتھ الترافعیة منذ بضع سنوات، ومن یتحدث عن تخلیھ عن العمل الجمعوي والانتقال لشيء آخر (أحمد أرحموش)، ومن یدعوا للتفكیر في میثاق جدید استلھاما لروح میثاق أكادیر (لحسن أمقران)، ثم من یدعوا لتأسیس جبھة سیاسیة أمازیغیة، بدیلا أومعززة للتجارب المحاولة لتأسیس حزب سیاسي ذو مرجعیة أمازیغیة، ودرءا ل”خطر” استقطاب بعض الأحزاب السیاسیة لجزء من النخب الأمازیغیة، ثم من یفكر في تنظیم لقاء وطني لطرح كل ھذه الأسئلة واتخاذ موقف موحد من المشاركة السیاسیة وتحدید معالم الإستراتیجیة المستقبلیة للحركة الأمازیغیة. وھذه التصریحات كلھا تنبئ عن وجود إحساس عام یسود لدى الفاعلین الجمعویین في مجال الأمازیغیة بنوع من الفتور وصعوبة التنبؤ بالمستقبل أمام قوة لحظة الاعتراف، لدرجة أن البعض اعتبر المرحلة ستؤدي لا محالة لمزید من الفرز والتصنیف في صفوف مكونات الحركة الأمازیغیة، دون تحدید معالم ومعاییر ھذا التصنیف. فالمتتبع لمسار الحركة الأمازیغیة بالمغرب سیلاحظ أن الوحدة النسبیة لمكوناتھا تتم أساسا حین تواجھ مطالبھا بالرفض المطلق من طرف مكونات الدولة والنخبة السیاسیة المغربیة، وتتصدع ھذه “الوحدة” حین یتم الاستجابة لبعض مطالبھا, وھذا ما حدث بعد تأسیس المعھد الملكي للثقافة الأمازیغیة سنة 2001 ، الذي بدل أن یكون مدعما لوحدة الفعل المدني الأمازیغي، خلق شرخا داخلھ وانقسم إلى من تسمي نفسھ “جمعیات أمازیغیة دیمقراطیة مستقلة”، في إحالة للجمعیات الرافضة للتعامل مع المعھد، في مقابل باقي الجمعیات التي ینظر إلیھا كفاقدة للاستقلالیة لأنھا تبنت مبدأ المواكبة النقدیة لعمل المعھد مع قبولھا الدخول في شراكات معھ، ولم تخل ھذه المرحلة من عبارات التخوین من جھة والاتھام بالعدمیة من جھة أخرى، وظھور صراع الزعامات، إما من أجل الظفر بمقعد في المجلس الإداري للمعھد أو من أجل الظھور بمظھر المخاطب الأساسي في موضوع الأمازیغیة في إطار استراتیجیات فردیة بحثا عن امتیازات معینة. ولم یخفت ھذا الصراع إلا بعد أن أنھك قوى العدید من الفعالیات، وتوارى بعضھا إلى الوراء، وفجأة یأتي النقاش حول تعدیل الدستور سنة 2011 فیبدأ صراع جدید ترافقھ اتھامات متبادلة بین من قبل الجلوس مع لجنة المانوني ومن رفض ذلك، لتأتي لحظة الاعتراف الرسمي، معلنة بشكل صریح عن دخول الدولة باعتبارھا طرفا أساسیا في ملف الأمازیغیة وتبعتھا كل الأطراف السیاسیة التي لم یعد بعضھا یعلن صراحة عن رفضھا للمطالب الأمازیغیة، بل إن بعضھا وبشكل مفاجئ قام بمراجعات كبرى في ھذا الموضوع في شبھ اعتذار عن مواقفھ التاریخیة، والبعض الآخر جعل من الأمازیغیة أحد اھتماماتھ الأساسیة، وخلق لھا موعدا سنویا لفتح النقاش في ھذا الموضوع وتقییم تعاطي الحزب مع ھذه المطالب (أزافوروم نموذجا بالنسبة للأحرار والجامعة الشعبیة بالنسبة للحركة الشعبیة). وأمام تدخل. فاعلین جدد في موضوع الأمازیغیة، بإمكانات أكبر وبخطاب لا یختلف أحیانا عن الخطاب الصادر عن الحركة الأمازیغیة، ستحس ھذه الأخیرة بأن ما كان یمیزھا سابقا في المشھد السیاسي المغربي أصبحا الیوم مشتركا مع الجمیع، مع اختلافات طفیفة في الرؤیة (الندوات واللقاءات واحتفالات رأس السنة الأمازیغیة نموذجا). في سیاق الاعتراف ھذا ستجد الحركة الأمازیغیة نفسھا أمام وضع یسیر فیھ المطلب اللغوي الذي كان سبب وجودھا الأساسي في أواخر الستینات من القرن الماضي في طریق الحل (مطالب میثاق أكادیر1991 ،(كما أن الاعتراف الدستوري بالأمازیغیة وصدور قوانینھا التنظیمیة(2019 (یفرض بالضرورة مأسستھا،كما تطالب بھ الحركة الأمازیغیة منذ عقود، وھو ما سیدفع مكونات الحركة الأمازیغیة من جدید للاصطفاف كالتالي : – الرافضون لكل شيء والمشككون في كل خطوة رسمیة لصالح الأمازیغیة والراغبون في أن تبقى الأمازیغیة حكرا على مجموعة معینة وموضوع صراع دائم یمكن استثماره في كل وقت وحین ولم لا استغلالھ لتصفیة حسابات مع أطراف معینة أو تحقیق مآرب خاصة، وھنا تصبح الأمازیغیة مدعاة للاحتجاج على وضع عام یتداخل فیھ السیاسي بالاقتصادي والاجتماعي. – المؤمنون بالتدرج وبالعمل من داخل المؤسسات، خاصة بعد أن أصبحت الأمازیغیة لغة رسمیة ودخلت مرحلة الاعتراف والمأسسة. وبقدر إیمان ھؤلاء بالعمل المؤسساتي، لا یتوانون في نقد ما یجب نقده وفي الاحتجاج في حالة الضرورة، وفي نفس الوقت تثمین كل المبادرات الجادة والمساھمة فیھا لصالح الأمازیغیة. وأفراد ھذا التوجھ یمكن أن ینظموا للأحزاب السیاسیة الموجودة لیسھموا في تسییر الشأن العام أو یؤسسوا تنظیما سیاسیا جدیدا یسعى للمشاركة في التسییر ویعمل على تفعیل مأسسة الأمازیغیة . لابد من التأكید على أن اعتراف الدولة المغربیة بالأمازیغیة ودخول الأحزاب السیاسیة على الخط وتغیر البنیة الدیمغرافیة للحركة الأمازیغیة سیؤثرون لا محالة في المسارات المستقبلیة للحركة الأمازیغیة. فالجیل المؤسس وجیل میثاق أكادیر قد حققا أكثر مما كانا یتصوران، أن تكون الأمازیغیة “لغة رسمیة”، أما جیل الاعتراف الذي ولد في بدایة القرن الواحد والعشرین في سیاق مغایر(بدایة تعلیم الأمازیغیة، وجود القناة الأمازیغیة، وجود شعب الدراسات الأمازیغیة، بدایة الإعلان عن مناصب شغل للأمازیغیة،…) فمن حقھ أن ینتج خطابا جدیدا، ویسطرمطالبھ الموافقة لاھتماماتھ ویحدد استراتیجیاتھ. وفي نفس الوقت لابد من إثارة الانتباه إلى أن تسمیة الحركة الأمازیغیة الیوم لا تعني بالضرورة الجمعیات التاریخیة الفاعلة في مجال الأمازیغیة، بعضھا توقف عن العمل والبعض یقاوم من أجل الاستمرار والبعض الآخر یسعى لتجدید آلیات اشتغالھ، بل ھناك دینامیات مجتمعیة جدیدة فردیة أو جماعیة تجعل من الأمازیغیة بمفھومھا العام (الموسیقى والرقص والمسرح والسینما والكتابة والرسم والتعاونیات وجمعیات المدرسین والباحثین والفاعلین السیاسیین…) مجال اشتغالھا ولا علاقة لھا بالضرورة بالإطارات الجمعویة ذات “الشرعیة التاریخیة”، كما ظھرت قضایا جدیدة یجب توضیح علاقتھا بالمطالب الأمازیغیة كالأرض والمعادن والمیاه والغابات والشراكة في السلطة والثروة وحقوق الإنسان والمساواة والتنمیة وھي كلھا قضایا إن اجتمعت ستؤدي إلى إنتاج خطاب لن یحملھ إلا حزب سیاسي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.