خصصت مجلة méditerranéennes التي يديرها الأنثربولوجي كينيت براون عددها الخامس عشر سنة 2011 لموضوع “أمهاتنا”، حيث ركزت المشاركات على “الأم”، وكانت مشاركتي بمقال عن كلمة “immi” في الأمازيغية وذيلته بالقصيدة المعروفة “immi hnna” من كلمات محمد الحنفي وأداء إزنزارن عبد الهادي.
ذكرني بهذا الموضوع التكريم الذي خصصته الحاجة التالية بنت الحسين (ولدت حوالي 1935)، والدة الإخوة بايري، للفنان إيكوت عبد الهادي، قائد مجموعة إزنزارن، بحضور أبنائها وثلة من أصدقاء العائلة والمثقفين. تكريم من نوع ونكهة خاصين، بدون بهرجة ولا إعلام. تكريم أريد له أن يكون حميميا، بين “أم” و “ابنها”. لم يتردد الفنان عبد الهادي في قبول الدعوة، وهو المعروف بزهده، ورفضه للعديد من الدعوات، إذ لم يحضر حتى للافتتاح الرسمي لدار الفنون التي تحمل اسمه بالدشيرة.
كيف له أن يتردد والدعوة جاءت من سيدة إحتضنته منذ بداية مسيرته الفنية، أوائل السبعينات من القرن الماضي، واعتبرته أحد أبنائها. لم يكن الوحيد، بل فتحت بيتها للعديد من الفنانين منهم العموري امبارك و علي شوهاد ومحمد الحنفي وعمر السيد…وبذلك تستحق أن تحمل إسم “أم الفنانين”، كما حملت صفية زغلول (توفيت سنة 1946) وصف “أم المصريين”، وحملت والدة عبد اللطيف الصبيحي إسم “أم المغاربة”، كما نجد أيضا لدى المسيحيين “ماما تيريزا” و لدى المسلمين أيضا نساء عديدات يحملن إسم “أم المؤمنين”.
ليست الأم هنا بمعناها البيولوجي، بل بما تحمله من رمزية دينية أو سياسية، أو بما تغذق به من حنان في حالة الحاجة التالية اتجاه الفنانين، خاصة وأنها أنجبت ثلاثة أبناء محمد و حسن، من مؤسسي نمط المجموعات الغنائية الأمازيغية بسوس قبل أن يلتحق بهم ابراهيم، وبذلك أصبحت عائلة بايري من العائلات الفنية السوسية، وذاكرة هذا النمط الغنائي الذي يحتفل بمرور نصف قرن على تأسيسه(1972-2022).
حضر عبد الهادي بجلبابه الأبيض، المليء بالحشمة والوقار اللذان يفرضهما المقام وكله اعتراف بما أسدته له السيدة التالية، وفي حضوره اعتراف بدور أمهاتنا في احتضان هذا الفن. ولا يمكن الحديث عن الحاجة التالية ذون ذكر المرحوم زوجها أحمد بن عيسى (1927-1988), الذي تعرض أبوه لبطش القائد محمد أو الحاج أكسيم (توفي سنة 1935), وساهم بنفسه في مقاومة المستعمر، حيث اعتقل وسجن بسجن الصويرة ولاقى أصنافا من التعذيب ذون أن يعترف له بذلك إلى اليوم ولو رمزيا.
تستحق الحاجة التالية (التي كانت ستسمى يامنة لكن جيرانهم من الصحراء إختاروا لها إسم التالية) تكريما خاصا نسمع فيه لشهادات كل الفنانين الذين استضافتهم، وتكون مناسبة لاستحضار دور أمهاتنا في الحفاظ على لغتنا وثقافتنا وفنوننا.
أطال الله عمر الحاجة التالية ورزقها الصحة والعافية، وكل الشكر لعائلة بايري على ما تقدمه للفن والفنانين.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.