قرّر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مُسمّى، وترتيب انسحابه من الحكم مع بقائه رئيسا إلى غاية نهاية 2019، دون الإشارة إلى السند الدستوري الذي اعتمد عليه في تخويله هذا الحق. وأعلن بوتفليقة عن تنظيم ندوة وطنية في هذه الفترة بقيادة شخصية وطنية مستقلة، لم يشر إلى اسمها، مع ترجيح أن تكون الأخضر الإبراهيمي.
رضخ رئيس الجمهورية لمطلب عدم الترشح للانتخابات الرئاسية وتأجيل الرئاسيات، لكن بالطريقة التي تضمن له البقاء رئيسا دون انتخابات، وهو ما لا يُعلم كيف سيتفاعل معه الشارع الجزائري الذي دعا إلى رحيله من الحكم. وفصّل الرئيس في رسالة له يوما بعد عودته من جنيف السويسرية في القرارات التي اتخذها والتي عددّها في 7 نقاط، بعد ما قال إنه أجرى مشاورات مؤسساتية كما ينص على ذلك الدستور، دون أن يذكر المادة الدستورية التي اعتمد عليها.
وبدأ الرئيس أول قراراته بتفنيد أنه كان ينوي الترشح لعهدة خامسة، مشيرا إلى أن ما جرى كان مجرد لبس فقط يتفهمه، فقال: “لا محلَّ لعهدة خامسة بل إنني لـم أنْوِ قط الإقدام على طلبها، حيـث إن حالتي الصحية وسِنّي لا يتيحان لي سوى أن أؤدي الواجب الأخير تجاه الشعب الجزائري ألا وهو العمل على إرساء أسُس جمهورية جديدة تكون بمثابة إطار للنظام الجزائري الجديد الذي نصبو إليه جميعًا”.
وتابع الرئيس مؤكدا عدم إجراء الانتخابات الرئاسية في 18 أفريل استجابة لرغبة الجزائريين، فقال: “لن يُجْرَ انتخاب رئاسي يوم 18 من أفريل المقبل. والغرض هو الاستجابة للطلب الـمُلِح الذي وجهتموه إلي حرصا منكم على تفادي كل سوء فهم فيما يخص وجوب وحتمية التعاقب بين الأجيال الذي اِلْتزمت به. ويتعلقُ الأمر كذلك بتغليب الغاية النبيلة الـمتوخاة من الأحكام القانونية التي تكمُن في سلامة ضبط الحياة الـمؤسساتية، والتناغم بين التفاعلات الاجتماعية – السياسية، على التشدد في التقيد باستحقاقات مرسومة سلفا”. وأضاف الرئيس مفصلا أسباب تأجيل الانتخابات، فقال “إن تأجيل الانتخابات الرئاسية الـمنشود يأتي إذن لتهدئة التخوفات المعبَّر عنها، قصد فسح الـمجال أمام إشاعة الطمأنينة والسكينة والأمن العام، ولنتفرغ جميعا للنهوض بأعمال ذات أهمية تاريخية ستمكّننا من التحضير لدخول الجزائر في عهد جديد، وفي أقصر الآجال”.
وأضاف الرئيس لقراراته التي حاول تقديمها في صورة ثورية تماشيا مع حدث المسيرات المليونية التي طبعت الجزائر في الأسابيع الماضية، إعلان إقالة الحكومة والقيام بتغييرات جذرية عليها، فقال: “عزما مني على بعث تعبئة أكبر للسلطات العمومية، وكذا لمضاعفة فعالية عمل الدولة في جميع المجالات، قرَّرتُ أن أُجري تعديلات جمة على تشكيلة الحكومة في أقرب الآجال. والتعديلات هذه ستكون ردًا مناسبا على الـمطالب التي جاءتني منكم وكذا برهانا على تقبلي لزوم المحاسبة والتقويم الدقيق لـممارسة الـمسؤولية على جميع الـمستويات وفي كل القطاعات”.
ندوة وطنية برئاسة شخصية وطنية
وفي الفترة التي سيختم فيها حكم أكثر من 20 سنة للبلاد، عرض الرئيس بوتفليقة تصوره لشكل تغيير النظام الذي سيتم إقراره عبر ما يسمى بالندوة الوطنية. وذكر في هذا الشأن أن “الندوة الوطنية الجامعة المستقلة ستكون هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسيسة النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية”. ثم تابع: “هذا الذي أعتبر أنه مهمتي الأخيرة التي أختم بها ذلكم الـمسار الذي قطعته بعون الله تعالى ومَدَدِهِ وبتفويض من الشعب الجزائري”.
وبحسب رسالة الرئيس بوتفليقة الذي قطع باستحالة ترشحه لأي استحقاق مقبل، فإن هذه الندوة “ستكون عادلة من حيث تمثيلُ المجتمعِ الجزائري ومختلف ما فيه من الـمشارب والـمذاهب”. وستتولى أيضا “تنظيم أعمالها بحريّة تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية على رأسـها شخصية وطنية مستقلة تَحظى بالقبول والخبرة على أن تحرص هذه النّدوة على الفراغ من عُهدَتها قبل نهاية عام 2019”. على أن يعرض “مشروع الدستور الذي تعدُّه النّدوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي”. كما أن الندوة الوطنية الـمُستقلة، يضيف يوتفليقة، “هي التي ستتولى بكل سيادة تحديد موعد تاريخ إجراء الانتخاب الرئاسي الذي لن أترشح له بأي حال من الأحوال”.
وبعد استكمال عمل الندوة الوطنية، يشير الرئيس إلى أن الانتخاب الرئاسي “سيُنظَّم تحت الإشراف الحصري للجنةٍ انتخابية وطنيةٍ مستقلة، ستُحدد عهدتها وتشكيلتها وطريقة سيرها، بمقتضى نصّ تشريعي خاص سيستوحى من أنجع وأجود التجارب والـممارسات الـمعتمدة على الـمستوى الدَّوْلي”. وأضاف: “لقد تقرر إنشاء لجنة انتخابية وطنية مستقلة استجابةً لـمطلب واسع عبرتْ عنه مختلف التشكيلات السياسية الجزائرية، وكذا للتوصيات التي طالـما أبدتها البعثات الـملاحظة للانتخابات التابعة للـمنظمات الدولية والإقليمية التي دعتْها واستقبلتها الجزائر بمناسبة الـمواعيد الانتخابية الوطنية السابقة”.
حكومة كفاءات لتنظيم الرئاسيات
وسيكون عمل الحكومة الجديدة التي خلفت أويحيى، منتهيا حسب خريطة الطريق التي أعلن عنها الرئيس، قبل تنظيم الانتخاب الرئاسي، على أن يخلفها تشكيل حكومة كفاءات وطنية، تتمتع بدعم مكونات النّدوة الوطنية حتى يتم تنظيم الانتخابات في ظروف تكفل الحرية والنزاهة والشفافية. وأبرز الرئيس أن “هذه الحكومة ستتولى الإشراف على مهام الإدارة العمومية ومصالح الأمن، وتقدم العون للجنة الانتخابية الوطنية الـمستقلة. ومن جانبه، سيتولى الـمجلس الدستوري، بكل استقلالية، الاضطلاع بالمهام التي يخولها له الدستور والقانون، فيما يتعلَّق بالانتخاب الرئاسي”.
وكتأكيد على بقاء الرئيس قويا في هذه المرحلة وتمتعه بكل الصلاحيات، أوضح بوتفليقة أنه “لن يدخر أيَّ جهدٍ في سبيل تعبئة مؤسسات الدّولة وهياكلها ومختلفِ مفاصلها وكذا الجماعات الـمحليّة، من أجل الإسهام في النجاح التام لخطة العمل هذه”. وتعهد بالسهر “على ضمان مواظبة كافة المؤسسات الدستورية للجمهورية، بكل انضباط على أداء المهام المنوطة بكل منها، وممارسة سُلطتها في خدمة الشعب الجزائري والجمهورية لا غير”.
على أي أساس دستوري استند بوتفليقة؟
ويبدو من خلال ما أشار إليه الرئيس بين السطور، أنه استعان بالمادة 107 من الدستور التي تتيح له صلاحية إعلان الحالة الاستثنائية بعد استشارة البرلمان بغرفتيه والمجلس الدستوري والاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن ومجلس الوزراء. ويتم تقرير الحالة الاستثنائية، حسب نص المادة، عندما تكون البلاد “مهدّدة بخطر داهم يوشك أن يصيب مؤسّساتها الدستورية أو استقلالها أو سلامة ترابها”. وتخوّل الحالة الاستثنائية رئيس الجمهورية أن يتّخذ الإجراءات الاستثنائية التي تستوجبها المحافظة على استقلال الأمة والمؤسسات الدستورية في الجمهورية.
واللافت أن إعلان الحالة الاستثنائية تخول للرئيس صلاحيات “أسطورية”، حسب المادة 142 من الدستور، التي تشير على إمكانية أن “يشرّع بأوامر في مسائل عاجلة في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خلال العطل البرلمانية، بعد رأي مجلس الدولة”.
ويرفض القانوني عبد الله هبول، تماما فكرة إقرار الحالة الاستثنائية، لأن البلاد تعيش ظروفا عادية جدا. ويعتبر أن قرار الرئيس بتأجيل الانتخابات باطل دستوريا ولا يستند لأي أساس. ويذهب لحد اعتبار أن هذا القرار يعد بمثابة انقلاب. وأبرز هبول في تصريح لـ”الخبر” أن انسحاب بوتفليقة من الترشح لا يفرض إلغاء الانتخابات، لأن ثمة مرشحين آخرين قدموا ملفاتهم أمام المجلس الدستوري، كما أن استقالة الحكومة لا تعتبر مسوغا لإلغاء الانتخابات دستوريا.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.