أزول بريس – يوسف الغريب //
يفتح المشهد العام على صورة كبيرة لملعب كرة القدم وسط العاصمة الجزائرية… تقترب كاميرا إحدى القنوات الرسمية التي غطت الحدث.. تجد هذا الاحترام التام لمسافة التباعد الإجتماعي بين هؤلاء الجالسين على كراسي بلاستيكية إنضباطا للبروتوكول الصحي الوقائي ضد الوباء.. بعد أن عبروا ولوجيات جاهزة بأدوات رش مواد التعقيم على العدد المسموح به اليوم والذي حدّدته السلطة الجزائرية في 200شخص مستفيد..
يثير انتباهك حالة الترقب والانتظار البادية على ملامحهم.. وبعيون لا تقف عن تمشيط المكان يمنة ويسرة حينا.. والنظر إلى ورقة (بون صغير) محكم القبضة وسط أصابع نحيفة….
يفهم من خلال تعليق الصحفية الجزائرية أن هذه المئتين من المحظوظين قد بكّروا قبل بزوغ أشعّة الشمس وذهبوا مباشرة لتأدية التسعيرة مقابل وصل يدلى به الشخص حالة وصول دوره..
يسترعي انتباهك صوت المذيعة وهي تنتشي بهذا الإنجاز الحكومي غير المسبق قاريّاً ليتأكّد ذلك من خلال ارتسامات بعض المحظوظين وهم ينوّهون بحكومتهم الساهر على أمنهم وصحتهم.. لتعود بي الذاكرة إلى إحدى تصريحات الرئيس عبد المجيد تبّون (شافاه الله) حين قال بأنّ الجزائر تتوفر على أحسن منظومة صحية على المستوى القاري.. لقد كان على صواب السيد الرئيس فقد استطاع هذا البلد أن يعمل في سرّية تامّة وبدون بهرجة مثلنا ليكون أول بلد أفريقي.. والمتوسطي يبدأ بتلقيح مواطينيه مع ما يتطلب ذلك من توفير لوجيستيكيّ لم تستطع ان تصل اليه حتى الدول الكبرى لحد الساعة..
لم يخرجني من هذا العتاب واللوم لبلدي إلاّ صوت المذيعة وهي تخبرنا ببدء ما اعتقدت أنّه تلقيح.. لأجد عمّالاً وسط شاحنة توزع على المحظوظين أكياس السميدة بحجم 10 كيلوا لمل عائلة في حدود 200 مواطن كل يوم..
هو إنجاز تاريخيّ بعد اجتماعات ماراطونية وسط الحكومة وتحت إشراف السيد الرئيس عبر التويتر طبعا.. بأن توزّع أكياس السميدة من يد الحكومة إلى يد المواطن مباشرة بدون وسيط..
وفي حقيقة الأمر هو إنجاز وفكرة رائدة..
فقد يضع حدّاً للاحداث المؤلمة التي خلفه هذا الكيس وهو محمول على الأكتاف،
فقد اصطف الرجال كيلومترات من أجله، تفرقت الجموع من أجله، مات البعض من أجله، تخطب الحكومة في الناس بسببه؛
إنّه الأمن الغذائي، والتضامن الاجتماعي والاستقرار السياسي إنّه السّميد… قاهرالأزمات هناك.. ووصمة إهانة لهذا الشعب بين الأمم..
نعم بين الأمم وهو مازال يتابع أسطورة دعم الشعب الصحراوي الذي خصصت له نفس القناة أكثر من ثلاث ساعات بموضوع (الصحراء الغربية.. قضية شعب).
ونفس القناة الرسمية قبل توزيع أكياس السميدة.. نقلت من عين المكان صورة حيّة لما سميّ بمعارك للجيش الصحراوي ضد المغرب دامت ست ساعات.
نترك لهم البلادة.. والغباوة.. وندعوا للشعب الجزائري بموفور الصبر على تحمل هذه الإهانات مادام لم يستطع أن ينادي بتقرير مصيره أولاّ…
أمّا أنا فقد عدت إلى الحمد والشكر لله سبحانه متأمّلاً قوله تعالى :
“.. فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف”.
التعليقات مغلقة.