الترجمة من و إلى الأمازيغية في البرلمان : تحديات سوسيولسنية وسيناريوهات ممكنة…
الحسين بويعقوبي
يعود النقاش من جديد إلى موضوع الترجمة من وإلى الأمازيغية لجلسات البرلمان بعد الشروع في أجرأته يوم الإثنين 11 أبريل 2022 بتوفير الإمكانات اللوجيستيكية والبشرية لذلك. ويعتبر هذا الإجراء تفعيلا لمقتضيات الدستور الذي يعترف بالأمازيغية “لغة رسمية”للدولة ولقانونها التنظيمي 26/16 الصادر سنة 2019, وأيضا إستجابة لمطلب قديم لدى الحركة الأمازيغية.
لكن في الوقت نفسه أعاد هذا الإجراء النقاش لوضع يعرفه المتخصصون في السوسيولسانيات وهو وضعية “اللهجنة” التي تميز الأمازيغية رغم إجماع الباحثين منذ أواخر القرن 19 مع المستشرق الفرنسي فونتير دوبارادي أنها تنتمي للغة واحدة.
لكن هذه الخلاصة النظرية لا تنفي واقعها اللهجي الذي عملت الحركة الأمازيغية منذ ظهورها على تجاوزه وسار المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية منذ 2001 على نفس النهج من خلال اختياره نهج “التهيئة اللغوية” للأمازيغية إستعدادا لدخولها المدرسة وباقي المؤسسات العمومية. فالوصول للغة أمازيغية “معيار” يتبناها الجميع أمر ممكن نظريا وعلميا لكن تحقيقه واقعيا يحتاج لوقت كبير تتداخل فيه عوامل عدة سياسية واقتصادية واجتماعية وكذا أهمية الديناميات الثقافية داخل المجموعة البشرية الحاملة لهذه اللغة.
لقد حققت الأمازيغية جزءا من هذا الهذف خاصة على مستوى المجهود العلمي الأكاديمي وبعض الإنتاجات الأدبية, لكن على مستوى الممارسة اليومية وأيضا الإنتاج الفني كالغناء و السينما تبقى اللهجات هي المستعملة لأنها تضمن التواصل الآني مع المتلقي, ونجاح مسلسل “بابا علي” خير مثال على ذلك.
يسعفنا ما سبق لفهم الإشكالات التي يطرحها موضوع الترجمة من وإلى الأمازيغية لجلسات البرلمان المغربي. ولابد من التساؤل عن المستهذف من هذه الترجمة والغاية منها.
لا يختلف إثنان في أن الهذف الأسمى من هذه العملية هو أن يفهم أولا الناطقون بالأمازيغية مضمون النقاشات داخل جلسات البرلمان المنقولة مباشرة على القناة التلفزية, وكذا أن يسمع النواب الراغبون في ذلك للترجمة الأمازيغية للمداخلات المقدمة بالعربية (فصحى أو دارجة) وأيضا أن يفهم النواب/النائبات المداخلات التي يقدمها زملاؤهم/ن بالأمازيغية.
وأول شرط لتحقيق هذا الهذف هو شرط التواصل الآني الذي لن يتحقق إلا بوجود معجم أمازيغي وقواعد مشتركة يفهمها جميع الناطقين بالأمازيغية بمختلف لهجاتها. ولا يجزم أحد بوجود هذا الوضع اللسني اليوم. ومن جهة أخرى, لا يمكن إنكار حاجة الأمازيغية اليوم للمعجم الإداري والسياسي المستعمل في البرلمان, وحتى الموجود منه بفضل مجهود الباحثين الأكاديميين لا يعرفه لا البرلمانيبن ولا المواطنين.
ولتوضيح الأمر أكثر سأعطي مثالا يقربنا لهذه الوضعية :
في تدخل أحد البرلمانيين/ات مثلا جاءت عبارة “السياسة الدولية في مجال التنمية البشرية”. فالمترجم سيجد نفسه أمام عدة إحتمالات لكل منها إكراهاتها :
- إن كان فاقدا للمعجم المستحدث فسيستعمل الجملة كما هي “السياسة الدولية في مجال التنمية البشرية” وسيعاب عنه كونه لم يترجم.
-
إن كان يتقن المعجم المستحدث في كل المجالات (أتصور صعوبة ذلك في الوقت الحالي) فسيقول “تاسرتيت تاماضلانت غوباراز ن تنفليت تانفكانت”, ولن يفهمه أحد لا من البرلمانيين/ات و لا من المواطنين الناطقين بالأمازيغية باستثناء بعض المهتمين. ولنا أن نتصور الوضع أمام فقرة أو نص كبير في موضوع خاص مليئ بالكلمات المستحدثة.
-
قد يجتهد ويخلط الكلمات فينتج جملة ” تاسرتيت تادوليت غ المجال ن التنمية ن أوفكان” وسيتلقى انتقادات لأنه استعمل فقط كلمتين أمازيغيتين (تاسرتيت و أفكان) وبعض حروف الربط (غ.ن).
أما إن تحدتث النائبة البرلمانية خديجة أروهال مثلا المتمكنة من جزء من المعجم الحديث في الأمازيغية فأتصور الصعوبة التي سيجدها المترجم إلى العربية (فصحى أو دارجة), والترجمة هنا سيحتاجها البرلمانيون الناطقون بالأمازيغية أنفسهم.
أمام هذا الوضع, ما هو الحل?
لا بد أن نعترف بواقعنا اللسني وألا نتجاهله, وأن نعي بالتطورات التي تعرفها الأمازيغية اليوم والمنتظر منها والتحديات, وأن نستحضر التجارب الدولية في هذا الموضوع, وأن نعي بأهمية الزمن في هذا المسار الطويل لتهيئة اللغة الأمازيغية.
في حالة الترجمة من و إلى الأمازيغية في البرلمان فليس هناك حل سحري لتجاوز الإشكالات المطروحة سابقا, لأن المدخل الأساس لإنجاح ترسيم الأمازيغية هو إنجاح تعليم وتدريس الأمازيغية في كل المستويات, في أفق خلق جيل جديد متمكن من أمازيغية المكتوب والمؤسسات.
وفي حالة البرلمان فإذا لم تحقق الترجمة فعل التواصل الآني بين البرلمانيين أنفسهم و بين البرلمان والمواطنين, ستكون إجراء بدون نتيجة. مع الإشارة إلى ضرورة أخذ هذه العملية بالجدية اللازمة من خلال توفير مترجمين متخصصين في الأمازيغية وحاصلين على شواهد في هذه اللغة ومتمكنين من مختلف الإشكالات التي يطرحها الموضوع, وقادرين على اقتراح ترجمة تحقق من جهة حدا أدنى من التواصل (إعتمادا على اللهجات المحلية الكبرى) ومن جهة أخرى تساهم في مسار تهيئة ومعيرة اللغة الأمازيغية (نسبة استعمال المعجم الحديث), مادام هو أحد مطالب الحركة الأمازيغية واستجابت له الدولة منذ 2001.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.