نظمت الأكاديمية الملكية محاضرة للباحث الإيطالي أنطونيو لافييري Antonio Lavieri في موضوع: “الترجمة وأنثروبولوجيا المعرفة”.
كان اللقاء مناسبة لتدارس الإشكاليات العميقة للترجمة، حيث أبرزت المحاضرة بأن المعضلة الحقيقية ليست لغوية بالأساس، بل هي ثقافية، ولهذا تحيل على تخصصات علمية عديدة أهمها الأنثروبولوجيا الثقافية والسيميائيات والفلسفة، التي ينبغي إزالة الحواجز الوهمية فيما بينها، حيث من غير الممكن القيام بترجمة جيدة وناجحة بدون تعميق البحث في “الروح الثقافية” للنص المراد ترجمته، إذ لم تعد عملية الترجمة مقتصرة على نقل لغوي خالص لنص من لغة إلى أخرى، بل صارت عمليات معرفية وثقافية تقوم بتوليف العلاقة بين الوصف والتفسير والتقاليد والمعرفة والمعتقدات، وأصبحت الترجمة تتم بناء على بحث دقيق قد يضطر إلى تحليل بعض الوثائق التاريخية والإثنوغرافية والأدبية وبالنظر في أنماط السلوك والوعي السائدة، هكذا تصبح الترجمة عملا معقدا ينقل عناصر التعبير الأنثروبولوجي بين اللغات والتمثلات والمعارف.
هذه المقاربة تطرح الإشكالية التقليدية لـ”الخيانة” أو “الأمانة” بصيغة أكثر دينامية، حيث تفسر ربما أسباب شيوع الترجمات الرديئة التي يقوم بها مترجمون محترفون يشتغلون على عجل، وينكبون على النص المكتوب دون أن يعرفوا أي شيء عن البنيات الثقافية التي أنجبته.
من جانب آخر بدا واضحا أن البلد الذي ينعم بتعددية ثقافية زاخرة وملهمة، ينبغي أن يعرف رواجا كبيرا في الترجمة وأشكال التبادل، وهو عكس ما حدث عندنا في المغرب، حيث أضعنا وقتا طويلا في مناقشة شرعية التنوع والاختلاف، على حساب ما كان ينبغي عمله في الترجمة والبحث العلمي على امتداد العقود السابقة، لو قمنا في وقت مبكر بتدبير تنوعنا الخلاق بعقلانية وحكمة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.