صدر عن دار آفاق للدراسات والنشر والاتصال وبدعم من وزارة الثقافة والشباب والتواصل كتاب في الفكر الصوفي التربوي موسوم بعنوان: سراج الظُّلَم فيما ينفعُ المُعلِّم والمُعلَّم المنسحب على 287 صفحة.
وأصل الكتاب مخطوط للشيخ أحمد الهيبة بن الشيخ ماء العينين والذي قام بتحقيقه الدكتور الناقد والشاعر والمحقق أنس أمين.
وقد تم توقيع هذا الكتاب في بالمعرض الدولي للكتاب بالرباط في الموسم الثقافي 2023 يوم 11 يونيو من السنة نفسها برواق دار آفاق، رقم: C5، بحضور مدير الدار السيد عبد القادر عرابي وثلة من الأكاديميين ونخبة من الفعاليات الثقافية الوطنية.
ويعتبر كتاب « سراج الظلم فيما ينفع المعلِّم والمعلَّم » للفقيه الصوفي الشيخ أحمد الهيبة والمحقق من لدن الدكتور أنس أمين: من أهم كتب الفكر التربوي الإسلامي في بعده السلوكي والتعليمي التي صنف فيها المغاربة بعامة والمعينيين منهم بخاصة، فالكتاب متَمِّم لمؤلف أبيه « مغري الناظر والسامع على تعلم العلم النافع » للشيخ ماء العينين.
فإن كان محتوى هذا السفر انصب حول أهمية العلم وفضله فإن كتاب «سراج الظلم» تناول أساليب التربية والتعليم ومبادئهما ووسائطهما مع إبراز الأسس الثقافية والاجتماعية والصوفية التي قام عليه فكره التربوي، كما قدم رؤيته حيال المعلم والمتعلم وما يجب توفر كل منهما فيه وما ينبغي أن يتسمان به في المحضرة وحلقات الدرس.
ويبدو أن ملامح الفكر التربوي عند أحمد الهيبة تأثرت بالأفكار التربوية التي سبقته كتجربة القابسي وابن سحنون وابن عرفة والنابغة الغلاوي وغيرهم، ما جعل كتابه غنيا وخصبا ومنفتحا على تجارب تربوية سابقة زادت من عمق رؤيته التربوية أصالة وقدرة على تفسير الظواهر التعليمية والتربوية مستمدا حُججه من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والتراث الإسلامي الصوفي مما ساعده على بلورة أفكار تربوية تهدف إلى إصلاح الفرد والمجتمع.
وقد ارتكزت ملامح فكره التربوي على ثلاث أثافٍ، هي: الأساليب والمبادئ والوسائط التربوية، ففيما يخص:
أساليب التربية فقد ركز على ترغيب الصبيان في العلم وذلك بإبراز أهميته وفضله للمتعلمين متعرضا للسن الأمثل للمتلقين، كما تناول أساليب العقاب البدني وأجرة المعلم؛ وقارب أيضا ضمن الأساليب التعليمية الحديث عن التربية الأخلاقية كالفصل بين الذكور والإناث في المحضرة كفصلهم في المضاجع فضلا عن التربية الوعظية والتعليم عن طريق القدوة.
أما فيما يخص مبادئه التربوية فقد نادى بمراعاة الفروق بين مهارات المتعلمين ودرجات إدراكهم وملكات حفظهم وعدم الجمع بين أكثر من علم في مجلس تربوي واحد، والتعلم الذاتي والتربية المستديمة؛ كما تناول ما يشترط تعليمه للصبيان وطرق الحفظ وأسبابه وتقوية مهارات الفهم والربط بين الحفظ والفهم والاهتمام بقيمة الزمن التعلُّمي وتسريح الأطفال مراعاة لأعراف الأمصار الإسلامية.
أما الوسائط التربوية التي نادى بها فقد ركز على ضرورة إشراك الآباء في المنظومة التعليمية للمتأدبين، محيلا على أهمية الرفقة في المجلس التعليمي، كما طرح أهمية اللوح في التلقين وحكم ووقت محوه بخاصة إذا كان المَمْحو هو القرآن الكريم، ثم باشر الحديث عن المداد والقلم، فضلا على أنه بسط الحديث عن وسائط صوفية في التدريس كالأوراد والعزائم والأوقات التي تقوي الحافظة وملكة الفهم والإدراك.
وعليه فالمذهب التربوي لدى أحمد الهيبة أسسه اعتمادا على أصول التربية التقليدية ذات الهدف الديني الصرف، فنظامه التربوي معَدٌّ لتربية أولاد المسلمين وتعليمهم القرآن الكريم ومبادئ الشرع لأن المؤلف تلميذ المدرسة الفقهية الصوفية المعينية وبالتالي فأحمد الهيبة قارب رؤيته التربوية من خلال تصور عصره للملامح العملية لكيفية تطبيق أسس النظرية الإسلامية التربوية وهو في عرضه لتلك الملامح يتبنى ما كان معروفا قبله من التصورات التربوية فضلا على أنه عرض ملاحظات منتفاة من تجاربه الشخصية وخبرة معلميه كالشيخ الحضرام وغيره.
ويعتبر هذا الكتاب إضافة نوعية في الفكر التربوي غضون العقد الأول من القرن العشرين لمزج المنحى الصوفي بالمنحى الفقهي في بسط الرؤيات التربوية التي عرفها المغرب تاريخئذ، كما تأتي أهمية الكتاب لعدة اعتبارات، أبرزها أنه أول مؤلف من نوعه في سوس والصحراء المغربية إذ لم نعرف ـ إلى حدود الآن ـ أحدا من الصحراويين أو السوسيين صنف في الفكر التربوي الصوفي بهذا الشكل وهذا الشمول ما عدا تصنيف لوالده حول العلم النافع.
كما يعتبر هذا الكتاب ذا قيمة كبيرة ومهم من نواح عدة:
فهو مهم حديثيا لورد كثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي أسس عليها رؤيته التربوية وعضد حجية ما ذهب إليه في فكره التربوي.
ومهم فقهيا: لأنه يضم مواقف وأجوبة واجتهادات فقهية تربوية لعلماء سابقين عنه وآخرين عاصروه سواء كانوا علماء في زاوية أبيه الشيخ ماء العينين أو علماء تلقن عنهم المعارف.
ومهم صوفيا: لأنه وظف كثيرا من المصطلحات الصوفية وبسط كثرا من الأوراد التي تعين على الحفظ والفهم فضلا عن عزائم من علم الرمل ووصفات روحية وغذائية.
ومهم ثقافيا: لأنه وظف أضمومة من الكتب التي ألفت قبل في الفكر الصوفي كمؤلفات القابسي وابن سحنون وغيرهم علاوة على ورد أضمومة من الكتب الصوفية والتاريخية والحديثية إما اغترف منها باعتبارها مصادرا لنقوله أو أنها كانت لحمةً لتأليفه.
ومهم أدبيا: لأن الشيخ أحمد الهيبة سلك في مصنفه مسلكا أدبيا ممتعا تجلى في أسلوبه الرشيق وإيراده لبعض المستملحات والأبيات الشعرية ومنهجه الدقيق في عرضها شواهداً.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.