التبوريدة بين الإرث الثقافي و ألم الموت و العاهات المستديمة.

بقلم: الحسين بكار السباعي.
الموروث الشعبي أو المكون اللامادي أو كما يسميه كريستفا ‘بالرأسمال الرمز “، و الذي يحيل على الحضارة بماهية دال من دوال ” الحضور” في مقابل الثقافة الغائبة. و حسب باتريك دولابان ” أن الشعوب التي ليس لها أساطير، تموت من البرد”.
من هنا نفهم وجوب العناية بثقافتنا ومورثنا اللامادي الذي يجسد حضارتنا الضاربة في التاريخ ،إنه مقياس لتنوعنا الثقافي ورمز وحدتنا الوطنية.
وتعتبر التبوريدة من اهم مظاهر ثقافتنا الشعبية رغم اختلاف اساميها من صحاب البارود أو الباردية أو الخيالة أو الفنتازيا.
في حلبة التبوريدة وخلف الغبار المتناتر تنطلق الخيل في سرعة أشبه مايكون بإندفاع الفراشة نحو النور الذي يخفى حتفها. وتظهر بين الفين والآخر وفي مواسم سنوية ألم الموت وحوادث تسببت في عاهات مستديمة يعاني أصحابها في صمت لم يمنعهم من تتبع رائحة الخيل والبارود أينما حلت وارتحلت ، تأسرهم الخيل المسومة رمز الشهامة والعزة والكرم ، وتظهر السربات المختلفة يقودها العلام في هالة وشموخ وفرسان أو فارسات في صفوف متراصة.
سربات تحمل أصحابها عناء الحفاظ على تراث الأجداد في زمن تحول القيم وإندتار الأصالة، معاناة يعيشها الفارس ويتقاسمها مع فرسه وعائلته رغم وجود جمعيات وفيدراليات وهبت نفسها لصيانة الثرات الشعبي رغم قلة الدعم أو حتى إنعدامه. وفي تجاهل من المسؤولين من محليين و وزارة وصية على ثقافة الوطن وحتى الحرمان من التأمين ولو إختياري ﻹمتناع العديد من شركات التأمين التعاقد معهم للهامش الكبير ﻹحتمال وقوع الخطر بسبب إستعمال مادة البارود التي تندفع من بنادق تقليدية قديمة لا تتوفر فيها أدنى شروط السلامة ولا تخضع للصيانة في الكثير منها فهي إرث يتوارث وملك لعائلة الفارس ليحمل أفراده المشعل من جديد يتوارته جيل بعد جيل.
ويطرح السؤال أمام هذا الوضع الذي تحكمه اللامبالاة ويكون ضحيته الفارس أو الفرس و حتى الحضور.
ما موقف الجامعة الملكية للفروسية؟ رغم أنها تنظم مباراة سنوية في فن التبوريدة خصصت لها جائزة الحسن الثاني للتبوريدة، تتبارى من أجلها مختلف السربات المغربية من مكون عربي وأندلسي وأمازيغي و صحراوي شكل من خلالها سمفونية جميلة تحاكي التاريخ العسكري للمغرب وكفاح أبنائه من البوغاز إلى الصحراء من أجل وحدة الوطن وسيادته.
ما موقف وزارة الثقافة؟ وما خصصته من دعم باعتبارها الأولى بالمسائلة حول تراثنا الوطني؟
ما موقف السلطات المحلية و المنتخبة؟ في العمل على تمكين السربات من أدنى الحاجيات والمستلزمات، و توفير مادة البارود ومراقبة استعمالها وما موقفها من مراقبة البنادق وصلاحيتها وحتى تعديلها او إعادة صناعة بنادق تتحمل شحنات البارود وصاحية مكان الشعلة (الحبة) والزناد و المدفع (الجعبة) وجودة المادة المصنوعة منها والقابلة لخروج الطلقة.
ما موقفنا جميعا كمجتمع مدني؟من أجل الترافع عن حماية هذا التراث وعن ضرورة تمكين الفرسان والفرس والحضور من تأمين يكون إجباري كغيره من الرياضات التي تفرض هذا النوع من التأمين كرياضة القفز على الحواجز، و الأولى أن يفرض على التبوريدة لإستعمال الفارس للسلاح ولو كان تقليدي. فحماية الثرات حماية للمكون الثقافي الوطني من الإندثار.
ما موقف المجالس الترابية والمنظمة للمواسم من تخصيص المعونة والدعم والعناية، فتربية الفرس ورعايته ليست بالأمر الهين وتتطلب تكاليف باهضة قد يضحي الفارس من أجلها بقوت أبنائه.
في خضم هذه التساؤلات وغيرها، لن تثني الحوادت الأليمة التي شهدتها العديد من ساحات التبوريدة وفي مواسم مختلفة من عزيمة الفرسان فالشهامة والمروؤة لا تكتسب بل تولد مع الرجال ،وحماية الموروث الشعبي والتراث اللامادي ليس بالأمر اليسير في زمن صراع الثقافات،
إلى روح فرساننا الأشاوس إلى من وهبوا حياتهم للعزة والمجد.
ذ/الحسين بكار السباعي.
ممثل المنظمة الدولية للفن الشعبي التابعة لليونسكو بالصحراء المغربية.
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
تحرير سعيد الهياق

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد