…..إدريس لكريني…
يشهد المغرب اليوم أول انتخابات محلية تأتي بعد دستور 2011 الذي عزّز الخيار الجهوي؛ ومنح المجالس المنتخبة محليا مجموعة من الصلاحيات؛ فهي التي ستفرز “النخب” التي من المفترض أن تسهر على تدبير شؤون المجالس الجماعية والجهوية في مرحلة حبلى بالتحديات والانتظارات؛ كما أنها تأتي أيضا في أعقاب صدور مجموعة من التشريعات التي فرضتها مستجدات الدستور؛ والتي فتحت الآفاق أمام تطبيق جهوية متقدمة ضمن 12 جهة؛ تحظى مجالسها بصلاحيات إدارية ومالية هامة؛ مما يجعلها مناسبة لترجمة المقتضيات الدستورية الجديدة ذات الصلة ميدانيا.وبغضّ النظر عن الحزب الفائز؛ يطرح السؤال حول ما إذا كانت هذه الانتخابات التي تأتي في سياق مستجدات سياسية ودستورية؛ ستتيح تحقّق مجموعة من الرهانات.
1- رهان المشاركة
تشير الدراسات والأبحاث والتجارب الميدانية إلى أن هامش توظيف الأموال المشبوهة ومختلف الضغوطات الأخرى غير المشروعة في استمالة الناخبين؛ يضيق كلما زادت نسبة المشاركة في الانتخابات؛ والعكس صحيح، الأمر الذي يجعل من مجمل التدابير القانونية والاحترازية التي تقوم بها الدولة؛ إضافة إلى جهود بعض الأحزاب في هذا الصدد؛ تظل بدون أهمية مع ضعف هذه المشاركة.
إن المشاركة السياسية بشكل عام؛ هي تعبير عن المواطنة وسلوك مبني على الحرية في الاختيار؛ يفرض وجود قدر من التأثير المباشر أو غير المباشر في مسار السياسات العامة؛ وهي إحدى الركائز التي تنبني عليها الممارسة الديمقراطية.
ومتى توافرت شروطها ومقوماتها؛ فالمشاركة السياسية تسمح باختيار جزء من النخب الحاكمة سواء في بعدها الوطني أو المحلي؛ ووسيلة لإبداء الرأي بصدد مختلف القضايا السياسية؛ كما أنها تسمح للأفراد بممارسة حقوقهم وواجباتهم السياسية في جو سليم وعلني وشرعي؛ وتعطي معنى ومدلولا للمؤسسات والقنوات السياسية والحزبية..
ظل المشهد السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة؛ مطبوعا بتفشي ظاهرة العزوف السياسي؛ سواء على مستوى الانتماء للأحزاب السياسية أو الاهتمام بالشأن السياسي أو المشاركة في الانتخابات؛ وهو عزوف يجد أساسه في مجموعة من العوامل التي من بينها ضعف أداء الفاعلين.
وبحسب إحصائيات رسمية فقد بلغ عدد المسجلين الجدد في اللوائح الانتخابية الجماعية والجهوية ما يزيد عن 1.100.000 طلب 46 بالمائة منها للنساء و54 منها للرجال؛ وهو مؤشر غير كاف لقياس تطور هذه المشاركة؛ وبخاصة وقد شاب ضعف الإقبال عملية التسجيل في اللوائح الانتخابية مما حدا بالسلطات إلى اعتماد آجال جديدة.
وتعد نسبة المشاركة في هذه الانتخابات محكّا حقيقيا لقياس ثقة المواطن في هذه العملية من حيث أطرافها وقواعدها و”نخبها” وبرامجها.
2- دعم خيار الجهوية
جاء دستور 2011 بمجموعة من المستجدات التي تدعم الخيار الجهوي؛ حيث وضع العديد من الأسس والمرتكزات التي تروم تجاوز الإشكالات التي رافقت التجربة الراهنة، كما فتح المجال أمام فعاليات المجتمع المدني لتعزيز هذا الخيار عبر المواكبة والمشاركة في بلورة السياسيات العامة محليا ووطنيا.
إن إرساء جهوية كفيلة بدعم التنمية وترسيخ الديمقراطية المحلية؛ يتطلب وجود مجموعة من المرتكزات؛ في علاقة ذلك بتقطيع جهوي تحكمه متطلبات التنمية لا الهواجس الأمنية والسياسية الضيقة؛ وتخويل الجهات صلاحيات وازنة؛ في إطار وصاية تدعم الحكامة لا التحكم؛ وإمكانيات تقنية ومالية؛ ووجود مؤسسات ديمقراطية منتخبة بصورة مباشرة؛ علاوة على نخب على قدر من الكفاءة والمصداقية..
إن إفراز هذه الانتخابات لنخب على قدر من الكفاءة والتمثيلية الحقيقية وفي مستوى الانتظارات التي تفرضها المرحلة بتحدياتها وإكراهاتها؛ من شأنه المساهمة في تحقيق الأهداف الكبرى لهذا الخيار على مستوى توظيف الإنسان والمجال لخلق الثروة وتعبئة مختلف الإمكانات المحلية المتاحة؛ واستثمار المستجدات القانونية على مستوى تعزيز سبل التعاون والشراكات وطنيا ودوليا والارتكاز إلى التخطيط الاستراتيجي..
وكذا على مستوى دعم الديمقراطية المحلية؛ من خلال ترسيخ المقاربة التشاركية التي تقوم على العمل الجماعي وحشد الجهود؛ وجعل المجالس الجهوية بمثابة “برلمانات محلية” منفتحة على محيطها ونخبها المختلفة.
3- رهان التخليق
إن أول شرط تتوقف عليه نجاعة ومصداقية هذه الانتخابات هو ضمان مرورها في أجواء نزيهة تحترم إرادة المواطن؛ وتسمح ببروز نخب حقيقية يمكنها أن تقدم تصورات جديدة لتدبير الشأن المحلي.
تشير التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات إلى الكثير من الاختلالات المالية التي تشوب أداء العديد من الجماعات الترابية؛ كما لا تخلو التقارير الإعلامية اليومية من أخبار تؤكد هذا الأمر.
المفارقة الكبرى هي أن جميع الأحزاب السياسية تضع مكافحة الفساد على رأس أولويات برامجها وضمن شعاراتها السياسية والانتخابية؛ في حين تشير تقارير المجلس الأعلى للحسابات أن عددا منها يدبر ماليته بانغلاق كبير؛ بل إن بعضها لم يتردد في تزكية أسماء في هذه الانتخابات بالرغم من وجود شبهات تورطها في فساد مالي..
إن بقاء ملفات الفساد المرتبطة بالتدبير المحلي دون مواكبة قضائية فاعلة وصارمة؛ تدفع العديد من المواطنين إلى الربط بين الوصول إلى المجالس المنتخبة محليا والاغتناء السريع غير المشروع.
يظل كسب رهان تخليق عمل الجماعات الترابية؛ مرتبطا باعتماد إجراءات عمودية في علاقة ذلك بتعزيز المنظومة القانونية وإقرار حكم القانون وربط المسؤولية بالمحاسبة؛ وتعزيز استقلالية القضاء؛ واسترداد الأموال المنهوبة..
كما يتطلب الأمر اعتماد تدابير أفقية؛ تتصل بترسيخ قيم المواطنة؛ ونشر ثقافة الشفافية ورفض وفضح الفساد والمفسدين عبر مختلف الوسائط والقنوات؛ إضافة إلى التوعية بتداعيات هذه الظاهرة وتكلفتها الخطيرة على الدولة والمجتمع في الحاضر والمستقبل.
4- تجدّد النّخب المحلية
لا زالت العديد من الأحزاب تتهافت على استقطاب الأعيان خلال فترات الانتخابات؛ عبر منح “تزكيات آخر لحظة” وعدم استحضار الكفاءة في هذا الصدد؛ كطريق سهل لكسب المقاعد؛ وهو ما نتج عنه شرخ داخل عدد من هذه الأحزاب؛ وأدى إلى تأزّم العلاقة بين قياداتها ومناضليها وأسهم في مغادرة عدد من الكفاءات والطاقات الشابة لها.
لا تتوانى الكثير من الأحزاب السياسية في اختلاق ذرائع ومبررات إنتاج نفس النخب؛ فتارة تبرر ذلك بإكراهات الوقت؛ وبتحديات المرحلة ومتطلبات الخبرة والكفاءة، وتارة أخرى بالشرعية التاريخية.. وهو خطاب يتناقض مع الأدوار المفترضة للأحزاب السياسية باعتبارها “مدارس” لترسيخ الممارسة الديمقراطية وتجدد النخب..
لا تخفى تداعيات الجمود الحاصل على مستوى التجدد من حيث بروز خطاب وأداء متجاوزين؛ واعتماد تحالفات سياسية شاذة؛ وأداء سياسي مختل.. مما يزيد من اتساع الهوة بين المواطن والشأن السياسي بشكل عام؛ والحزبي والانتخابي على وجه خاص.
إن تجدّد النخب الحزبية يمكن أن يسهم في دعم أداء مختلف الجماعات الترابية؛ كما سيؤدي حتما إلى إخراج الأحزاب من جمودها وانغلاقها؛ وإلى حدوث مصالحة بين المواطن والشأن السياسي والانتخابي.
drisslagrini@yahoo.fr
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.