محمد ادامغار//
يطرح سؤال الامازيغية اليوم بالمغرب تشابك العلاقة بين المطلب الثقافي والسياق السياسي مما يستدعي ضرورة التجديد والإبداع في صيغ التعامل مع هذا السؤال انطلاقا من التلازم القوي بين الثقافة والسياسة في مختلف التجارب التاريخية التي عرفتها الإنسانية على مدى التاريخ.
وفي الحالة المغربية فان قضية الامازيغية انطلقت بمطلب ثقافي في نهاية الستينات من القرن الماضي( المحور1) لتتحول إلى نقطة أساسية ضمن جدول أعمال التحول السياسي لمغرب بداية الألفية الثالثة( المحور2) فكيف ستبلور جدلية الثقافي والسياسي مستقبل ” امازيغية” المغرب بعد الإقرار الدستوري برسمية اللغة الامازيغية ؟ ( المحور3).
1- في البدء…كانت الثقافة:
سنة1967 تأسست الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي وكان الهدف الأساسي هو الدفاع عن الثقافة الشعبية بالمغرب والتي لم تكن شيئا أخر غير الثقافة الامازيغية وكان التواري خلف ستار الثقافة الشعبية لان كلمة” الامازيغية” كانت من الطابوهات تحت تأثير فكر” الحركة الوطنية”و استمرار” البعد القومي العربي” في سياسات الدولة وفكر نخب ما بعد الاستقلال تحت شعار” تعريب التعليم والإدارة والقضاء” وانحصر نشاط الجمعية الوليدة في إصدار بعض الكتب وتنظيم أنشطة للتحسيس بأهمية الثقافة الشعبية للمغرب. وفي سنة 1978 ستظهر جمعية الانطلاقة الثقافية بالناظور والجمعية الجديدة للثقافة والفنون الشعبية والتي ستتحول فيما بعد إلى” تامينوت”
وفي بداية الثمانينات وتحت تأثير أحداث “الربيع الامازيغي” بالقبايل( ابريل1980) تأسست” الجامعة الصيفية” باكادير والتي منعت دورتها الأولى سنة 1981 حيث ستصبح فضاء للنقاش الفكري والتناول الأكاديمي لقضايا الثقافة الشعبية بالمغرب طيلة عقد الثمانينات .
إلا أن تطورات المناخين السياسي والثقافي بالمغرب أفضت إلى التقاء ست جمعيات ثقافية امازيغية في شهر غشت 1991 في إطار الدورة الرابعة للجامعة الصيفية لتوقع ما عرف إعلاميا ب”ميثاق اكادير” الذي اعتبر حينها أرضية للتوافق بين مكونات الحركة الثقافية الامازيغية بالمغرب حول ميثاق للحقوق الثقافية واللغوية وتتحول بموجبه الجمعيات الموقعة إلى لوبي للضغط في اتجاه الاعتراف الرسمي بالتعدد الثقافي للهوية المغربية.
ومثل الميثاق الحد الأدنى للمطالب الثقافية بالنظر للظرفية السياسية للمغرب آنذاك رغم انه حمل إضافة إلى ذلك مطالب سياسية تدعو إلى إعادة النظر في الأسس الثقافية التي أنبنى عليها النظام السياسي المغربي منذ الاستقلال من خلال التأكيد على العمق الامازيغي للمغرب.
وشكل الميثاق أيضا بداية التحول نحو إعطاء طابع سياسي للمطلب الثقافي من خلال المطالبة بدسترة اللغة الامازيغية والتنصيص على البعد الامازيغي للهوية الوطنية المغربية.
2- الامازيغية في ميدان السياسة:
إن التحولات السياسية التي عرفها العالم بداية التسعينات مع انهيار جدار برلين و”تراجع الايدولوجيا الاشتراكية” وحرب الخليج الثانية وبداية انهيار “مشروع القومية العربية” والصعود القوي للحركات الدينية المحافظة شكل نقطة تحول بارزة في استرتيجية الفاعلين المهتمين بالثقافة الامازيغية لإعطاء نفس سياسي أكثر للمطلب الثقافي والذي تحول في محطات أخرى إلى نفس إيديولوجي من خلال ربط المطالب الثقافية الامازيغية بفصل الدين عن السياسة كمطلب ديمقراطي والدعوة إلى رفع التهميش اجتماعيا واقتصاديا عن المناطق” الامازيغية”.
إن تحول الفاعل المهتم بالامازيغية من العمل الثقافي إلى العمل السياسي يرجع لكون اغلب الأحزاب السياسية في هذه الفترة لم تستطيع التعامل بشكل ايجابي مع هذه المطالب إذ تفاوتت المواقف ما بين مناهض لها باعتبار مسها ب”الوحدة الوطنية” واتهام حامليها بالتعامل وفق أجندات خارجية( مرة فرانكفونية ومرة أخرى صهيونية…) ومابين متردد عاجز عن اتخاذ موقف فهو بحكم خلفيته السياسية غير قادر على إنكار مشروعية المطالب ولكنه في نفس الوقت لم يستطيع المبادرة في اتجاه يسند هذه المطالب ويعمل على تحقيقها. واتجاه ثالث اكتفى بالتعامل الانتهازي مع المطلب الثقافي الامازيغي من خلال تبنيه كوسيلة للدعاية الانتخابية دون القيام بأي إجراء ملموس على ارض الواقع.
ومباشرة عقب اعتقال مناضلين من جمعية تليلا بالراشيدية بعد مشاركتهم في مسيرة فاتح ماي1994 ورفعهم شعارات مطالبة يدسترة الامازيغية وتصاعد النضال الجمعوي الامازيغي دعا الر احل الحسن الثاني في خطابه يوم 20 غشت1994 إلى إدماج” اللهجات” الامازيغية في التعليم الابتدائي وانطلق ما سمي ب”نشرة اللهجات” في التلفزة المغربية.
سنة 1998 سينص التصريح الحكومي الذي قدمه الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ولأول مرة على الامازيغية كبعد من أبعاد الهوية الوطنية المتعددة وفي نفس السنة ستنهي اللجنة المكلفة بإعداد ميثاق التربية والتكوين أشغالها وتخصص المادتين 115 و116 من الميثاق للغة الامازيغية.
وأمام تراكم العمل النضالي والجمعوي للفاعلين المهتمين بالامازيغية وبداية صياغته لخطاب ثقافي بأبعاد كونية مرتكز على قيم الحداثة والديمقراطية والنسبية والعقلانية كأسس لبناء مجتمع مغربي جديد. بادرت الدولة عبر خطابي العرش و اجديرسنة2001 وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الامازيغية وانطلاق عملية تجريب تدريس الامازيغية في التعليم الابتدائي وانطلاق مرحلة الانفتاح الإعلامي المحتشم على الثقافة والفنون الامازيغية مما شكل محطة فارقة في مسار الإقرار بالحقوق اللغوية والثقافية الامازيغية.
دخول السياسة على الخط أدت إلى بروز خلافات عميقة مابين المنتقدين لصيغة ” المعهد” باعتبار أن الأولوية يجب أن تعطى للدسترة باعتبارها الحماية القانونية الضرورية ضد أي تراجع و المؤيدين لصيغة ” المعهد” باعتبار ضرورة التدرج في تحقيق المكاسب أولا ثم مابين الداعين إلى تأسيس حزب سياسي “امازيغي” باعتبار أن العمل الجمعوي والثقافي قد استنفذ مردود يته والداعين إلى مواصلة العمل على الواجهة الثقافية لان” التحزيب” سيسئ إلى النضال من اجل إقرار الحقوق الثقافية و اللغوية أكثر مما سيفيده.
يوليوز2011 وبعد 20سنة على ميثاق اكادير وفي ظل الحراك الديمقراطي الذي عرفته منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط سيتحقق مطلب الدسترة كلغة رسمية وسيتم الإقرار بالبعد الامازيغي للهوية المغربية لتنطلق معركة جديدة فأي مستقبل للامازيغية بعد دستور يوليوز2011.
3- أفاق الثقافة الامازيغية بعد الدسترة:
– الدستور أحال على قانون تنظيمي بيد أن الحكومة وبعد مرور سنتين ونصف عاجزة عن بلورة تصور واضح لكيفية التنزيل الدستوري لترسيم اللغة الامازيغية وتوفير شروط إدماجها في الحياة العامة( التعليم-الإدارة-القضاء…) وهو الأمر الذي يستدعي ضغطا قويا من طرف مختلف الفاعلين السياسيين والثقافيين والحقوقيين للخروج بالقانونيين التنظيميين الخاصين بتفعيل الطابع الرسمي للامازيغية وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.
– فشل عملية إدماج الامازيغية في التعليم الابتدائي وفق المقاربة” الارتجالية” التي اعتمدتها الوزارة الوصية منذ10 سنوات لعدم توفر الموارد البشرية والمادية الضرورية لإنجاح هذه العملية التاريخية مما يتطلب التحرك العاجل لبلورة إستراتيجية مندمجة بهدف تعميم اللغة الامازيغية في التعليم أفقيا وعموديا مع توفير الموارد البشرية والمادية الضرورية تحت إشراف هيكل إداري وطني داخل الوزارة الوصية وبامتداد جهوي وإقليمي.
– عجز القناة الثامنة وكذا مختلف قنوات القطب العمومي عن استيعاب مغزى الإقرار الدستوري برسمية الامازيغية مما أدى إلى استمرار نوع من التهميش للمضامين الثقافية الامازيغية في غياب توفير إمكانيات مادية لانجاز برامج ذات جودة ومضمون ملائم مما يحثم على المكلفين بتدبير الشأن الإعلامي الوطني إعادة النظر في دفاتر تحملات مختلف المؤسسات الإعلامية الوطنية بإدماج الامازيغية كمكون رئيسي وتوظيف اطر إعلامية قادرة على بلورة تصور إعلامي يخدم الثقافة الامازيغية باعتبارها رصيدا مشتركا لكل المغاربة.
– ضرورة الاخد بعين الاعتبار واقع دسترة الامازيغية كلغة رسمية وواقع الاعتراف بالبعد الامازيغي للهوية الوطنية المغربية في إطار عملية إعداد القانون التنظيمي للجهوية الموسعة باعتبار أن منطق حكامة القرب الذي ستوفره هذه الجهوية يجب أن يتضمن رؤية جديدة لتدبير التعدد اللغوي والثقافي للمغرب في إطار الوحدة الوطنية وفي احترام للخصوصيات المحلية والحهوية ثقافة ولغة كما يجب أن يضمن حماية للتراث المادي واللامادي للمناطق والجهات لتتحول الجهوية الموعودة من مجرد إجراء إداري وتقني إلى آلية لتحديث هياكل الدولة وإرساء قواعد تنمية مندمجة.
* مقال منشور ضمن العدد الأول من جريدة “نبض المجتمع – ءانتاك ن وامون”
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.