الاصلاح بدون الحوار، طريق سالك نحو  الاحتجاجات والاحتقان

بقلم محمد لحميسة

للتاريخ عادة قبيحة ، إنه دائما ما يعيد نفسه .
وأقول أن فهم الحاضر يُمَكننا من اِستشراف المستقبل ، وفهم الحاضر يستوجب جدليا إستيعاب التاريخ ودروسه ، كما يحدثنا عن ذلك غوته “من لايستخلص دروس 3 آلاف سنة الأخيرة ، يبقى في العتمة ” ، ومن لا يعي مكر التاريخ ونزوعه القوي لإعادة نفسه فهو حثما في غيهب عميق وفي الأخير سيكون ضحية هذا التاريخ إذ سَيُرمى حثما في مزبلته .

تفصلنا عن 1965 ما يقارب 56 سنة ، أكثر من نصف قرن ، ليس الثلاثة ألاف سنة التي تحدث عنها غوته ، وعلى ما يبدوا أن السيد الوزير  لم يقرأ التاريخ جيدا ، أو ربما يكتفي بالقراءة العادية كحكاية وسرد ولا يصل للقراءة العلمية التي يستخلص من خلالها الدروس والعبر ، ما يهمنا هو أن يوم 23مارس من تلك السنة كان صفحة سوداء في كتاب الوطن ، يوم سقوط الأقنعة وبروز الأنياب ،يوم موت المدنيين برصاص الجيش ، برصاص اشْتُرِيَ بأموال الضرائب التي دفعها أولئك المدنيين وكأنهم اشتروا موتهم في ضرب من سخرية القدر ، وأطلقه أشخاص كانوا قبل أن يرتدوا بذلتهم العسكرية مدنيين ، وربما هنا يصح الاستشهاد بما قاله توماس سانكارا عن الجيش : “الجيش بدون أيديولوجيا سياسية عصابة ” .

السبب الرئيسي وراء ذلك اليوم الدامي كان قرار وزارة التعليم بإقصاء فئة عريضة من عملية التعلم ، واليوم وبعد نصف قرن تعود نفس الوزارة (كمفهوم ومؤسسة) لتأخد قرار يقضي بإقصاء فئة عريضة من اجتياز مباراة التعليم .
وهذا ما أدى إلى خروج الطلبة والمجازين في دفاع عن حقهم في العمل وحق الاجازة الأساسية في أن تضمن لصاحبها حق الولوج إلى التدريس والعمل بصفة عامة .

عندما أرى الواقع وأنظر إلى المظاهرات والاحتجاجات التي تعم المدن المغربية أتساءل ببراءة حول الشرعية التي تمنح لهؤلاء حق الإتيان بقرارات تعاكس (بتعنت) الرغبة والإرادة الشعبية ؟ لأن الديمقراطية تستمد كل الشرعية من الشعب ومن الإرادة الشعبية .

الشعب ككل و خاصة الطبقة المتضررة من القرار هي فئة متعلمة ، مثقفة لا تحتاج لوصاية أو لمن يلعب دور الأم التي تريد صلاح مستقبل أبناءها من خلال منعهم من فعل أو شيء في الحاضر ، دور الحكومة (عن طريق الوزارات والمؤسسات الحكومية) هي أن تجد حلول لمشاكل الشعب وليس أن تزيد الطين بلة ، لأن العطار لا يُصلح ما أفسده الدهر بين ليلة وضحاها ، هذا إن كنا نتفق حول نية يعقوب في “الإصلاح” .

ما قام به السيد بنموسى لا يَمت بصلة للدولة الإجتماعية بل يكرس الديكتاتورية وواقع أن “هذه البلاد شقة مفروشة يملكها شخص إسمه عنترة” (قصيدة عنترة ، للشاعر نزار قباني) ، ويُشَرعن النسق الثقافي للسلطة الأبوي الظالم العمودي ، أو كما سماه الأنثروبولوجي المغربي عبدالله حمودي (الشيخ والمريد) ، بنموسى ووزارته (الحكومة) هم الشيخ ، أما الطلبة والمجازين وعموم الشعب فهم المريدين ، ما لهم سوى الإستزلام والخضوع والطاعة والخنوع .

بنموسى يمسك بيده قنبلة موقوتة ويلعب بها ، أو بالاحرى يلعب بمشاعرها التي تغلي وتثور ولا يدري متى ستنفجر لتحرق وجهه ويكون الوطن هو الخاسر ، السلم الإجتماعي نعمة ،لكن يبدوا أن الوزير يجحد بها ، ولن يعرف جوهرها وجدواها إلا يوم يتحرر البركان ويطلق شراراته ، حين يمارس التاريخ عادته القبيحة وتنبثق 23 مارس من رماد الواقع كالعنقاء .

الإصلاح لفظا ومعنى مرتبط بالمصالحة ، ولا يمكن أن تكون الأولى بدون حضور الثانية ، أي محاولة لكسر هذه القاعدة فهو يدخل ضمن خانة الهباء المنثور ،والأسوء أن الواقع الأن غير 1965، واللبيب بالإشارة يفهم .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد