أزول بريس – ذ. سعيد بنيس //
يبدو أنّ لغة المدرسة والتعليم في جميع التجارب الناجحة ترتبط بمحددات هوياتية ووظيفية وتنبع ضرورة الربط بين لغة المدرسة والتعليم والمحددات الهوياتية والوظيفية من كون المحدّدات الهوياتية ترسم مسارات المواطَنة، بينما المحددات الوظيفية تؤطرها السوق الاقتصادية الوطنية والدولية. وانطلاقا من هذا المعطى، لا يمكن في حالة المملكة المغربية الحياد عن المحددات الهوياتية التي سطرها الدستور، والتي تخول للغتين العربية والأمازيغية أن تكونا لغتيْ المدرسة، إلى جانب لغات أو لغة أجنبية ذات خصائص وظيفية عالمية تعتمدها المنظومة التعليمية والمشروع المجتمعي في ارتباط بالرهانات الجيوسياسية والتنمية الاقتصادية وازدهار الفرد والجماعة، بعيدا عن أي منطق إيديولوجي أو سياسوي.
من هذا المنظور لا يمكن للفرنسية أن تكون لغة مَدرسة في المغرب لأنها لا ترقى إلى لغة وظيفية، وذلك لأنه حتى في الدول التي تُعتبر اللغة الفرنسية لغة رسمية لها، كما هو الحال في فرنسا وكندا وبلجيكا، فإن هذه اللغة أضحت لغة هوياتية، فيما صارت اللغة الوظيفية في هذه البلدان هي اللغة الإنجليزية. وتباعا فـإن الانتقال من الفرنسية إلى الإنجليزية كأول لغة أجنبية في المدرسة والجامعة المغربية أصبح ضرورة ملحة ومستعجلة، لا سيما إذا تم استحضار السياسة اللغوية للجمهورية الفرنسية فيما يمت للغة الوظيفية للبحث العلمي والجامعة والمدرسة، إذ اختارت ترسيخ اللغة الإنجليزية كلغة للتداول والكتابة العلمية على المستوى الوطني والدولي. فاختيار الإنجليزية كلغة أجنبية أُولى في المنظومة التعليمية المغربية سيرفع من تنافسية اللغتين الرسميتين للمملكة، العربية والأمازيغية، من خلال فعل ترجمة إيجابي يرتكز على ترجمة الإصدارات العلمية من الإنجليزية إلى العربية والأمازيغية لتأهيلهما للعب أدوار وظيفية، والانتقال من لغات مدرسة (بفتح الراء) إلى لغات مدرسة ( بجر الراء)صالحة للتكوين والتدريس والتلقين.
كما أنّ اعتماد اللغات الرسمية لغات أولى في المدرسة أثمر نتائج إيجابية في تجارب عالمية ناجحة، مثل التجربة الصينية واليابانية والكورية والفنلندية، فتطبيق المملكة المغربية لهذا الخيار سيمكّن اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية من إضافة صفة اللغات الوظيفية إلى صفتهما الاعتبارية كلغات رمزية هوياتية دستورية، والاضطلاع بدور لغات التدريس في جميع الأسلاك بالتعليم المغربي، من التعليم الأولي إلى التعليم العالي. في المقابل فرضية اعتماد اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى في المنظومة التعليمية المغربية تمكن من ازاحة العقبة التي تعترض إشعاع الجامعة المغربية على المستوى العالمي، والمتمثلة في كون أغلب الأبحاث بالجامعة المغربية تتم إما باللغة العربية أو باللغة الفرنسية؛ بينما الأبحاث المعتمدة في التصنيفات الدولية، كقائمة شنغهاي، تنحصر في ما يُنشر في دوريات معترف بها دوليا، تُنشر بها الأبحاث حصريا باللغة الإنجليزية، كمجلتي “نايتشر”، و”ساينس”.
لهذا وانطلاقا من طبيعة ونوعية محددات ومعايير تصنيف الجامعات وأنظمة التعليم على الصعيد العالمي، يبدو ضروريا لتدارك غياب المدرسة والجامعة المغربية عن هذه التصنيفات، مع الأخذ بعين الاعتبار العوائق المادية وغياب ميثاق لأخلاقيات البحث العلمي، إعادة تصويب اختيارات السياسة اللغوية فيما يتعلق بلغات التدريس والنشر العلمي حيث أضحت الحاجة ملحة لقناة وجسر لغوي ملائم يستجيب للمعايير الفضلى يفضي إلى تمكين البحث العلمي المغربي من الخروج من وضعية الاحتباس اللغوي.
ذ. سعيد بنيس
التعليقات مغلقة.