الاتحاد الاشتراكي شأن وطني

بقلم جامع كلحسن (عن موقع القناة الثانية)

في عددها ليوم الأربعاء 12/12/2012، نشرت جريدة “الاتحاد الاشتراكي” في احدى صفحاتها الداخلية: تشاهدون هذا المساء (التاسعة والنصف) على القناة الثانية حلقة جديدة من سلسلة “بنات لالة منانة”.

في باقي الصفحات، لا نعثر على اشارة ولو قصيرة لحدث سياسي وإعلامي غير مسبوق في بلادنا. يتعلق الأمر بمناظرة تلفزيونية مباشرة مساء نفس اليوم طيلة 90 دقيقة في برنامج “مباشرة معكم” بين المترشحين الخمسة لمنصب الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على بعد أسابيع من المؤتمر التاسع للحزب. لا يهم ان كان الأمر تقصيرا أو تجاهلا من اعلام الحزب لهذا الحدث غير المسبوق.

لكن الأهم هو أن هذا التمرين السياسي والتلفزيوني كان ناجحا بفضل تعاون المترشحين الخمسة (الراحل أحمد الزايدي رحمه الله وفتح الله ولعلو والحبيب المالكي وادريس لشكر ومحمد الطالبي) وحنكة السيد عبد الواحد الراضي بصفته رئيسا للجنة التحضيرية للمؤتمر وعمل سري في الكواليس دام حوالي شهر لإنضاج الفكرة وحمايتها من النسف رفقة صديقين اتحاديين هما عبد الرحمان بنيحيى ويوسف بنجلون. لاقت المبادرة استحسانا واسعا وحاولنا في القناة الثانية تكرار التمرين مع عدد من الأحزاب الوطنية قبل مؤتمراتها دون نتيجة. فقط حزب الاتحاد الاشتراكي من منح هذه الفرصة.

 سياق التذكير بهذه الوقائع هو النقاش الذي يثار حاليا قبيل المؤتمر الحادي عشر للحزب (29-31 يناير 2022). لن نخوض في مضمون هذا النقاش بين من يطالب برأس الكاتب الأول الحالي من أجل قيادة جديدة وبين من يدافع عن حصيلة ادريس لشكر السياسية والتنظيمية والانتخابية. كما لن نجادل في مشروعية الترشح لمنصب الكتابة الأولى بين من بقي مستمرا في الصراع اليومي والتنظيمي مع المنافسين ومن أخذ مسافة من التنظيم لأسباب مختلفة ويرى اليوم نفسه مؤهلا لضخ دماء جديدة في الجسم الاتحادي.

لكن ربما من المفيد التوقف عند معطى متجدد في كل محطات الحزب.  فاللافت أن كل مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي سواء عندما كان في المعارضة أو يقود الحكومة (مؤتمر أرض الله الواسعة) أو كان جزءا من الأغلبية أو المعارضة تصبح حدثا سياسيا وطنيا غنيا بالنقاش. وهذا النقاش لا يخص الاتحاديات والاتحاديين فقط بل يصبح الشأن الاتحادي “مستباحا” من خارج الحزب ويدلي الجميع برأيه تحليلا أو اصطفافا أو تعليقا أو انتقادا… ولا يكاد مؤتمر أي حزب مغربي آخر يحظى بنفس الاهتمام الذي يواكب مؤتمرات الاتحاد.

ربما يحدث هذا الاهتمام بعض الانزعاج عند بعض الاتحاديات والاتحاديين. لكن كيف يمكن تفسيره؟

– أولا: لا يمكن أن ننكر أن جزءا كبيرا من المغاربة كانوا في مرحلة من المراحل قريبين من الاتحاد الاشتراكي سواء انتماء أو تعاطفا أو غيرة. وهذا الرأسمال الرمزي بقي يقاوم رغم انحسار الامتداد الجماهيري للحزب لأسباب ذاتية وموضوعية يطول المقام لشرحها هنا.

– ثانيا: بفضل تواجده السياسي والتنظيمي في البرلمان وبعض الجماعات والنقابات والجامعة واتحاد كتاب المغرب ومنظمات جمعوية مختلفة، تمكن الاتحاد من أن يكون مشتلا لإنتاج نخب حزبية وفكرية تبوأت ولا تزال مراكز القيادة في الادارة ومؤسسات الدولة والسفارات وغيرها. بل ان بعض المتتبعين للشأن المغربي يتحدثون عن مدرستين لإنتاج النخب في بلادنا: مدرسة الدولة ومدرسة الاتحاد الاشتراكي وعموم اليسار.

– ثالثا: رغم التغيرات التي عرفها الخط السياسي والهوية الايديولوجية للحزب، يبقى الاتحاد الاشتراكي رقما مهما في الساحة السياسية الوطنية. وهذه الأهمية هي التي تجعل الفرقاء السياسيين الآخرين يتموقعون على يساره (بعض تنظيمات اليسار الجذري) أو على يمينه (الأحزاب التي تنتسب للعائلة الليبرالية أو اليمين المحافظ) أو على النقيض من مشروعه الأصلي كما هو حال بعض التنظيمات والحركات الاسلامية.

كل هذه العوامل تجعل من الشأن الاتحادي شأنا وطنيا عاما وربما تصنف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تراثا لاماديا ليس للاتحاديات والاتحاديين فقط، بل لعموم المغاربة بغض النظر عن قناعاتهم وانتماءاتهم.

عن : https://2m.ma/news/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A-%D8%B4%D8%A3%D9%86-%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A-20220127

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد