الابتزاز التركي

سنحاول في هذه المقالة تتبع تكتيك الرئيس التركي اردوكان في الابتزاز المالي والسياسي لخصومه من خلال المعطيات الظاهرة و المتوفرة، كما سنتطرق الى تاثير هذا الابتزاز من خلال الحملة الديماغوحية لاتباعه في وطننا المغربي.

_ في بداية الظهور الفعلي لداعش في سوريا قام هذا التنظيم الارهابي باكبر عملية حين قام باحتجاز القنصل التركي مع48 تركيا بالقنصلية التركية بالموصل سنة 2014 , وتفاوضت تركيا مع تنظيم داعش لاطلاق سراحهم( دام الاحتجاز 3 اشهر)، و تلت عملية اطلاق سراحهم فتح تركيا اراضيها لتدفق الالاف من مقاتلي داعش عبر مطاراتها، و فتح معابرها للدعم العسكري عبر ادخال السلاح الى سوريا وهو ما فضحته احدى الصحف التركية وهي جريدة ” جمهوريت” سنة2014 حين كشفت خبر الشاحنة المحملة بالسلاح تحت غطاء انها ادوية قامت المخابرات التركية بادخالها الى سوريا، مما ادى الى اقالة ضابط الجمارك الذي كشف عن السلاح والنائب العام الذي امر بالتحقيق كما تمت احالة رئيس هذه الجريدة التي كشفت الخبر وبعض صحفييها الى المحاكمة. وموازاة مع هذا الدعم كانت تركيا تشتري النفط السوري من داعش عبر مئات الحافلات التي رصدتها الاقمار الصناعية الروسية التي فضحت الامر بعد الازمة التي نشبت بينهما اثر اسقاط تركيا للطائرة الروسية.
_ لابتزاز اوروبا فتحت تركيا اراضيها لموجات الهجرة من السوريين وغيرهم ليتم التفاوض بينها وبين المانيا كممثلة عن الاتحاد الاوروبي، وكان الثمن هو اكثر من 3 ملايير دولار لوقف هذه الهجرة وتضخ في البنك المركزي التركي تحت غطاء مساعدتها على تحمل اعباء المهاجرين لديها.بعد الانقلاب:
و امام الانتقادات الاوروبية والامريكية والمنظمات الحقوقية بما فيها منظمة العفو الدولية لحملات الاعتقالات وفصل اكثر من 140 الف موظف تركي قامت تركيا بالابتزازات التالية:
_ اعتقال مدير منظمة العفو الدولية تانر كليتش بتركيا بدعوى مساندة الانقلاب( استنكر حملات فصل الموظفين وقمع المعارضين), ولم تطلق سراحه الا في هذا الاسبوع بعد عام من الاعتقال، القصد منه تحسين سجلها الحقوقي نتيجة ما تعانيها حاليا من اتهامات حقوقية من المنظمات الدولية ومن بينها الامريكية.
– اعتقال الصحفي الالماني دينيل يوجيل الذي افرجت عنه بعد الصفقة التي ابرمها مع المانيا مقابل تكبيع العلاقات الاقتصادية مع الاتحاد الاوروبي.
_ اعتقال جنديين يونانيين مقابل ان تسلمها اليونان بعض الضباط الذين فروا اليها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة, و لم يتم اطلاق سراحهم الا بعد تأزم العلاقة الان بينها و بين امريكا و لتحسين علاقتها مع اليونان التي رفضت تسليمها الضباط الذين طلبوا اللجوء السياسي لديها.
_ اعتقال القس الامريكي برونيون الذي يعيش في تركيا منذ 10 سنوات لمبادلته برجل الدين التركي فتح الله كولن، فهمت الولايات المتحدة اللعبة و تكتيك الابتزاز و ردت بقرصة خفيفة ، و استغلت امريكا الحادث ذريعة و وسيلة لابتزاز اكبر من الابتزاز التركي ليشمل سياسة تركيا في المنطقة و علاقتها بروسيا و ايران، و في النهاية سترضخ تركيا اجلا ان عاجلا امام حليفها الاكبر رغم تصريحات زعمائها البالونية التي تشبه تصريحات زعماء ايران، و هي غالبا بالونات هوائية و مسكنات كلامية موجهة لشعوبهم لكن الكواليس تقول عكس ذلك .
الخلاصة:
احتجاز المدنيين لابتزاز دولهم يمكن ان يقبل من المنظمات المتطرفة والارهابية لأنها لا تعترف بالقانون الدولي ولا تعتمد على الاخلاق والاعراف الدولية، لكن ان تعتمدها بعض الدول مثل تركيا فهذا ما يسيء اليها.
” قرصة الاذن”الامريكية لتركيا بينت هشاشة الليرة التركية، فالاجراءات التي اتخذتها امريكا ضد تركيا هي اقل واخف من تلك اتخذتها مع كندا والصين وغيرهما، لكن الاقتصاد التركي تاثر بها اكثر من غيره ، والسؤال هو : كيف سيكون الامر لو انتقلت امريكا الى العقوبات ؟ مع انها لن تشدد هذه العقوبات مخافة انهيار اقتصاد تركيا التي هي حليفتها في المنطقة بعد اسرائيل و التي تقيم معها تركيا علاقات اقتصادية جيدة .
لكن الغريب ( و ما هو بغريب اذا ما قارناه بما قام به القوميون المغاربة بتفضيل الشرق على بلدهم) في الامر بالنسبة لنا نحن المغاربة هي هذه الدعوات التي تروجها الكتائب الالكترونية للاسلاميين في اطار الحملة التي يقودها الاخوان المسلمون بتحويل هذا الاختلاف الامريكي التركي المؤقت باظهاره صراعا بين الاسلام و”الصليبية” الامريكية، بل و بلغت الوقاحة ببعضهم في بلدنا الى دعوة المغاربة لشراء المنتجات التركية بدلا من المغربية دعما لتركيا و ضربا للاقتصاد الوطني، و هو نفس الخطأ الايديولوحي الذي وقع فيه القوميون المغاربة سابقا حين ربطوا وطنيتهم بالشرق و جعلوها ادنى مرتبة لتأتي في المرتبة الثانية بعد ايديولوجيتهم القومية مما نتج عنه ضعف الحس الوطني لدى الكثير امام قوة الحس القومي الزائد عن اللزوم.
نفس الايديولوجيا هي ما يحاول الاسلاميون ترويجها بالمغرب الان و لكن بحس اسلامي تركي، فبدلا من القومية الشرقية كما روح لها القوميون جاء الان دور الاسلاموية التركية وبغطاء اخواني.
لكليهما نقول: ارحمونا و ارحموا هذا الوطن من ايديولوجتكما ذات الوجهين.
يقول المثل الامازيغي” أزرو ن تمازيت اس اد ئسكا / ئبنا” و معناه : على الانسان ان يبني بيته بحجارة بلده.
بقلم: ذ. الحسن زهور

ذ. الحسن زهور
ذ.الحسن زهور
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد