وضعية ” الامهات العازبات ” لازلت محط نقاش وجدل كبير في المغرب، بل باتت تشكل مشكلة اجتماعية حقيقية تتصدى لها جمعيات قليلة في البلاد.
فهذه الفئة من النساء الأمهات تعاني في المجتمع المغربي معاناة مضاعفة على أكثر من صعيد، فحالة هؤلاء الامهات يرثى لها و معاناتهن مع الوصم، الرفض والتمييز وحتى التعنيف يزداد يوما بعد يوم.
يقول عبد الرحيم عنبي أستاذ باحث في علم الاجتماع ” الأمهات العازبات لسن بظاهرة ولكنها مؤشر يدل على الانتقال الذي تعرفه الاسرة في المجتمع المغربي”.
وأضاف ” أن الاسرة المغربية عرفت مجموعة من التحولات ومجموعة من الانتقالات، كالخروج من الاسرة الممتدة الكبيرة الى أسر صغيرة. هذه الفئة الاجتماعية التي نسميها الامهات العازبات هي في الحقيقة بنية أسرية جديدة داخل المجتمع المغربي”.
وحمل الأستاذ عنبي الدولة مسؤولية أعباء هذه المسألة، وذلك عبر بلورة سياسات أسرية اجتماعية يمكن من خلالها الوصول الحلول الملائمة لهذا النوع من المشاكل الاجتماعية بحيث تكفل كرامة ومستقبل هؤلاء الأمهات وأطفالهن.
وذكر بأن هذه الفئة الاجتماعية تبين لنا التحول في مفهوم الزواج لدى البعض، بمعنى “بات الارتباط بين الشاب والشابة يتطور لمستوى يشمل الممارسة الجنسية المباشرة وفي إطار من التراضي كأزواج بغض النظر عن ان المجتمع و القانون يجرم هذه العملية “.
واشار إلى أنه أثناء حمل الشابة وخوضها لعملية الانجاب، يبدأ الشاب بالإبتعاد والتملص من مسؤوياته كزوج، وهنا يتضح التناقض الناجم عن عدم النضوج على الصعيدين الإجتماعي والإنساني.
وقال ” كما نعلم أن هناك بعض المفاهيم الجديدة في المجتمع المغربي كالحرية الفردية، الاختيارات الفردية، حقوق الانسان، وحرية الجسد.. ولكن في الوقت نفسه نجد بأن المغاربة مازالوا مرتبطين بالمرجعية التقليدية، وبمفاهيم الدين، وخاصة عندما يتعلق الامر بمسألة الزواج و بناء أسرة” .
واضاف “برأي الشخصي أرى أن الفاعلين في المجتمع المدني يُسهمون بشكل أو بآخر في تأخير عمل الحكومة في مجال بلورة السياسات الإجتماعية.
كما عبر عن قناعية بأهمية الاهتمام بهده الفئة في المجتمع المغربي، بما في ذلك إيجاد الحلول المناسبة لأوضاعهن. وأشار إلى أن انجح الحلول يتجسد في إتباع أسلوب المرافعة عن هذه الفئة من الناس إلى حين قبولهم كفئة أسرية جديدة في المجتمع المغربي تُمارس جميع حقوقها على غرار الحقوق المعطاة للأسرة العادية في المجتمع المغربي”.
من هن “الامهات العازبات”؟
في إطار تعريفها لمفهوم “الامهات العازبات”، تقول رئيسة جمعية “أم البنين” جميلة أيت بلال، بأن الأمهات العازبات هن نساء شابات حملن وأنجبن أطفالهن في إطار علاقات غير شرعية بمفهوم المجتمع المغربي، أي خارج إطار مؤسسة الزواج.
ونوهت إلى أن ظاهرة الامهات العازبات في المغرب انخفضت بشكل كبير في الآونة الأخيرة مقارنة بالمراحل الماضية في المغرب، عازية الأسباب بأنها تعود بشكل كبير للدور الهام الذي لعبه الاعلام في نشر وتحسين الوعي والنهوض بمستوى سلوك المواطن.
كما ألقت السيدة جميلة أيت بلال الضوء، على برامج المشاريع المدرة للدخل المخصصة للمستفيدات من هؤلاء الأمهات، وذلك لضمان إستقلاليتهن المادية. ولفتت بشكل خاص لمشروع “عائشة الشنة” التي كتب له النجاح، معربة علن أملها في خوض مثل هذا المشروع في مناطق جنوب المغرب، ولا سيما وأن وضعية الامهات العازبات في المجتمع السوسي صعبة جدا. هل يمكن اعتبار الام العازبة جاني أم ضحية ؟
بالطبع هي ليست الجاني، ولا يمكنني حتى أن أقول بأنها ضحية. لكنها امرأة وثقت بالرجل و تريد تكوين أسرة.
بالنسبة لأغلب الحالات هن نساء يريدون الزواج بنية حسنة من رجال وثقن فيهم ليكونوا أزوج المستقبل. ولكن هناك نساء يتجهن للدعارة و يخرجن مع العديد من الرجال فيحصل الحمل.
ماهي الاسباب الرئيسية لهذه الظاهرة ؟
هناك أسباب عديدة، ولكل حالة قصة، فهنالك من تعرضت للاغتصاب أو حملن عن طريق التهديد دون رغبة منها، ومن اكتشفت أنها حامل عن طريق علاقة غير شرعية، ومنهن من كانت على عتبة عقد قرانها فوقع الحمل ولم يتم الزواج، وهناك من تم اغرائهن في الوسط العائلي يا اما من ابن عمها أو ابن خالها ولم يفي بوعده، وهناك فئة الخادمات اللواتي كن يعملن مند صغرهن، فتعرضن للاغتصاب. وهنالك أيضا فئة الطالبات الجامعيات اللواتي جئن من وسط قروي للدراسة بالمدينة ليجدن أنفسهن في وسط شبه منفتح، فيدخلن في علاقات غير محسوبة، وهنالك تلك الفئة التي اختارت الدعارة من أجل لقمة عيش.
ما هو مستقبل الامهات العازبات وما مستقبل أطفالهن؟
نحن بصدد استقبال فكرة الامهات العازبات، يا اما بسبب ارتكاب خطأ من طرف الفتاة التي ليس لديها مستوى تعليمي، او أنها أتت من وسط اجتماعي بسيط فأغلبيتهن يأتون من البادية، وتكمن المشكلة في أن هناك نساء يردن أن يصبحن أمهات عازبات على غرار مفاهيم المجتمعات الغربي، فنحن في المغرب نخشى من إنتشار هذه الظاهرة في مجتمعاتنا كدولة اسلامية، بل ونعتبرها ناقوس خطر لأنها ظاهرة دخيلة على مجتمعنا الاسلامي رغم أن بعض الأوساط الاجتماعية باتت تتقبل ظهورها بصدر رحب. فظاهرة الام العازبة مازالت تحتاج للانفتاح خصوصا في المجتمع السوسي الصعب و المحافظ .
أما بالنسبة لوضعية أطفال تلك الأمهات، فعادة ما تكون محاطة بمعاناة قاسية، وخاصة في حال لم يتم الاعتراف بهم من قبل الاباء، مما يضع أمهاتهم العازبات في ظروف قاسية ومعقد، تتحملن خلالها أعباء الحضانة والعمل معا، وهو ما يؤدي في العديد من الحالات الى إهمال الأطفال وانحرافهم في نهاية المطاف.
ومن هنا فنحن نرى بأن مشرع “عائشة الشنا ” ناجح جدا، بحيث يتم توفير حضانة للطفل، كما يتم توفير فرص عمل كريمة للأم العازبة، خصوصا وأن أغلب هؤلاء الأمهات يضطرن للعمل كخادمات في المنازل، ويتم استغلالهن من طرف ربات البيوت ويتعرضن للضرب و للإهانة، فيضطر بعضهن للعمل في تنظيف المقاهي.
كيف تواجه الام العازبة غضب ورفض المجتمع لها؟
تعاني الام العازبة معاناة قاسية، ولا سيما من ممارسات التمييز ونظرة المجتمع الدنيوية لها، وأعطي مثال على ذلك أسلوب تعامل المستشفيات معهن، ولقد شهدت إحدى احدى الحالات التي كادت أن تفارق الحياة بسبب اهمال المستشفى لها، مما إضطرنا للإتصال بإحدى العيادات التي استقبلت الام في حالة حرجة وخطيرة وتم اجراء عملية جراحية لها لإنقاذها.
في رأيك كيف يمكن مصالحة الام العازبة مع أهلها؟
من بين البرامج التي تدخل في خطة الحلول هي المصالحة، فنحن عادة نبدأ بمحاولات إجراء الصلح بين الام وأب الطفل كخطوة أولى، ونسعى دائما إلى جمع الطفل بوالديه، وللأسف أغلب جهونا تلك تبوء بالفشل لان أغلبية الاباء لا يعترفن بأبنائهن.
ثم نلجا للخطوة الثانية وهي تحقيق المصالحة ما بين الأم وعائلتها، ونظرا لصعوبة تقبل الأسرة لصدمة خبر حمل ابنتها خارج اطار الزواج، فنحن عادة ما نتجنب مرافقة الفتاة عند زيارتنا في المرحلة الأولى لعائلتها من أجل إقناعهم لعودة علاقتهم الطبيعية مع إبنتهم.
كيف تساعدون الام العازبة؟ أو ما هي أهداف جمعية “أم البنين”؟
أولا يتم استقبال الام والاستماع لقصتها للتعرف على ظروفها ومسببات المشكلة.. هل هو اغتصاب أو عن تراضي؟ ثم التعرف على علاقاتها مع العائلة و مع أب الطفل، ونحاول في تلك الفترة التعرف على كل هذه التفاصيل من دون الضغط على الأم. الهدف الاول للجمعية يكمن في جمع الطفل بالأم، وثم توفير الحماية للأم وطفلها، والدفاع عن الحقوق المدنية للطفل كالتسجيل وإصدار شهادة الميلاد، كما نهدف لتحقيق مصالحة الام مع العائلة، ومحاولة إعادة ربط العلاقة مع أب الطفل. هذا بالإضافة الى القيام بمهمة نشر التوعية حول هذه الظاهرة والمشاكل الناتجة عنها كالحمل خارج اطار الزواج خصوصا في المجتمعات المسلمة.
ماهي الحلول في نظركم للحد من هذه الظاهرة ؟
باعتقادنا إن التوعية عبر وسائط الإعلام تعد من العوامل المهمة التي يجب الإعتماد عليها من أجل الوقاية أو تحقيق المعالحة لهذه الظاهرة، كما نرى بـأن هناك ضرورة لإدماج التربية الجنسية في مقررات المناهج الدراسية بدأ بمراحل التعليم الابتدائي، لتطوير فهم الأطفال وتنبيههم للمشاكل التي قد تترتب عن العلاقات الجنسية في الإطار غير الشرعي.
وللأسف الشديد، مازالت مجتمعاتنا تنظر لموضوع التربية الجنسية بالأمر “العيب” ومن المحرمات التحدث فيه، ولهذا علينا إعادة التفكير بهذا المفهوم التقليدي والإنتقال إلى مرحلة الإنفتاح وتدريس التربية الجنسية للطفل لتوسع مداركه ومستوى إستيعابة وحمايته لاحقا من الوقوع بالأخطاء غير المحسوبة.
التعليقات مغلقة.