الأمازيغ والانتخابات: التكتيك الماركسي
أزول بريس – عبد الله الفرياضي //
معلوم أن نشطاء الحركة الأمازيغية في الجزائر وليبيا والنيجر ومالي وتشاد قد اعتادوا على المشاركة في مختلف المحطات الانتخابية. وفي المقابل، دأبت غالبية تنظيمات نظرائهم المغاربة على الدعوة إلى مقاطعة مختلف الاستحقاقات الانتخابية المتتالية، بما فيها الانتخابات المقبلة.
واعتبارا لكون التاريخ المقرر لهذه الانتخابات يتصادف مع الذكرى الرابعة بعد المائة للثورة البلشفية، ارتأينا أن نخصص هذه الورقة لمناقشة موضوع مشاركة أمازيغ المغرب في الانتخابات على ضوء الإرث السياسي الماركسي.
الماركسيون .. المشاركة تكتيكا
في الواقع لم ينظر أعلام المدرسة الماركسية إلى الانتخابات نظرة موحدة، غير أن القاسم المشترك بين أغلبهم هو عدم تحرجهم من المشاركة في الانتخابات البرجوازية، بل الغشادة بها كتكتيك تتحقق بفضله جملة من النتائج والمكتسبات في أفق إنضاج الفعل الثوري.
حيث أكد ماركس في “خطاب اللجنة المركزية” أن “التقدم الذي سيحرزه الحزب البروليتاري بتقديم مرشحين مستقلين للانتخابات، أهم من إمكانية ظهور بعض الرجعيين في الهيئة التمثيلية”. رؤية تقاسمها معه إنجلز الذي أشاد، في مقدمة “الصراع الطبقي في فرنسا” بالمكاسب الإيجابية التي حققها الحزب الاشتراكي الديمقراطي بفضل مشاركته في انتخابات البرلمان الألماني (الرايخستاج).
من جهته أكد لينين، مؤسس الاتحاد السوفياتي، في كتابه عن الشيوعية اليسارية أن“الاشتراك في الانتخابات البرلمانية وفي النضال من على منبر البرلمان أمر لا بد منه لحزب البروليتاريا الثورية”. أما تروتسكي، زعيم الجيش الأحمر السوفياتي، فرغم إقراره بأن الشيوعية ترفض البرلمانية البرجوازية كشكل لمجتمع المستقبل، إلا أنه شدد على ضرورة “استخدام الأجهزة البرجوازية بهدف تدميرها”. وهو نفس الطرح الذي سارت عليه روزا لوكسومبورغ أيضا.
لينين وتروتسكي في مواجهة المقاطعة
إذا تقرر، كما أسلفنا، أن رواد الماركسية التاريخيين يكادون يجمعون على حتمية المشاركة التكتيكية لحزب البروليتاريا في الانتخابات التي تجريها السلطة البرجوازية رغم علاقة التناقض والصراع الطبقي التي تجمع بينهما، فإن النتيجة المنطقية لهذه المقدمة تقودنا إلى الإقرار أيضا بانتصاب الماركسيين على طرف النقيض من دعاة المقاطعة.
يتجلى رفض هؤلاء الرواد لفكرة مقاطعة الانتخابات في تخصيص فلاديمير لينين مصنفا كاملا حول الموضوع تحت عنوان “ضد المقاطعة”. بل يعترف قائلا “ليس علينا أن نرفض المشاركة في الدوما الثانية عندما تنعقد، ليس علينا أن نرفض الاستفادة من هذه المساحة .. إن علينا أن نخضع تماماً شكل النضال في الدوما لشكل آخر من النضال مثل الإضرابات والانتفاضات”.
فالمقاطعة بالنسبة إلى لينين يجب أن تكون مقاطعة نشيطة وليست سلبية، أي أن تكون بكل بساطة مقرونة بالثورة المسلحة. يقول لينين إن المقاطعة “وسيلة من وسائل النضال التي تهدف مباشرة إلى الإطاحة بالنظام القديم”. وهو ما عبر عنه تروتسكي بوضح حين قال “لا يمكن لحزب ثوري أن يدير ظهره للبرلمان إلا إذا كان قد حدد لنفسه مهمة إسقاط النظام القائم فورا”.
الأمازيغ والمقاطعة: على سبيل التبرير
من بين المبررات التي يسوقها دعاة “المقاطعة السلبية” للانتخابات من نشطاء الحركة الأمازيغية: “لا ديمقراطية النظام ولا شفافية الانتخابات”. غير أن هذا المبرر قد يكون سببا مقبولا لو كانت الغاية من المشاركة هي التغيير الجذري لنظام الحكم. أما والحال أن الحركة لا تضع ضمن أولوياتها هذا الهاجس – مرحليا على الأقل – فإن التعلل بهذا المبرر يظل دون معنى.
نعتقد أن ركون نشطاء الحركة إلى خيار المقاطعة يعود في قسط منه إلى الانطباع النفسي الذي ولدته كارثية المنجز السياسي والاقتصادي والاجتماعي للأحزاب المشاركة في الانتخابات. بمعنى أن خيار المقاطعة لا يعدو أن يكون نفورا سيكولوجيا منهم من طبيعة الممارسة السياسية المغربية برمتها. غير أن ما يجب لفت انتباههم إليه في هذه النقطة بالذات هو أن المواقف السياسية الحقيقية لا يتم بناؤها تبعا لانطباعات أو ردود فعل نفسية.
من جانب آخر يحاجج دعاة المقاطعة بعدم قدرة الحركة على الاستفادة من الانتخابات وضعف ارتباطها بالجماهير الشعبية، معللين قرارهم بأن أية مشاركة من طرفهم في هذه الانتخابات ستفضي حتما إلى تذويبهم التدريجي في البنيات المخزنية.
صحيح أن الحركة الأمازيغية قد فشلت مثلا في توجيه واستثمار حراك الريف وحراك أكال بسوس وقبلهما حراك إميضر. غير أنه يتعين علينا في هذا الصدد التذكير بحصول هذا الفشل في وضعية المقاطعة وليس في وضعية المشاركة. مما يتوجب معه التساؤل حول إمكانية تعميق البعد الجماهيري للحركة عبر استبدال المقاطعة بالمشاركة. فما الذي ستستفيده الحركة من المشاركة إذن؟
نتائج المشاركة: الممكن من المستحيل
لقد تبين لنا فيما سلف أن قرار المقاطعة السلبية للانتخابات الذي ارتضته الحركة الأمازيغية لنفسها منذ عقود قد أفضى، على العكس مما تمنته، إلى إلى انعزال نخبها وانقطاعها عن الجماهير الشعبية.
إن المشاركة في الانتخابات والحصول على التمثيليات في المجالس لا يجب النظر إليهما وكأنهما الهدف الأسمى للحركة، بل يجب اعتبارها مجرد لحظة من لحظات المعركة التي تخوضها من أجل تطوير وعي المجتمع والتأثير في السياسات العمومية في أفق نضوج الشروط الذاتية والموضوعية لتحقيق برنامجها (الذي ما يزال مجرد شذرات).
إن المشاركة في العملية الانتخابية توفر للحركة إمكانات لم تتح لها إلى حدود الآن مثل:
– الحملة الانتخابية: لحظة أساسية لتعميق التواصل المباشر مع الجماهير الشعبية.
– وسائل الإعلام العمومية: تسهل المشاركة في الانتخابات إمكانية الولوج إلى وسائل الإعلام واتخاذها منصات لتعبئة الجماهير والدعاية لتصورات الحركة.
– البرلمان: يعتبر منصة مهمة لنشر أفكار الحركة والترافع على مطالبها، عبر الإمكانيات التي تتيحها صلاحياته التشريعية (الضغط من أجل سن قوانين لصالح القضية) والرقابية (ممارسة الرقابة على عمل الحكومة من خلال: الأسئلة الكتابية والشفوية واللجان الدائمة ولجان تقصي الحقائق والإحاطات..)
– الجماعات الترابية: حيث يمكن للحركة عبر المشاركة في الانتخابات تسيير المجالس (المحلية والإقليمية والجهوية) أو المشاركة في تسييرها، مما يخولها تواصلا مباشرا بجماهير المواطنين قصد تعبئتها وتوعيتها.
– التمرس السياسي: من بين المكتسبات التي ستحققها الحركة بفضل المشاركة في الانتخابات يبدو أن تمرين قياداتها وتمهيرها سياسيا وتدبيريا يعتبر مكسبا مهما.
على سبيل الختم
ليس مطلوبا من نشطاء الحركة، في حال انتخابهم وهم قلة غير مؤثرة في المؤسسات، تحقيق البرامج التي تعاقدوا عليها مع الجماهير الناخبة، بل الذي يتوجب عليهم هو النضال من أجل تحقيق الحد الأدنى من المكاسب وفق رؤية تراكمية، ولكن أيضا النضال ضد الأوهام والآمال التي تعلقها الجماهير على هذه المؤسسات. غير أن السؤال الذي يظل معلقا إلى حين هو: بأية آلية ستتم المشاركة؟ هل بأحزاب النظام السياسي القائم؟ أم عبر تشكيل آلية حزبية خاصة؟
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.