الألعاب الشعبية في المغرب: تراث ثقافي مهددة بالتكنولوجيا الحديثة

لا شك أن الألعاب الشعبية في المغرب تتمتع بتاريخ طويل وغني يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي في المملكة وتمثل جزءا مهما من التراث الثقافي المغربي، ولكن يبدو أنها بدأت تتلاشى مع انتشار التكنولوجيا وأجهزة الألعاب الحديثة.

ولطالما ساهمت هذه الألعاب المبتكرة من أدوات بسيطة ومتواضعة في تنمية قدرات الإنسان الذهنية، فضلا دورها الترفيهي الكبير، وما زال الكثير منها يُمارس حتى اليوم باعتبارها جزءا من الهوية الثقافية للمغاربة.

ويقول أحمد السكونتي، الأستاذ بالمعهد الوطني للآثار وعلوم التراث في العاصمة الرباط والمتخصص في مجالات الأنثروبولوجيا الاجتماعية والتراث الثقافي، إن الأنشطة المرحة تحتل مكانا مهما في حياة المجتمع، حيث تساهم الألعاب في التنشئة الاجتماعية للأطفال وتنمية المهارات البدنية والعقلية للأفراد ولها وظائف ترفيهية عديدة.

لكنه أضاف أن هذه الألعاب التي يتقاسمها الصغار والكبار “فقدت أهميتها اليوم وتعرضت للإهمال، حتى أن بعضها اختفى وحلت محلها بعض الألعاب الحديثة”.

ومن هذه الألعاب الشعبية، ذكر السكونتي في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) لعبة “شيرا”، وهي نوع من الألعاب الرياضية التي تشبه كثيرا رياضة الهوكي، حيث يلعبها فريقان باستخدام عصي وكرة مصنوعة من كتلة قماش محاكة بشكل عشوائي.

كذلك لعبة “تاكلا” التي تجلس فيها الفتيات ويتناوبن في رمي الحجر في الهواء وجمع أكبر عدد ممكن من الحجارة من كومة على الأرض، مع التأكد من الإمساك بالحجر الذي يطير بعيدا قبل أن يسقط.

كما تعتبر لعبة “الدومينو” من الألعاب الجماعية الشائعة بين المغاربة، ويتم ممارستها بشكل واسع في المقاهي والتجمعات العائلية، وأيضا لعبة “الطائرة الهوائية” التي تمارس بشكل خاص في المناطق الساحلية، حيث يصنع الأطفال طائرات ورقية بأشكال وألوان مختلفة ويطيرونها في الهواء.

ومن بين الألعاب الخاصة بالأطفال، تحدث السكونتي عن لعبة “الغمّيضة” الشهيرة جدا في المغرب والشائعة في جميع أنحاء البلاد بقراها ومناطقها الحضرية، وأيضا لعبة “تيغيلت” الشبيهة بالمصارعة اليونانية الرومانية، حيث يتصارع فيها شابان ويحاول أحدهما الإمساك بالثاني وطرحه على الأرض.

ومن المصارعة إلى المنافسة، تحدث السكونتي عن لعبة “السيك” التي تشتهر بها المناطق الصحراوية بالمغرب وتلعبها النساء خصوصا، وهي لعبة تشبه الشطرنج قليلا وتمارس باستخدام عصي صغيرة ومربعات مرسومة على الأرض، وتتطلب اللعبة استراتيجيات وتخطيط للفوز.

ألعاب عربية وأمازيغية:

يقول السكونتي إن من الألعاب الشعبية الخاصة بالفتيات أيضا لعبة “السيس” أو “إيبّا” التي تختلف تسميتها حسب المنطقة، وهي من الألعاب التقليدية التي تعتمد على القفز على مربع مرسوم على الأرض باستخدام قطعة حجرية.

وتشتهر المناطق الصحراوية أيضا، بحسب الأستاذ بالمعهد الوطني للآثار وعلوم التراث، بلعبة “آراه” التي يمارسها الشباب، حيث يقف أحدهم وسط دائرة ويحيط به بقية الشباب ويحاول لمسهم، ومن أصيب منهم يحل محله في وسط الدائرة.

وتابع “لابد من ذكر لعبة ‘الداما‘ كذلك، وهي عبارة عن لوح خشبي مشكل عليه رسم هندسي يستوعب بعض المجسمات الصغيرة، ويعتمد اللعب فيه على إبراز المهارات الذهنية أساسا وليس البدنية”.

كذلك هناك لعبة “تيبنيناي” التي يقوم فيها كل فريق من فريقي اللعبة بنصب أربعة أو ستة أحجار ارتفاع كل منها نحو 20 سنتيمترا بجانب بعضها البعض، ثم يتناوب اللاعبون في إطلاق الحجارة لإسقاط أهداف الخصم، وعندما ينجح أحد الفريقين في إصابة جميع أهداف الفريق الآخر يحمل كل عضو من الفريق المهزوم أحد أعضاء الفريق الفائز على ظهره ويتحرك ذهابا وإيابا بين صفي الأهداف.

وأوضح السكونتي قائلا “الألعاب الشعبية المغربية تحمل رمزية ثقافية واجتماعية عميقة تعكس جوانب متعددة من الحياة المغربية وتقاليدها، وهذه الألعاب ليست مجرد وسائل للتسلية، بل هي أيضا أدوات للتعليم والتواصل الاجتماعي والتراث الثقافي”.

ولفت إلى أن هذه الألعاب تحمل في طياتها عناصر تعليمية تُساعد الأطفال وحتى الكبار على تطوير مهاراتهم الحركية والفكرية، وضرب مثلا بألعاب مثل “السيك” التي قال إنها تعلم التخطيط الاستراتيجي، بينما تساهم ألعاب مثل “تيغيلت” في تطوير المهارات الحركية الدقيقة.

رياضات شعبية مشتركة:

حول ما إذا كانت هناك رياضات شعبية مشتركة بين العالم العربي والمغرب، قالت نجيمة طاي طاي وزيرة الدولة السابقة لدى وزارة التربية الوطنية في المغرب والأكاديمية بجامعة ابن زهر في أغادير إن تاريخ الألعاب الشعبية الرياضية في العالم العربي غني ومتنوع.

وأضافت طاي طاي المتخصصة في التراث الشعبي الشفوي “يمتلك العرب تراثا رياضيا قديما يعود إلى العديد من الحضارات القديمة مثل الحضارة العربية الإسلامية وحضارة المماليك والعباسيين والأمويين”.

ومن الألعاب الشعبية الرياضية التي كانت تمارس في العالم العربي عبر العصور، ذكرت طاي طاي رياضات الفروسية والرماية والفنون القتالية التقليدية مثل الفنون القتالية العربية والشرق آسيوية وغيرها، بما في ذلك لعبة المبارزة بالسيوف والمصارعة التقليدية ولعبة الطائرات ولعبة القفز بالحبال.

وأكدت طاي طاي في حوار مع وكالة أنباء العالم العربي أن هناك العديد من الرياضات الشعبية القديمة المشتركة بين العرب والشعوب القديمة التي كانت تسكن المغرب، وقالت إن بعض هذه الرياضات يركز على المهارة والقوة البدنية بينما ترتبط أخرى بالثقافة والتقاليد.

وتحدثت عن رياضة الفروسية التي قالت عنها إنها كانت لها مكانة خاصة في ثقافة العرب والمغاربة، ولا تزال الفروسية تُعتبر رياضة شعبية في المغرب وفي بعض البلدان العربية حتى اليوم.

وأوضحت أن الشيء نفسه ينطبق على رياضة السباحة والغوص، التي كانت تحظى بأهمية كبيرة في المجتمعات الساحلية والبحرية حيث كانت تمارس للصيد والتنقل والتجارة، كذلك كانت المصارعة تمارس في بعض المناطق العربية وعند سكان المغرب الأولين كوسيلة للترفيه وتعزيز القوة البدنية.

وفي التراث الشعبي المغربي، كشفت طاي طاي عن بعض الألعاب الشعبية القديمة التي كان تمارس للترفيه والتواصل الاجتماعي، ومنها على الخصوص لعبة “الدواوين”، وهي لعبة شعبية تقليدية تمارس في المناسبات الاحتفالية والاجتماعية وتتضمن تشكيل دوائر من الناس يتناوبون على الغناء والرقص.

أيضا لعبة “القليعة” التي كانت تمارس في الشوارع والأحياء، وتتضمن رمي الكرات الصغيرة على هدف معين باستخدام القدمين وتُعتبر مسابقة ترفيهية تجمع بين الحركة والمهارة، وهناك لعبة أخرى شبيهة لها في التقنيات وتسمى لعبة “المرازيق”.

وواصلت طاي طاي الحديث عن ألعاب أخرى مثل “تاموزا” الأمازيغية، حيث يتنافس اللاعبون على إسقاط ألواح خشبية على الأرض باستخدام قطع من الخشب، كما أشارت إلى الفنون القتالية الشعبية مثل ألعاب “السيف النوبي” و”السيف الأندلسي” و”الشنا”، والتي تعتبر جزءا من تراث الرياضات الشعبية في جبال الأطلس المغربية.

وعزت خبيرة التراث نشأة الألعاب الشعبية الرياضية إلى احتياجات مجتمع معين أو نشاطات يومية، حيث تطورت مع مرور الزمن لتصبح جزءا من التراث الثقافي والترفيهي لتلك المجتمعات، وقد يكون الهدف من هذه الألعاب هو الترفيه والتنافس والتمرين أو حتى الاحتفال بمناسبات معينة.

واختتمت حديثها بالقول “يمكن أن تكون لعبة السهام قد نشأت كوسيلة للصيد أو للدفاع عن النفس، ومع مرور الوقت تطورت لتصبح رياضة تنافسية، كذلك لعبة الفروسية ربما نشأت كجزء من تدريب الفرسان للمعارك ثم تطورت لتصبح رياضة ترفيهية، وبالتالي يتم توارث هذه الألعاب عبر الأجيال وتتطور بمشاركة المجتمع وتأثير العوامل الثقافية والاجتماعية المحيطة بها”.

(عن وكالة أنباء العالم العربي)


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات في بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading