إن الإهتمام التنظيري بالأسرة مسألة قديمة-جديدة قدم الفكر الميتوسي(الأسطوري) والفكر الاجتماعي عموما، فالدراسات حول الأسرة إنتقلت من التفكير الفلسفي التأملي، التجريدي مع أفلاطون وأرسطو… إلى التحليل العلمي السوسيولوجي مع دوركايم ، كوفمان، لوبلاي.
وبهذا فيجمع كافة العلماء والباحثين على أن الأسرة هي أقدم المؤسسات الإنسانية وأكثرها شيوعا ومقاومة. وكما نعرف أن الأسرة مرت بأربعة مراحل أساسية ( مرحلة الفكر الخرافي والتأمل الفسلفي من بداية البشرية إلى 1850، تم المرحلة التانية من 1850 إلى 1900 تميزت بسيطرة النظرية الداروينية، والمرحلة التالتة تميزت بسيطرة البحت العلمي من 1900 إلى 1950 , وأخيرا المرحلة الرابعة من 1950 إلي الان ).
ومن خلال هذه المقدمة الكبري حول الأسرة بصفة عامة سأنتقل إلى الأسرة المغربية التي ستكون موضوع مقالي بالتحديد ، والتي سأركز عليها وكيف أن بالرغم من التحولات والظروف التي عرفها المغرب خصوصا فترة الإستعمار ظلت الأسرة مقاومة في حين هناك مؤسسات سياسية كبري قد فشلت في الوقوف ضد هذه التغيرات. ومن هذا المنطلق سأطرح بعض التساؤلات الآتية:
هل الأسرة المغربية تغيرت ما بين الأمس واليوم؟.. أم انها استطاعت ان تحافظ على قيمها ومعانيها؟ هل إستطاعت الأسرة المغربية أن تحافظ على تماسكها ووحدتها ام ان متطلبات اليوم أفقدتها بعضا من قدسيتها؟ هل الأسرة المغربية قوية ومتينة بما يكفي لمجابهة ما يفرضه اليوم أم أنها تنازلت عن صمودها وثباتها وتغيرت؟
إن الأسرة في فاس جسدت نمودج الأسرة المقاومة للظروف الاقتصادية والتاريخية التي عاشها المغرب إبان فترة الإستعمار، فالديناميات الخارجية كالإعلام والعولمة والإستعمار كلها تساهم من أجل التغيير ولكن هناك ديناميات داخلية تقاوم هذا التحول وتؤسس للإستمرارية، وهده الاستمرارية تجعل الأجيال الشابة تقبل التغيير بينما الأجيال المسنة تجد صعوبة في تقبله وبالتالي صراع الأجيال.
ومن جهة أخري نجد أم بعض المؤسسات السياسية الكبري كالقبيلة والجماعة قد إنهارت في وقت نجحت فيه المؤسسة الأسرية في الحفاظ على جزء مهم منها،فالأسرة تقوم بمجموعة من الوظائف الإنتاجية فعلي سبيل المثال في قريتي سفكومت المتواجدة في إقليم ورزازات وبالضبط في جماعة إزناكن، فالأسرة تقوم بإنتاج الخضر، الزرابي ، تربية الماشية، بمعنى أسرة منتجة وهناك تقسيم دقيق للعمل بين الجنسين فالرجل يقوم بأعمال الحقل والرعي والمرأة بأعمال المنزل كتربية الأطفال، الطبخ)، كما أن هناك تضامن بين أفراد الأسرة فالإبن يساعد الاب في الحقل والبنت تساعد الأم في المنزل، يعني أن كل فرد يقوم بدوره في الأسرة بغية الحفاظ علي إستقرار الأسرة والدفاع عن الحياة، كل هذه الوظائف تعطي لها المقاومة،وما يعطي أيضا المقاومة للأسرة حسب فاطمة المرنسي هي وظائف الإنتاج هذه الأخيرة عندما تكون عند الأسرة متعددة ومتنوعة كلما قاومت الأسرة التغير وتقول أن إنتاج الخبز بطريقة تقليدية يجنب الأسرة منطق الاستهلاك.
ولكن هذا لن يمنعنا من القول أن الأسرة عرفت بعض التحولات علي مجموعة من المستويات، ففي زمننا هذا لا توجد أي أسرة لا تمتلك وسائل الإتصال كالهاتف، التلفاز وهذا يوحي إلى وجود نوع من التغير في الأسرة التقليدية.
كما أن التمدن يساهم في تغير واختفاء الأسرة فمثلا السوق الاسبوعي يجعل القرية تابعة علي الدوام للمدينة والفيلاج،بالإضافة إلى تدخل الدولة عن طريق التنشئة الاجتماعية(الإبن لم يعد ابن الأب بل أصبح ابن الدولة)، بالإضافة إلى ان العديد من الأسر حاليا أصبحت تعيلها النساء،وأيضا توسع المدن ساهم في التغيير الإجتماعي.
هده التغيرات جائت نتيجة التحولات التى عرفها المجتمع المغربي ككل وبالتالي فإنه لأمر طبيعي أن يحدث تغير في الأسرة لأنها بنت المجتمع.
وأنا أبحث عن الأسباب و العوامل الأكثر إقناعا لتغير الأسرة صادفت كتابا بعنوان غريب (الحب السائل) لعالم الإجتماع البولندي زيجمونت باومان الذي رصد فيه بالتحليل مدى هشاشة الروابط الإنسانية في وقتنا الحاضر و كيف دُمرت العلاقات الوجدانية العفوية، حيث أصبحت العواطف كأي سلعة استهلاكية تخضع لحسابات المجتمع الاستهلاكي الحديث المبني على مبدأ الفائدة والخيارات النفعية القصيرة الأجل والمجتمع أصبح يقوم بتوليد الحاجات بشكل مستمر ويدفع الإنسان إلى التخلي عن كل شئ قديم بما في ذلك المشاعر و العلاقات بل و حثى الأجساد.
ففي يوم مررت قرب إحدى محاكم قضاء الأسرة المغربية تفاجئت بالعدد المهول لملفات الطلاق و التطليق المكومة أمام هيئة الحكم و بالجماهير الغفيرة من الراغبين في الانفصال مرفوقين بذويهم، وجوه متجهمة بعد أن كانت قبل زمن ليس بالبعيد مشرقة يملأها الفرح و السعادة والحبور بالاقتران،ويزداد المشهد بؤسا بوجود أطفال يصرخون فزعين و مصدومين من هول المشهد الذي يشبه يوم الحشر.
انطلاقا من التحولات والظروف التي عرفها المجتمع المغربي عبر تاريخ طويل قدمت الأسرة صورا من القوة والصلابة والتعاون. وبما أن بعض الوحدات الكبري السياسية كالقبيلة قد غابت أمام هذه التحولات، فإن المؤسسة الأسرية نجحت في الإستمرارية النسبية إرتباطا بقوة المقاومة لديها.
ولكن هذا لن يعفينا من القول أن هذه الأسرة تعيش أزمات وصراعات على مستوى العقيدة والإستهلاك، وتغير وتنوع أساليب العيش. بالإضافة إلى أن الأسرة تحولت من وحدة الإنتاج الى وحدة الإستهلاك، بمعنى أن الأسرة أصبحت خلية إقتصادية وليس إجتماعية، إلي درجة أن المسير والمتحكم داخل الأسرة ليس الجد والأب كم هو الحال في الأسرة التقليدية.بل أصبح صاحب الرأسمال المادي هو المسيطر وهو المتحكم في الأسرة(قد يكون البنت أوالإبن). وهذا ما يمهد بشكل آخر من الأسرة وهي الأسرة العابرة للحدود.
مرتبط
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.