لقد كان الأستاذ محمد منيب طوال حياته صادقا في عمله، صبورا، كريما ومحبا لمدينته ولغته وجهته ووطنه في هدوء تام، بعيدا عن الأضواء وهو ما يؤكده رفضه الدائم لأي تكريم من أي جهة كانت لأنه كان يعتبر ما قام به واجبا لا ينتظر وراءه جزاء ولا شكورا. اليوم، وبعد وفاته، سيبقى اسم “محمد منيب” حيا في ذاكرتنا ومن واجب مدينته أن تخلد اسمه ويطلق على منشأة ثقافية تليق بما قدمه لوطنه..
الحسين بويعقوبي
توفي اليوم، الاحد 3 دجنبر 2017، الأستاذ محمد منيب ببيته بأكادير. بوفاته تكون هذه المدينة والحركة الثقافية الأمازيغية والمغرب عموما قد فقدوا ذاكرة لا تنبض وعينا معرفيا قل نظيره ورجلا كريما لا تفارق الحكمة كلامه والابتسامة وجهه.
تعود معرفتي بالأستاذ منيب إلى السنوات الأولى من تسعينيات القرن الماضي، أي قبل 23 سنة، خاصة بعد عودته من المؤتمر التحضيري للكونغريس العالمي الأمازيغي المنعقد بسان روم دودولان بفرنسا سنة 1994 وتقديمه لعرض حول أشغال هذا المؤتمر في ضيافة فرع أكادير لجمعية تاماينوت بدار الشباب الحي الحسني. ومند ذلك اليوم توطدت علاقتي ومعرفتي به وأنا طالب جامعي خاصة وأنه كان يشجع الشباب الجمعوي و الجامعي المهتم بالثقافة الأمازيغية ويعتبره أمل القضية.
ينتمي الأستاذ محمد منيب للجيل المخضرم الذي عاش فترة الحماية الفرنسية بتشعبها وتعقيداتها وسنوات الاستقلال بإكراهاتها واختياراتها (1935-2017) وبذلك يكون خير شاهد على عصر لا زالت خباياه، خاصة المتعلقة بفترة الحماية والسنوات الأولى للاستقلال، مرفوفة في ذاكرة من عاصروا تلك الفترة وتنقل شفويا في كل جلسة عفوية حول كأس شاي، أو أثناء خرجة لمنتزه طبيعي كتاغزوت أو فضاءات إداوتنان التي يحب الأستاذ منيب زيارتها من حين لآخر.
فالأستاذ محمد منيب يحمل صفات جيل هذه المرحلة من أبناء أكادير بتمكنه من اللغات الأمازيغية والعربية والفرنسية واستفادته من قربه من مختلف شرائح المجتمع من فقهاء ورجال الأعمال والشخصيات السياسية، ومن اطلاعه الواسع على الثقافات الثلاث الأمازيغية والاسلامية والغربية وهو ما تعكسه الخزانة الغنية التي تؤثث قاعة الضيوف ببيته والتي يرتادها الزوار يوميا خاصة بعد تقاعد “السي منيب”(كما أحب أن أدعوه) من مهامه كمسؤول إداري رفيع في عمالة أكادير.
لا أحد ينكر خصلة الكرم التي تميز بها الفقيد فقد كان بيته قبلة للمثقفين والأدباء والفنانين والجمعويين من كل ربوع المغرب ومن الخارج، دون أن يزعجه ذلك. لقد عبر لي يوما عن سعادته بمختلف الزيارات التي تقصد بيته وأنه يقسم أجرته بكل فرح إلى ثلاثة أقسام ” قسم لبيته ولعائلته وقسم لنفسه وقسم لضيوفه” وهذا ما جعل بيت المرحوم فضاء لنقاشات عميقة تهم الثقافة الأمازيغية أساسا وأهميتها في البناء الديمقراطي للمغرب و لشمال إفريقيا عموما كما كانت هذه اللقاءات فرصة لبلورة الأفكار وتقريب وجهات النظر والسعي لحل العديد من المشاكل التنظيمية للحركة الأمازيغية.
إن انتماء الأستاذ محمد منيب للجيل الأول الواعي بضرورة الاعتراف بالأمازيغية لغة وثقافة وهوية مثله مثل عبد المالك أوسادن وعلي صدقي أزايكو وابراهيم أخياط ومحمد شفيق جعل له حضورا قويا ومؤثرا بحكمته وسخائه في مختلف المحطات التي مرت منها الحركة الأمازيغية محليا ووطنيا ودوليا. فهو من مؤسسي جمعية الجامعة الصيفية سنة 1979 والذي تربطه بها علاقة قوية ويلح على أن تبقى بعيدة عن الصراعات وأن تحافظ على طابعها الأكاديمي كفضاء للنقاش الحر والمسؤول ومفتوحة أمام الجميع، كما كان رحمه الله من مؤسسي الكونغريس العالمي الأمازيغي سنة 1994 ومن مشجعي مبادرات المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الأمازيغية (1994-1997) وفي بيته وقعت نخبة أكادير على البيان الأمازيغي لسنة 2000 المؤدي لإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكان دائما من الموقعين الأوائل على كل وثيقة تهدف لإنصاف الأمازيغية ك”الاختيار الأمازيغي” ومن المدعمين لكل مبادرة تسعى لتوحيد جهود الحركة الأمازيغية.
كما دعم أنشطة الطلبة بالجامعة والجرائد الأمازيغية “كتاسافوت” و”نبض المجتمع” ومجلة “تاماكيت”. محليا، يعتبر الأستاذ محمد منيب ذاكرة مدينة أكادير التي ترعرع فيها وعاش بها قبل وبعد الزلزال الذي ضربها سنة 1960 إلى أن وافته المنية ودفن بها. لقد فقدت هذه المدينة بموته إحدى خزائنها الحية خاصة وأنه كان بحكم مسؤولياته الإدارية العليا من الشاهدين عليها قبل الزلزال ومن المساهمين في إعادة بنائها.
رغم غزارة المعرفة التي كان الأستاذ محمد منيب يمتلكها إلا أنه لم يترك لنا إلا كتابا واحدا سيذكر للأبد والمعنون ب”الظهير البربري، أكبر أكذوبة سياسية في تاريخ المغرب المعاصر” (2002) وهو حوار مطول مع الباحث موحا مخلص وقد ترجمه المؤلف بنفسه إلى اللغة الفرنسية لكن شاءت الأقدار أن يغادرنا قبل نشره ليبقى حبرا على ورق في انتظار نشره. وتكمن أهمية هذا الكتاب في كونه حطم إحدى الأساطير الكبرى التي بني عليها إقصاء الأمازيغية في المغرب المستقل وتزعم رفع دعوى قضائية ضد وزارة التربية الوطنية التي تدرس التأويلات الخاطئة للظهير في المدارس المغربية وبذلك يكون الأستاذ محمد منيب قد ساهم بشكل كبير في تهيئ الظروف لتجاوز إحدى المعيقات الكبرى للاعتراف بأمازيغية المغرب.
لقد كان الأستاذ محمد منيب طوال حياته صادقا في عمله، صبورا، كريما ومحبا لمدينته ولغته وجهته ووطنه في هدوء تام بعيدا عن الأضواء وهو ما يؤكده رفضه الدائم لأي تكريم من أي جهة كانت لأنه كان يعتبر ما قام به واجبا لا ينتظر وراءه جزاء ولا شكورا. اليوم، وبعد وفاته، سيبقى اسم “محمد منيب” حيا في ذاكرتنا ومن واجب مدينته أن تخلد اسمه ويطلق على منشأة ثقافية تليق بما قدمه لوطنه.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.