أزول بريس -خالد بوخش* //
الكراهية قتل بالقوة. الفيلسوفة حنا ارندت
من الوصايا العشر لموسى حيث الوصية الذهبية ـــ لا تقتل ـــ إلى تعاليم عيسى ـــ من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها ـــ انتهاء بمحمد ـــ من أحيى نفسا فكأنما أحيى الناس جميعا ـــ .
يظهر جليا أن المؤمنين لم يتمكنوا بعد من التخلص من براثن الجهل و الدوغمائية و بالنتيجة التعصب والكراهية و التي تؤدي بداهة للإقصاء و القتل و خصوصا و بشكل حاد و هستيري لدى المسلمين. قد يكون مرد هذا بخصوص المسلمين إلى عدم قطعهم لأشواط كبيرة بخصوص الإصلاح الديني و الذي تم إجهاضه في مراحل كثيرة من التاريخ و لعدة أسباب ابتداء بابن رشد و ابن سينا و ابن عربي و آخرين إلى جمال الدين الأفغاني و محمد عبدو و انتهاء بالجابري و محمد شحرور و آخرين. يبدو واضحا أن من بين تلك الأسباب التي أجهضت كل تلك المحاولات نجد سلطة الكهنوت رجال الدين الذين يحولون بين الإنسان و ربه بزعمهم أنهم الواسطة التي بدونها لن يتمكن المسلم بأن يكون مسلما حقا و يستعملون الترهيب كآلية للحد من التفكير و حريته، في المقابل لا بد و أن هناك أسبابا أخرى على المؤرخين و علماء الاجتماع و النفس الجادون أن ينفضوا الغبار على عراقيل هذه الأزمة، أزمة المسلمين وليس الإسلام كدين جواني حر يتمظهر على المستوى البراني كوردة منفتحة حرة . في الغرب تجاوزت المسيحية هذه العقدة بقيادة البروتستانتي ـــ التي تعني بالفرنسية المحتج ـــ مارتان لوثر و بعده كالفان و بمساعدة عوامل أخرى غير ظاهرة بشكل دقيق، في حين أن الشمال لم يزل و ما زال لا يريد أن يتعلم لا من تاريخ الآخرين و لا من تاريخه هو بالذات كما وقع مباشرة بعد وفاة الرسول الكريم محمد عليه السلام حيث الاقتتال المذهبي و الطائفي و القبلي ـــ معركة الجمل و معركة صفين ـــ حيث اقتتل الصحابة فيما بينهم.
حاول الجابري أن يوفق بين العلمانية و الإسلام و قبله ابن رشد الذي حاول أن يوفق بين الدين و الفلسفة و لكن محاولتهما باءت بالفشل، و لسنا هنا لمناقشة هؤلاء الكبار في صحة نهجهم من عدمه رغم أن نقد طرابيشي للجابري كان نقدا رصينا، طرابيشي الذي دعا لقطيعة حادة مع التراث و اللحاق بركب الحضارة الغربية بتبني العلمانية عكس الجابري الذي كان مشروعه نقدا للتراث و الانطلاق منه من أجل اللحاق بالغرب. كل منهما سعى جاهدا من أجل تقدم المسلمين و كانا و ما زالا فعلا منارة لكل من اطلع على مشروعها الفكري بغض النظر عن من معه الحق. في المقابل من يلقي نظرة على المجتمعات المسلمة يجد أن لا أحد منهما و للأسف الشديد لم يستطع التأثير في الواقع المعيش لهذه المجتمعات بشكل كبير إذا استثنينا باحتشام تونس. و بالتالي فالذنب ليس ذنبهما، و يبدو أن الإشكال مركب و معقد. أزمة القراءة في هذه المجتمعات تلقي بظلالها طبعا و لكن الإشكال تجده أيضا لدى الكثير ممن يقرأ أيضا. و منه يبدو أن القرار ـــ أي قرار الانفتاح ضد الانغلاق و العلم ضد الخرافة و الحوار ضد الإقصاء و المحبة ضد البغض لا بد أن يكون سياسيا أولا و أخيرا عبر إرساء أسس تقبل الآخر المختلف مذهبيا و دينيا و ثقافيا، و ذلك في برامج التعليم منهجيا و في الإعلام الرسمي و غير الرسمي ثقافيا، و كذا التعامل بحزم قانونيا مع المتطرفين.
العقلية المتطرفة لا تأتي من فراغ و المتطرف تنقصه بعض الآليات الفكرية التي بدونها لن يستطيع أن يكون متسامحا أ لا و هي؛
ـــــــ الحس النقدي الجدلي حيث الأطروحة و ضدها و التكامل بينهما الذي ينتج أطروحة أخرى تتحول هي الأخرى لأطروحة تحتاج لضدها و هكذا دواليك..
ــــــ العقلية النسبية التي لا تدعي امتلاكها الحقيقة المطلقة الناجزة حيث أن لا أحد يمتلك الحقيقة المطلقة أيا كان دينه أو إيديولوجيته أو مكانته الاجتماعية.
ــــــ مركزية الإنسان عوض جعل الدين أو الإيديولوجية أو الأفكار في المركز حيث يتجلى هذا في الشعار الأخير المحمول من طرف المسلمين ــ إلا رسول الله ــ و نعتقد أن لو كان الرسول محمد معنا لهتف يردد؛ إلا الحقد و القتل عوض ــ إلا أنا ـــ. هذه الأنا الموهومة التي ما فتئ جميع الأنبياء و الفلاسفة فضلا عن الحكماء و العلماء أن انتقدوها نقدا لاذعا
*أستاذ / باحث في الفلسفة وحقوقي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.