إصدار قصصي جديد للقاص سالم الغزالي يعد إضافة نوعية ومتميزة للفن القصصي المغربي.

عبداللطيف الكامل//

أصدر مؤخرا الدكتور سالم الغزالي،أول إبداع قصصي له،تحت مجموعة عنونها بتيمة دالة يختزل كل الإيحاءات و الرمزيات التي تحيل عليها عتبة هذه المجموعة حين أطلق عنوان قصته “لذة الكلام”الواردة في صفحة 119،على المجموعة القصصية بكاملها،ليجعلها نقطة البدء و النهاية ووسط العقد أيضا حيث جعلها تتحكم في خيوط هذه المحكيات.

وتعد مجموعة”لذة الكلام”إضافة نوعية وتميزة للفن القصصي المغربي نظرا للأسلوب السردي التي تبناها الكاتب نهجا على أسلوب رواد القصة بالمغرب،ونظرا لطبيعة ونفسية شخصية كل قصة على حدة،وطريقة سرد هذه القصص وتقنياته ونوعية حبكة النسج التي هي شديدة الترابط بين خيوط العمل القصصي،خاصة أن القاص سالم الغزالي اعتمد على هذه الحبكة بشكل لافت للنظر لتكون معيارا للحكم على نجاح مجموعته القصصية”لذة الكلام” من طرف المتلقي أو القارئ.
أما شخصيات المجموعة القصصية المتنوعة فهي كائنات ورقية لكن ألبسها لباس شخصيات بشرية ومتنوعة بتنوع طبيعتها النفسية وخفاياها الداخلية،وهنا ينكشف لنا مدى انحياز القاص لشخصياته واختياراته لها عن الخلفية الإيديولوجية المبطنة التي كانت تتحكم في انتقاء هذه الشخصيات المختارة بدقة من مختلف الشرائح الإجتماعية المنتمية على الخصوص إلى الطبقات الوسطى والكادحة والمهمشة.

ومن جهة أخرى تظهر براعة القاص،في هذه المجموعة القصصية الجديدة،في تلاعبه بالزمان والمكان حين استخدمهما بفنية كبيرة لتقريب محكياته إلى ذهن القارئ وجعله يدرك أن ما يحكى عليه من وحي الخيال كأنه الممكن والمحتمل،من خلال جعل هذه المحكيات وكأنها واقع معيش ويومي.

وتبدو فنيته ومهارته في جميع قصصه في تنويع طرق السرد بين قصة وأخرى حيث زاوج بين رؤيتين للسرد(السارد من خلف،السارد من خارج)بالرغم من أن معظم هذه القصص سيطرعليها تقنيا السارد الموضوعي وقلما نرى السارد أحد شخصيات النص.

وأجمل ما تميزت به قصص سالم الغزالي هي لغتها الموسومة بجمل قصيرة أحيانا لكنها دالة وعميقة ومكثفة المعنى ذات طابع تصويري وتخيلي،بحيث يجعل القارئ يستمتع ويتلذذ بما يقرأ من خلال هذا التصوير والكثافة في المعنى ومن خلال سمات أخرى منها على الخصوص وحدة الإنطباع ووحدة البناء إلى درجة أنه لا يعتبر ذاك المقروء مجرد حكاية عادية كتبها القاص للتسلية وتزجية الفراغ بل صارت محكياته جنسا أدبيا وقصصيا له جماليته الفنية ومغزاه الإجتماعي الذي يفضح في النهاية خلفية كاتبها.

هذا وإذا كان القاص قد اختبارعن قصد عنونة المجموعة ب”لذة الكلام”فإن يريد أن يشارك القارئ في هذه اللذة المزدوجة للنص وربما حاول أن يتقمص من الناحية الفنية والجمالية ما كان يشير إليه النقاد الفرنسي رولان بارث في كتابه الشهير”لذة النص”.
وما يشفع لنا هذا القول هوأن القاص سالم الغزالي،وانطلاقا من قراءة قصصه المدرجة في هذه المجموعة،يبدو شديد الإحساس المرهف والعميق عندما جذبته مفارقات الحياة اليومية وأثارته اهتزازات الحركة الإجتماعية وهذا يظهرمن خلال اختياره في هذه المحكيات لمشاكل الإنسان البسيط والهامشي والمهمش التي يعيش دوما تناقضات الحياة وصراعاتها وتجاذباتها.

إن المجموعة القصصية”لذة الكلام”محكيات مصاغة بفنية كبيرة وتهيمن عليها خلفيات مبطنة،تبقى في نهاية المطاف عبارة عن أسئلة محتملة وانحياز اجتماعي مفضوح،تسير في هذا المنحى والخلفية على نهج رواد القصة المغربية إبراهيم بوعلو،وعبد الجبار السحيمي،ومحمد أمين الخمليشي…
وهي مجموعة تقع في 147 صفحة تتضمن 20 قصة قصيرة موزعة على العناوين التالية :”موعد،حلم،القرد، المدينة العملاقة،الشاف،عودة عبد الرحيم،المشروع،بعض ما وقع للرحماني النجار،البحث عن لحظة فرح،اعتدال،التابوتي،التجربة الأولى،رأفة،حمق،الشاعر ، لذة الكلام،كلام،التباس،غياب،المهنة:مفكر”.

وتعتبرالمجموعة أول عمل قصصي يتم نشره في كتاب بعدما سبق للكاتب أن نشرقصصه في جريدة المحرر ثم الإتحاد الإشتراكي في أواخر السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي وراودته الفكر،بعد إلحاح العديد من زملائه في التعليم والتفتيش وفي الحزب أيضا،أن يصدر هذه المجموعة بعدما سمح له تقاعده أن يتفرغ لها ليرتبها ويوضبها على الشكل التي نراه حاليا.

والأستاذ المفتش سالم الغزالي من مواليد 1954 بدوارأيت الغزال بجماعة سيدي موسى الحمري،بمنطقة هوارة بإقليم تارودانت،حصل على الشهادة الثانوية بمعهد محمد الخامس بتارودانت،وتخرج من مدرسة المعلمين الإقليمية(الإمام الغزالي) بأكاديرفي يونيو 1974 ،وتخرج من المركز التربوي الجهوي بأكَادير في يونيو 1977،فعين أستاذا بمدينة الدار البيضاء أستاذا للسلك الأول في الثانوية ابن حزم،ثم استاذا للسلك الثاني بالثانوية مولاي إسماعيل.

وفي شتنبر 1988انتقل للعمل في الثانوية محمد رضا السلاوي بأكادير،وفي شتنبر1990 عين مفتشا للتعليم الثانوي للغة العربية بنيابة التعليم بأكادير،وانتسب إلى كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط حيث حصل على الإجازة في اللغة العربية وآدابها في يونيو1979،وعلى شهادة الدروس المعمقة في يونيو1980،وعلى دبلوم الدراسات العليا في يناير 1988،وعلى دكتوراه الدولة في يوليوز 2005.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد