إصدار جديد لإبراهيم أمجاد بعنوان: ” كاد أن يكون” بوح جميل بلغة راقية

بقلم : المكي بوسراو

  • بقلم : المكي بوسراو //

 يقع الكتاب في 180 صفحة من القطع المتوسط ، ويحمل عنوانا موحيا وملغزا “كاد أن يكون” مذيلا بكلمة ذكريات. إذ أن الأمر يتعلق بجملة من الذكريات التي ألهمت الأستاذ أمجاد للكتابة عن ماضيه وتجاربه ومواقفه. يستعيد الكتاب طفولة  إبراهيم في حي الدشيرة بضواحي مدينة أكادير. طفولة أثثها اللعب والمغامرات والشغب، ما بين البيت البسيط والمدرسة الابتدائية  والأزقة المغبرة .

      هكذا يحكي إبراهيم أمجاد عن شخوص وأمكنة ومغامرات، استمتع عبرها بلحظات من المرح والسعادة، قريبا من العائلة وأصدقاء الطفولة والمراهقة،  بعيدا عن الأسئلة الحارقة للوجود وعن الانشغالات الميتافيزيقية لعالم الكبار. اللعب وما أدراك ما اللعب: عنفوان لا حد له ولذة لا تنقضي.  بعدها يعرج بنا الكاتب على مساره الدراسي بين المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية وحكاياته المرة والطريفة مع المعلمين والأساتذة ، إلى أن انتهى به المطاف في المركز الجهوي للتكوين بإنزكان . وقبلها رصد لنا أمجاد اكتشافه لعالم السياحة بأكادير من خلال اشتغاله مع أحد أصدقائه أيام العطل وأوقات الفراغ وولعه الشديد بالموسيقى. ولع سيتوقف مؤقتا بسبب التزامات المهنة.                                            

مهنة المدرس سوف تلقي بإبراهيم نحو تضاريس وحكايات جديدة : تالوين وبيوكرى والدمام بالسعودية. هي رحلة متنوعة يحكي فيها عن طبائع البشر ولبس العلاقات ووحشة الأمكنة وألفتها. رحلة ستفتح عينا المؤلف على معاني الصداقة والانتهازية والعجرفة والشطط في استعمال السلطة… إلخ. كما ستوقظ ذهنه إزاء معضلة التعليم ببلدنا وآفة الاصلاحات المغشوشة والفاشلة ومآل الشعارات الرنانة  حول منظومتنا التربوية. وهي الفقرة التي أنهى بها المؤلف كتابه الشيق.  

  أما الأسلوب الذي كتب به الكتاب فلا أروع. حيث اختار إبراهيم أمجاد كلماته وعباراته بعناية فائقة كما يفعل يفعل “معلمية” الصناعة التقليدية أو الصنايعية، إذ طرز الجمل تطريزا باذخا، كأنه شاعر يحسن وضع المعاني ويتقن فن التلاعب البلاغي. والشعر كان حاضرا بقوة في هذا النص الجميل عبر أبيات كثيفة المعنى لفطاحل الشعر العربي دسها الكاتب في ثنايا الكتاب بعناية فائقة.      

 ألا يدعونا الكاتب ولو بصيغة مضمرة ومحتشمة إلى النبش في ذاكرتنا الجماعية عبر استعادة الماضي والتغني بالشغب الطفولي كشرط لا مناص منه للتصالح مع الذات. أليست الكتابة في البدء وفي الختم تصالحا مع الذات؟  هي دعوة أيضا للبوح والتقاسم: البوح بأشيائنا الخاصة وتجاربنا  الماضية والتي عادة مالا نصرح بها إلا في دائرتنا الضيقة، وتقاسمها مع القراء المفترضين و جمهرة الناس. وهذا الأمر يعكس جرأة ما بعدها جرأة. تستحق الشكر والثناء. 

أٌقترح على القراء، في الأخير هذه الفقرة البهية التي ختم بها المؤلف كتابه: ” لست أدري ما إذا أوفيت للزفرات حقها، وفي بعض الوفاء مذلة، وهل فعلا طاوعني الجهد وأنا أتتبع المسار، محاولا الوصول إلى آخر المحطات بعيدا عن التخمين، وكلي يقين بأني لم أملأ كل الخانات، ولي العذر في عدم ملئها وتتبعه … لقد حاولت أن ألقي نظرة في البئر، وألقي فيه بحجر، لعلي أسمع صوته حين يلتطم بالماء، وأسمع غيري بعض ما سمعت، دون أن أبتل أو يبتل من يسمع حسيس الكلمات المجاورة للنفس،” هذه الفقرة وحدها كفيلة بفتح شهية القراء.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading