إشكالية الفتاوى المستوردة تحت مجهر الدكتور عمر لشگر الرسموكي….

يستفتونك عن الفتاوى، هل فيها فتاوى بلدية ومحلية، وأخرى أجنبية مستوردة ؟

وما الفرق بين الفتاوى المحلية والفتاوى المستوردة ؟
وهل يشترط في الفتوى أن تكون محلية ليعمل بها ؟
وهل قيمة الفتوى تبنى على مصدرها الجغرافي ؟
هذه الأسئلة هي التي سنحاول بتوفيق من الله الإجابة عنها في هذا المقال.
1 / مفهوم الفتوى
الفتوى كلمة متداولة معروفة يعتبرها اللغويون والصرفيون إسم مصدر من فعل أفتى إفتاء.
والإفتاء في اللغة يعني تبيين ما أشكل.
ويقال أفتاه، إذا بين له ما أشكل عليه.
أما في الإصطلاح فيقصد بالافتاء الإخبار بحكم شرعي بناء على دليل شرعي.
فمن بين أمرا مشكلا بالاستناد إلى أدلة شرعية، وبتطبيق قواعد البحث الفقهي، وضوابط الاستنباط المقررة في علم الأصول، فقد أفتى بقطع النظر عن كونه نصب رسميا لهذا الأمر أم لم ينصب.
فالتنصيب الرسمي لا يؤثر في الفتوى صحة وبطلانا، إنما يؤثر فيها سلامة المنهج المتبع في الإفتاء، وقوة الأدلة المستند إليها.
ولا تكون الفتوى فتوى إلا إذا كانت عن سؤال واستفتاء.
قال تعالى:” يستفتونك، قل الله يفتيكم في الكلالة. ”
أي يطلبون منك الإفتاء.
وإذا كان الإخبار بحكم شرعي من غير سؤال فليس فتوى في الاصطلاح، إنما هو إرشاد تعليمي أو بيان توجيهي أو درس وموعظة …
2 / خطورة الفتوى
الفتوى إخبار عن الله تعالى ورسوله، لذلك فأمرها خطير.
قال النووي في آداب الفتوى، ص 13:
” الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع د، كثير الفضل؛ لأن المفتي وإرث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ …”
وخطر الفتوى يزداد إذا تولاها من ليس مؤهلا لها من عموم الناس، فمن أفتى بغير علم فقد ارتكب اثما عظيما، وأفسد وأضل وتجرأ على الله تعالى:
قال تعالى؛ ” ولا تقف ما ليس لك به علم ”
قال الطبري، أي لا تقل ما ليس لك به علم.( تفسير الطبري 17 / 593 )
وجاء في” الموسوعة الفقهية ” 24 / 32؛
” الإفتاء بغير علم حرام؛ لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله ”
وكان علماء الصدر الأول يعظمون شأن الفتوى إلى حد أنهم يكثرون من قول ” لا أدري “، واعتبروه نصف العلم، ومن هؤلاء عالم المدينة الإمام مالك الذي قيل فيه ” لا يفتى ومالك في المدينة ”
بل نجد الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه يتوقف عن الإجابة عن بعض القضايا حتى يفصل الوحي في شأنها.
فإذا كان هذا أمر الصدر الأول، على مبلغ أهله من العلم، فكيف بنا ونحن نفتقد إلى كل أدوات وشروط الإفتاء، من فقه واسع، وسماع كثير، وحفظ الأقوال، واجتهاد وضبط علوم اللغة والبيان، والاطلاع الواسع على مقاصد وأسرار التشريع، والعلم بالناسخ والمنسوخ …. زيادة على العدالة والتقوى.
ومع ذلك يتجرأ الكثيرون على الفتوى بغير علم ولا فقه ولا أدب ولا اجتهاد ولا فهم الواقع ولا عدالة، فأكثروا في الأرض الفتنة والضلال والفساد.
3 / الفتاوى المستوردة
عبارة ” الفتاوى المستوردة ” عبارة قدحية يقصد بها الفتاوى الآتية من المشرق.
وهذه الفتاوى تنتقل بسرعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لتمر إلى كل البلدان، وقد تشكل خطرا على المجتمع، خصوصا منها تلك الفتاوى الشاذة، والخرقاء، والمضحكة، والمتطرفة، والبعيدة كل البعد عن الزمن الواقعي.
ومن أمثالها؛
تحريم التعليم على المرأة
تحريم الجلوس في مكان قامت عنه المرأة لتوها.
وجوب إرضاع الكبير في الزمالة لإثبات الحرمة .
زيادة على فتاوى التكفير والقتل وإهدار الدم ….
لكن ليست كل الفتاوى الآتية من المشرق بهذه الدرجة من السخافة.
ففيها فتاوى مقررة بقواعد فقهية وأصولية واستنباطية صحيحة، وأصدرها علماء وشيوخ توفرت فيهم شروط الإفتاء، ولم تخالف أصلا من أصول الدين ولا قولا من أقوال السلف الصالح.
فهذا النوع من الفتاوى لا ينبغي إسقاطه بدعوى ” الفتاوى المستوردة ” .
فهذه العبارة القدحية الشائعة ليست إلا ردا فعليا متهورا غير خاضع لفكر نقدي موضوعي معمق، وليست فيه نباهة علمية ولا بعد نظر.
فالنعت إذن غير موفق للأسباب الآتية:
– أن الفتاوى ليست سلعة.
والاستيراد يعني جلب السلع والخدمات من بلد أجنبي من أجل بيعها والاستفادة منها، والفتاوى لا تجلب لأجل تحقيق الربح في المعاملات المالية الخاصة بالتجارة الدولية.
– أن هذا الوصف يجب تطبيقه أيضا على:
الفقه المالكي كله؛ لأنه مستورد من الشرق.
وعلى الإسلام نفسه؛ لأنه آت من الشرق.
وعلى العلوم العربية والإسلامية؛ لأن أصلها من المشرق.
إن المكان الجغرافي لا يحدد سلامة الفتوى من الفساد ، فليس الاجتهاد الفقهي حكرا على بلد، وليست للأدلة الشرعية جنسية خاصة، فينبغي النظر في الفتوى وسلامة منهجها وأدلتها ومناسبتها للواقع بقطع النظر عن كونها محلية أو من المشرق.
فكل فتوى غير مؤصلة، أو صدرت ممن لا تتوفر فيه شروط الإفتاء، أو مضلة، أو تخدم توجها سياسيا أو إيديولوجيا، أو تدعو إلى التكفير والعنف والقتل والكراهية، فهي فتوى باطلة يجب قمعها ومحاصرتها سواء كانت محلية أو كانت مشرقية.
والخلاصة أنه لا توجد فتوى محلية وفتوى مستوردة، فالفتوى واحدة ومعايير صحتها أو بطلانها ليس فيها دخل للاعتبارات الجغرافية ، وإن عبارة ” الفتاوى المستوردة ” عبارة غير موفقة ولا تفيد ولا يقول بها إلا الجاهلون .
والحمد لله رب العالمين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد