” إشكالية السياحة بإقليم تارودانت، المعيقات و الآفاق المستقبلية…” حسن هرماس

أكادير/12 يونيو 2019/ و كالة المغرب العربي للأنباء.
ظل القطاع السياحي في إقليم تارودانت خلال عقود متتالية يرزح تحت وطأة النسيان واللامبالاة ، بعدما كان هذا القطاع الخدماتي في ما مضى يشكل قاطرة حيوية ، تجر وراءها مجموعة من الانشطة الاقتصادية المتكاملة في إطار بنية النسيج الاقتصادي المحلي.

وإذا كان تدبير النشاط السياحي بتارودانت في ما مضى محكوم بنظرة تقليدية مبنية على كون هذه المدينة الضاربة بجذورها في عمق التاريخ تشكل “وجهة ملحقة ” بأكادير ، أو محطة عبور نحو ورزازات (عبر تالوين وجبل سيروا)، أو نحو مراكش (عبر تيزي نتاست)، فإن تدبير النشاط السياحي غدا اليوم يتطلب كفاءة احترافية لاسيما في ظل التنافسية الحادة التي يشهدها القطاع ، سواء على صعيد المنطقة المتوسطية التي يشكل المغرب جزءا منها ، أو على الصعيد العالمي في ظل ما تفرضه العولمة التي شملت جميع مجالات الحياة.

قد يبدو هذا المعطى الذي أصبح يفرض نفسه أكثر فأكثر في مجال النشاط السياحي “المعولم” ، بفعل سيطرة ثلة من الشركات العالمية المتخصصة في التعهد بالرحلات السياحية ، تحديا مخيفا بالنسبة لرقعة جغرافية صغيرة اسمها تارودانت ( المدينة والإقليم)، لكن هذا التخوف ما يلبث أن يتلاشى بمجرد ما ندرك أن “حاضرة سوس ” تتربع فوق موقع استراتيجي بين الأطلسين الكبير والصغير ، فضلا عن كونها تشكل نقطة محورية بين ثلاث وجهات سياحية ذات سمعة عالمية ، وهي أكادير ومراكش وورزازات .

وعلاوة عن هاذين أهمية العاملين السابقي الذكر ، فهناك عدد هائل من المقومات والمؤهلات الإيجابية الأخرى الطبيعية والحضارية والتاريخية وغيرها التي تزخر بها المدينة على الخصوص ، والإقليم على وجه العموم ، ناهيك عما تم تحقيقه من منجزات تصب في اتجاه السير قدما نحو الرقي بتارودانت لتصبح وجهة سياحية وطنية قائمة الذات.

ذلك ما كشف عنه عامل إقليم تارودانت ، السيد الحسين أمزال ، خلال اللقاء التواصلي الذي جمع مساء أول أمس ، الاثنين ، في أكادير وزير السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي ، السيد محمد ساجد ، مع مهنيي القطاع السياحي في أكادير وجهة سوس ماسة ، والذي خصص لتدارس وبلورة الحلول الكفيلة بتجاوز وضعية الركود التي جثمت على النشاط السياحي في هذه الوجهة خلال سنين متتالية.

فقد أماط السيد الحسين أمزال اللثام بهذه المناسبة عن مضامين خارطة طريق وضعتها السلطات الإقليمية وتشرف على تنزيلها من أجل إنعاش القطاع السياحي في تارودانت، حيث تتميز هذه الخطة بكونها تتأسس على المؤهلات الذاتية للمدينة والإقليم ، وذلك بما يجعلها تتوفر على كامل المقومات الكفيلة بتسويق تارودانت كوجهة سياحية قائمة الذات ، وفي الوقت نفسه ، فإن خارطة الطريق هذه تتكامل في معالمها الكبرى مع منتوج السياحة الشاطئية التي يتم الترويج لها على صعيد وجهة أكادير .

وأوضح عامل إقليم تارودانت أن من جملة المقومات التي تتأسس عليها خارطة الطريق هذه ، هناك المقومات الطبيعية ، خاصة منها المواقع الجبلية مثل قمة جبل توبقال وبحيرة إفني وواحة تيوت . وهناك الصناعات التقليدية المتنوعة ( الدباغة ، الصياغة ، الفخار…) . ثم الرصيد الحضاري والتاريخي ( أسوار تارودانت، والمعالم التاريخية داخل المدينة وخارجها مثل المسجد الأعظم ، وبقايا معامل السكر التي تعود لفترة حكم الدولة السعدية ، ومواقع “توغمرت” و”تالكجونت” …).

ومن هذه المؤهلات العديد من التظاهرات المنظمة على امتداد فصول السنة والتي تكتسي طابع السياحة الثقافية والسياحة الروحية . وهناك ايضا متحف الفنان العالمي الراحل كلاوديو برافو ، الذي قضى جزءا من حياته في تارودانت حتى توفي ودفن فيها . والمواسم السنوية ( دافيد بن باروخ، سيدي احماد أو عمر…) ، ومناحل منطقة “أركانة”، وحقول الزعفران … وغيرها.
الاقتصاد والمال

وعلاوة عن ذلك ، فإن إقليم تارودانت الذي يضم أكبر عدد من الجماعات الترابية على الصعيد الوطني ، وعددها 89 جماعة ، يشهد على امتداد فصول السنة تنظيم سلسلة من المهرجانات المرتبطة بتثمين المنتجات المحلية التي يشتهر بها الإقليم ، والتي تتميز بتنوعها وثرائها وارتباطها بعادات وتقاليد تضرب بجذورها في عمق البيئة الاجتماعية للساكنة المحلية في مختلف ربوع الإقليم ، ومن هذه المنتجات على سبيل المثال لا الحصر ، هناك الزعفران ، واللوز ، والأركان ، والأعشاب الطبية والعطرية ، والصبار ، والخروب ، والكركاع (الجوز) ، والزيتون وغيرها.

وقد تم في هذا الإطار تأسيس أحد عشر دارا للمنتجات المحلية في إطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية موزعة على مواقع مختلفة عبر المجال الترابي لإقليم تارودانت، فضلا عن إنجاز مركب تجاري في المدينة ، يحتوي على 55 محلا لفائدة تعاونيات دور المنتجات المحلية ، وذلك بغاية تقريب المنتوج المحلي من السياح ، إضافة إلى تشييد مركب كبير للصناعات التقليدية .

وأشار السيد الحسين أمزال إلى أن الجهود ما زالت جارية من أجل تحقيق المزيد من الانجازات والمكتسبات الكفيلة بجعل القطاع السياحي واحدا من روافد التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في إقليم تارودانت، حيث ابرز في هذا السياق القيمة المضافة التي سيكسبها الإقليم بعد الانتهاء من إنجاز سد سيدي عبد الله الذي يتوفر على بحيرة تصل سعتها 50 هكتارا ، مما سيشجع على جلب فئة أخرى من السياح المولعين بالرياضات المائية ، وبالصيد الرياضي.

وعلاوة عن الرياضات المائية ، من المنتظر أيضا أن يشهد إقليم تارودانت في المنظور القريب انتعاشة وتنويعا في ممارسة السياحة الرياضية من قبيل الطيران الرياضي والطيران الخفيف ، وذلك بعد إتمام إنجاز المحطة الجوية “مطار سيدي دحمان” على مشارف مدينة تارودانت، حيث تم رصد الغلاف المالي الضروري لتشييد هذا المشروع الطموح في إطار شراكة بين مجلس جهة سوس ماسة ، والمجلسين الإقليمي والجماعي لتارودانت.

وإذا كانت هذه المكتسبات في مجموعها تنم عن رغبة أكيدة في إعادة الروح للنشاط السياحي بتارودانت وجعله قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، فإن أطرافا أخرى مطالبة بأن تضطلع بدورها في تهييء وإيجاد الظروف والبنيات المكملة التي من دونها لن يتأتى لعملاق السياحة في تارودانت أن ينتفض من سباته الذي طال أمده ، وأن ينعش الحركة الاقتصادية في الإقليم .

من ذلك أن وحدات الإيواء الفندقي المتوفرة في المدينة والإقليم في حاجة ملحة ومستعجلة للتأهيل والتجديد . ومن ذلك أيضا أن المكتب الوطني المغربي للسياحة ، والمجلس الجهوي للسياحة لأكاديرـ سوس ماسة مطالبان بالتفاتة فعلية وعاجلة اتجاه العمق الترابي لوجهة أكادير ، وفي مقدمة هذا العمق الترابي إقليم تارودانت الذي يجب أن يحظى بحقه من الترويج في المعارض والملتقيات السياحية العالمية التي يشارك فيها المجلس الجهوي للسياحة ، لاسيما وأن مجلس جهة سوس ماسة يخصص سنويا مبلغا ماليا مهما لأجل هذه الغاية.

ومن الأكيد أن بلوغ هذا الهدف ليس مستحيلا البتة ، فالاجتماع التواصلي الذي جمع وزير السياحة أول أمس في أكادير مع المهنيين ووالي وعمال الجهة ، ورؤساء المجالس المنتخبة والغرف المهنية ، وبرلمانيي الجهة ، وحضره أيضا المسؤولون المركزيون بوزارة السياحة ، ومدراء المكتب الوطني المغربي للسياحة ، وشركة الخطوط الملكية المغربية ، والمكتب الوطني للمطارات ، والشركة الوطنية للهندسة السياحية ، أفضى إلى نتائج عملية مؤداها أن الوزارة الوصية تعهدت باستعدادها الكامل لوضع يدها في يد المهنيين وباقي الشركاء من أجل إيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة لحالة الركود التي يعرفها النشاط السياحي في جهة سوس ماسة.
الاستاذ حسن هرماس مدير القطب الجهوي لوكالة المغرب العربي للأنباء جهة سوس ماسة

تحرير سعيد الهياق


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading