أي واقع للاجئي سوريا في لبنان ؟

يعتبر لبنان من البلدان المضيفة رغم تصنيفها من بين الدول الصغيرة المساحة ،فلقد فتحت أبوابها للاجئين السوريين حيث أصبح يعيش فوق أراضيها ما يزيد عن أربعة مليون نسمة . فالتضامن الذي عبرت عنه جميع مكونات المجتمع، أصبح حديث أغلب الصحف الوطنية والدولية حيث فتحت معظم الأسر أبواب منازلها استقبالا للفارين من ويلات الحرب ، كما سهلت  الدولة لهم الولوج الى مؤسساتها كالمدارس و المستشفيات وغيرها من الخدمات. بينما انشغل المجتمع المدني  بخلق تشبييك رفقة المنظمات و المؤسسات الدولية لتقديم و توزيع الدعم للاجئين داخل المخيمات.

الانخراط القوي و تظافرالجهود أبان عن الوعي المجتمعي الكبيرلدى اللبنانيين اذ استمر الوضع و التعاون الايجابي لمدة طويلة امتدت بامتداد فترة الحرب مما أزم الأوضاع داخل الأراضي اللبنانية حيث فاق عدد اللاجئين ما كان يتوقعه المجتمع اللبناني . كل ذلك أربك السير العادي لهذا المجتمع تنظيميا و مؤسساتيا حيث الاكتضاض في كل مناحي الحياة اللبنانية ، فاستحال التعامل مع هذا الوضع نظرا للتدفق الكبير للاجئين  فلم يعد في مقدورالأسر والمنظمات والدولة تغطية الحاجيات الأساسية لهم. فارتفاع الضغط  الكبيرعلى الخدمات الصحية و التعليمية أصبح يؤثر بشكل كبير على جودتها و يعطل خدمات المواطن ، انعكس كل هذا على المجال الاقتصادي بشكل كبير؛ فمعاناة الطرفين بدأت تكبر يوما بعد يوم  لم يعد اللبناني معها  قادرا على مد يد المساعدة للسوري لأنه أصبح هو الاخر في مأزق يظهر في انعدام فرص الشغل ، نظرا لتوفر اليد العاملة السورية ما أثر سلبا على المواطن اللبناني اذ ازدادت نسبة البطالة وغيرها من المشاكل الاقتصادية داخل المجتمع ، كل هذه العوامل و التغيرات أدت الى توثر العلاقة بين الطرفين أصبح اللبناني معها يوجه أصابع الاتهام للسوري و يحمله جزءً كبيرا مما آلت اليه الاوضاع بلبنان.

حولت الحاجة و الفقر التعاون الذي بادر به  اللبناني الى عدم التقبل و الرفض مما أساء فهم كل طرف للاخر ، و حال دون التعايش الايجابي بين المجتمع المضيف و اللاجىء ، فهذا الأخيرأصبح ينظر  لنفسه كعبء على المجتمع المضيف دون عقلنة الظروف التي أنتجت هذا الوضع .كما أن اللبناني أصبح ينظر للاجىء نظرة تشاؤم لدخوله في منافسة على مجموعة من المناصب بأقل أجر مما زاد من حدة التفاوتات الاجتماعية حيث استغلت الطبقات الميسورة هذه الظروف للاغتناء على حساب عامة الشعب .

و في المقابل أجرينا مجموعة من المقابلات لمعرفة مدى حدة الأوضاع التي وصل اليها المجتمع اللبناني ، تبين الينا أن هناك من يقاوم على بقاء العلاقات صامدة ، و مد يد العون لهؤلاء تماشيا مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان والحفاظ على العلاقات في بعدها الانساني لأن هناك ظروف خارجة عن الارادة أرغمتهم على التعاطي مع هذا الوضع  اللاانساني الذي نتج عن هذا الواقع .و هذا ما أكدته لنا الطالبة اللبنانية نسرين التي عبرت لنا عن اسفها الشديد لما آلت اليه الأوضاع . اذ رفضت قطعا أن يلغى التعاون بين اللاجئيين واللبنانيين بهذه الفترة العصيبة التي تعيشها المنطقة وتقول أن للسوري الحق في الدفاع  عن حقه  في الحياة الذي تضمنه له البيئة الآمنة التي أصبحت شبه منعدمة في بلده ,و تضيف أيضا أن مساهمة الشعب اللبناني سيكون له أثر انساني كبير مستقبلا و سيعزز التعامل بين المجتمعين و يمحو ذكريات الماضي الأليمة.

و يؤكد ربيع بركات، صحفي بجريدة “السفير” سابقا، على ضرورة تكثيف المشاريع المشتركة بين البيئتين الحاضنة واللاجئة قصد تنمية المنطقة التي يقطنها اللاجئون في جميع المجالات باعتبار أن العمل التعاوني يخلق روابط انسانية مشتركة. كما أشار الى أن العمل على تنمية الوعي الحقوقي في البيئتين يساهم في ارتفاع الادراك بالحقوق و الواجبات التي تقرها و تحميها القوانين المحلية و الدولية. و ان العمل على  تنمية مساحات التفاعل المباشر و الافتراضي مع بيئات لا تتصل بتجمعات اللاجئين مباشرة كتنظيم نشاطات في مدارس و جامعات قصد تخفيف الانطباع عند السوريين على أساس انهم لاجئين ، أشار بركات أن تشجيع اللاجئين على الانخراط و التعاون مع البيئة الحاضنة لرصد مظاهر التطرف و معالجتها قبل استفحالها أصبح ضرورة ملحة يجب على الجمعيات و جميع المؤسسات الانخراط فيها و ذلك عبر تنظيم ورشات عمل تحدد أنماط التطرف و سلوكياته و كذا عواقبه على الطرفين اللاجىء و المجتمع المضيف.

أما عصام اللاجىء السوري ،الذي يعيش باحدى المخيمات  فوق الأراضي اللبنانية, فتح قلبه وهو يتقاسم معنا أحزانه حيث  بدا انسانا منقوعا في تراب المأساة حتى العنق ،زاده الوضع المتردي الذي وصلت اليه العلاقات حيث عبر لنا عن اسفه من خلال تساؤله “الى متى سيتحملنا لبنان؟” ، فاللجوء مستمرالى وقت مجهول و تاسف عصام لما سمعه من كلمات جارحة في الشارع اللبناني كان لها الاثر النفسي الكبير عليه .

 توحي رسائل الأطراف الى تعاطف متبادل  مفاده تعزيز التعامل الايجابي بين اللاجئين والمجتمعات المضيفة، تفاديا لأي نزاعات من شأنها أن تزيد من حدة الأزمة ، بحيث فرضت الظروف على الطرفين وضع نظارات للسلام و التعايش و الانخراط  في هموم المجتمع المشتركة انتصارا للقيم  الانسانية .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading