أولاد برحيل : أكورة تربوية حول الأنا والأخر في زمن كورونا

أزول بريس – نظمت لجنة أكورا، لنادي الإبداع والتواصل، حلقتها الأولى لمناقشة موضوع: ”العلاقة بين الأنا والآخر في زمن كورونا”، مساء يومي السبت 13 و20 فبراير 2021، احتراماً لحق الفوجين الدراسين من الاستفادة من الموضوع، في رحاب الثانوية التأهيلية الداخلة، في أولاد برحيل، بإقليم تارودانت.

افتتحت الحلقة بتقديم عاما حول المقصود بـ”أﯕورا”، وتاريخها باعتبارها تشير إلى أماكن مفتوحة ترمز للجمع بين ممارسة الحياة اليومية والتفكير. ثم توقَّف عند بعض أهداف هذا النشاط الفكري، وذكر منها: اكتساب المتعلم/ة القدرة على التحليل والتفكير، والتعبير عن الرأي، والدفاع عنه بالحجة والدليل، إلى جانب استثمار فضاءات المؤسسة المفتوحة للتعلم، وبناء الشخصية، فضلاً عن ربط علاقات جديدة مع هذه الفضاءات. ثم عرج على موضوع الاختلاف، وأهمية التعدد في بناء مجتمع متقدم وقوي، شريطة تعلم كيفية تدبير اختلافاتنا.

بعدها، توقف عند بيان أسباب اختيار موضوع هذه الحلقة أرضيةً عامة للنقاش، ذاكراً منها مدى ضرورة الآخر بالنسبة إلى الأنا، فضلاً عن تحديد أنواع العلاقات التي يمكن أن تجمع الأنا والآخر، ثم -أخيراً- محاولة التوقف عند آثار كورونا على تلك العلاقات الممكنة، فتم -لذلك- تقسيم موضوع النقاش إلى ثلاثة محاور أساسية.

المحور الأول: تحديد دلالة الغير

فتح المسيِّر النقاش مع المتعلمات والمتعلمين بالتساؤل عن مفهوم “الغير”، فقدَّموا تمثلاتهم لهذا المفهوم، معتبرين أن الآخر هو ذاتٌّ، مثلها مثلُ الأنا، عاقلة، وواعية، ومفكِّرةٌ، تملك القدرةَ على الاختيار، وتتحمَّلُ مسؤولية اختيارها. وهي كلها سمات مشتركة بين الأنا والآخر، إلا أنهما يختلفان في الآن نفسه، «الغير هي الأنا التي ليست أنا»؛ فالغيرُ يشاركنا خاصية التفكير -مثلا-، لكن أفكاره مختلفة عنا، وغير متطابقة، كما أن اختياراتهما لا تتطابق، لذلك هما ليسا نسخاً لبعضهما البعض.

المحور الثاني: طبيعة العلاقة مع الآخر

طرح الأستاذ المسيِّر للحلقة سؤاليْن أساسيَّيْن، في هذا المحور، هما: ما نوع العلاقة التي تربطكم بالآخرين؟ وهل يمكنكم العيش بدون الحاجة إلى الآخر؟

وبعد نقاش عشر دقائق، منطلِق من أمثلة مجتمعية، تبيَّن للمتعلم/ة، أن الآخر ضروري لوجود الأنا، فلا يمكن الاستغناء عنه؛ فاحتكاكنا بالآخرين، يجعلنا نبنى الكثير من القناعات، وتبني العديد من المواقف، فالآخر يسكننا، ونأخذُه بعينِ الاعتبار.

ولا يختار الوحدةَ، إلا شخصٌ راكم معارفَ، وتجاربَ حياتية، فينزوي للتفكير والتأمل. وقد تمَّت مناقشةُ هذه الفكرة بشكل مستفيض، وبأمثلة حياتية، لعظماء بصموا التاريخ بأفكارهم، وأثروا في مسار البشرية.

وانتهى هذا النقاش إلى طرح المسيِّر لسؤال آخر: ما نوع العلاقات التي تجمعنا بالآخر، فرداً وجماعةً؟

وقد تبادل الأكوريون والأكوريات وجهات نظرهم في هذا الإشكال، وحاولوا التفكير فيه، والإجابة عنه؛ فتعددت الآراء، بين من يرى أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تعاون، مقدمين أمثلة على ما يرونَه، كالأعمال الخيرية والإحسانية، وعلاقات التجارة، إذ التاجر يساعد الناس بما يوفره من سِلَع، ويساعدونه بما يدفعون مقابل عمله، ويساعد الأستاذ التلاميذ، ويتعاون معهم بما يُنجزه من حصص الدعم، بشكل تطوعي، مجرد من أي مقابل مادي، وغيرها.

وذهب غيرهم إلى أن تلك العلاقة تحتمل الصراع أيضاً، مقدمين أمثلة عن علاقات مبنية على التعاون والتكامل والانسجام والزَّمَالة، التي قد تتحول إلى صراع؛ كالزواج الذي قد ينتهي بطلاق، والصداقة التي قد تصير عداوة، والحب التي قد تتغيَّر كراهيةً، إشارة إلى الجانب الدرامي في الحياة البشرية.

وتوقَّفَ النقاش عند محاولة فهم معنى الصداقة، كواحدة من العلاقات البشرية المعقَّدةِ، فطرح المسيِّر سؤالاً على المتعلمات والمتعلمين: ما هو الصديق/ة بالنسبة إليك؟ كيف تختاره؟ ما هي الشروط التي تشترطها في الآخر لتعتبره صديقاً؟

وعبَّروا في إجاباتهم عن آراء مختلفة حدَّ التضاربِ، لكن ساد تقبُّل الاختلاف، أحد الأهداف التي تروم حلقات أﯕورا تكريسه في النشءِ.

ثم تطرق البعضُ إلى علاقة المنفعة والمصلحة، رَائِينَ أن كل العلاقات بين الأنا والآخر، مهما كان اسمُها ونعتُها، تظلُّ قائمة حول تحقيق مصلحةٍ ما، ماديةٍ أو معنويةٍ، معتبرين أن الأنا تمدُّ يد التعاون للآخر إن رأت فيه مصلحتها، وتقطع معه تلك العلاقة إن لم ترى فيها أي منفعةٍ، فتصير علاقة انعزال عنه، وتعلن الحرب عليه إن بدى لها أنه يشكل تهديداً لمصلحتها.

ونبَّهت بعضُ المداخلاتِ إلى أن المنفعة لا ينبغي أن يُنظَر إليها وكأنها أمرٌ قبيحٌ يجب أن يزولَ، فهو -على العكس من ذلك- من طبيعة حياة الإنسان، يكاد يكون غريزياً، إن لم نقل إنه كذلك، بتعبير أصحاب هذا الرأي.

ليخلص نقاش هذا المحور إلى أن العلاقة بين الأنا والغير جدليةٌ، يصعبُ الإمساكُ بها.

المحور الثالث: العلاقة مع الآخر في زمن كورونا

إن فيروس كورونا محطةٌ هامةٌ في تاريخ البشريةِ، إذ جعل الأنا، سواء الفردية أم الجماعية، تتوقّف لحظات للتأمل، ومُساءلة ذاتها، وفهم نظرتها للوجود والحياة، وما يحيط بها. هكذا اتفقت كلَّ الآراء التي ناقشت هذا الإشكالَ، انطلاقاً من أمثلة مرتبطةٍ بيوميِّ المتعلم/ة، فبعض المتدخلين قال إن الحجر المنزلي الذي فرضته الإجراءات الوقائية من تفشي كوفيد-19 جعلهم يكتشفون دفءَ الأسرةِ، وجعل آخرين يروْنَ مدى فشل الكثير من الأسر المغربية، من خلال ارتفاع إحصائيات العنف المنزلي الذي طال النساء، خلال هذه الفترة، كما أفادت مجموعة من الإحصائيات. وأكد آخرون أنهم يعرفون الكثير من الشباب الذين استطاعوا الإقلاع عن بعض العادات السيئة كالتدخين، وتعاطي المخدرات، بفضل ما فرضته كورونا.

وفي أمثلة أخرى، قال بعضهم إن اعتماد التعليم عن بعد، والتعليم الذاتي، جعلهم يدركون أنهم قادرون على تطوير أنفسهم بأنفسهم.

وأدرك آخرون، حسب مداخلاتهم، مدى أهمية عاداتنا اليومية التي كثيراً ما نعبِّر عن كرهها، من خلال حرمانهم منها، فصاروا يرجون عودة الحياة الطبيعية، ليعودوا لممارستها، كالجلوس في المقاهي، والسفر، وتنظيم رحلات، والحفلات، ومجالسة الأصدقاء…

وانتهى هذا المحور بتأكيد أن كورونا خلقت حياة اجتماعية جديدة، ونمط عيش جديد، يقوم على الحذر من الآخر، خوفاً من الإصابة، وخلف انعكاسات متعددة في علاقة الأنا بالآخر، بين تواصل وصراع.

واتفق الحاضرات والحضور على موضوع المقترَح للحلقة الثانية من أﯕورا، كما أخبرهم المسيِّر أن تسيير الحلقات اللاحقة، وإعداد تقارير عنها، سيكون من مهام المتعلم/ة، إذ يتغيى نادي الإبداع والتواصل تكوينه على مهارات كثيرة، إلى جانب تكوينه الفكري والمعرفي، ليكون قادراً على بناء مواقفه وآرائه، والتعبير عنها، والمحاججة عليها، مالكاً حساً نقدياً.

وقد سيَّر نقاش الفوج الأول الأستاذُ جمال بداز، في حين سيَّره، في الفوج الثاني الأستاذ سليمان محمود.

تقرير: الأستاذ سليمان محمود
لجنة الصحافة والإعلام

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد