أمُّنا الأرض و”كُورونا”
أزول بريس – أمنا الأرض بما فيها ومن فيها وهي الطبيعة كلها التي أنجبتنا ورعتنا بعطفها وحنانها ورزقتنا من نعمائها وخيراتها وكانت سببا في تربيتنا ونموّنا مادة وروحا حتى بلغنا تميزنا عن باقي الكائنات الأخرى بعقولنا هذه التي بها قد صنعنا ” الثقافة ” هذه الثقافة التي بها قد صرنا نُؤثر في أمنا تلك ونوجهها ونتحكم فيها ونستغلها لصالحنا وأحيانا نُرغمها على أن تستجيب لمطالبنا وتلبي حاجاتنا المتكررة والمتزايدة ، لكن بفعل التطور الطبيعي لوجودنا ووجود هذا العالم من حولنا كبرنا وكبرت معنا طموحاتنا وصنعنا ما صار يُسمى بالحضارة وها نحن اليوم نكاد نبلغ فيها أوجها ولا نتمنى أن نبلغ فيها الحد الذي ينقلب بنا إلى الضد وتحدث الكارثة وإنما الملاحظ أنه بحكم هذا التطور المستمرّ للإنسان في أبعاده الثلاثة المادي والروحي والاجتماعي قد ازدادت طموحاته واتسعت مجالاتها وظهرت في كثير من الخلق والإبداع في الضروري منه للحياة وغير الضروري الذي تقتضيه فقط الرغبة في تطوير الحياة وتجميلها بكل ما يستجيب لغرائزه ونزواته ورغباته المستجدة . .
الانفجار السكاني :
أمّنا الأرض بفضل نعمائها ورعايتها المتواصلة لنا قد كثر عددُنا حتى كاد يربو على طاقة الأرض الحاملة ما قد جعلها أخيرا تُصاب بالشيخوخة قبل أوانها وتئن وتتألم من ضخامة حملها ويكاد يختل توازنها ما صار يُنذر بحدوث كوارث طبيعية خطرة وكل ذلك بسبب تعنت أبنائها من البشر وعبثهم بها وكثرة التلوث الذي يُحدثونه على سطحها بتلك الصناعات الكبرى وإفرازاتها الدائمة من الغازات الدفيئة والسامة التي أضرت بها وبمحيطها وحتى بغلافها الجوي الذي من مهامه الكبرى حمايتُها وحمايتنا وأي خلل يحدث له هو خطر يهددها ويهددنا ما لم نعمل سريعا على تدارك أخطائنا ونعمل على تعديل الميزان لصالحها وصالحنا مع العلم بأنه لا جديد تحت الشمس – كما يقال – ولا شيء يفنى وإنما كل شيء يتغيّر وأن بيد الإنسان الكثير من القدرة على المشاركة في هذا التغير وما ” الثقافة ” في معناها الكبير إلا وسيلة المرء في التغيير وتوجيه الطبيعة في ما تقوم به من التغيُر .
الإنسان وثقافته :
الثقافة سلاح ذو حدين يمكن أن تكون نافعة للإنسان وللمحيط الذي يعيش فيه كما يمكن أن تكون ضارة له وللمحيط أيضا ، وما محيطنا هذا ؟ أليس هو الطبيعة أمّنا بكل ما فيها ومن فيها ” ؟ وما يبلغ حده قد ينقلب إلى ضده ” كما يقول المثل العربي المتداول عندنا .
وثقافة الإنسان تظهر في كل ما يفعله وما يفكر فيه وما يُنجزه في مختلف مجالات حياته وفي علاقته بالطبيعة في مختلف أبعادها ، وإنه بهذه الصناعات الكبرى وبإنشائه لتلك المعامل والمصانع أحيانا على غير هدى فقط لتلبية حاجاته وطموحاته المتزايدة في التطور وتحقيق المغانم والأرباح الطائلة يكاد يُفسد في أمه تلك ملامحها ويشوّه فيها زينتها وجمالها ويكاد يعبث ببراءتها ما جعلها في الأخير حزينة مكتئبة وها هي الآن قد صارت مريضة متألمة ومرضها كله بسبب ما فعله بها أبناؤها الذين قد عاثوا فيها فسادا ولم يُحسنوا التعامل معها رغم تنبيه عديد القمم والمؤتمرات التي التأمت من أجلها وتوصياتها المتكررة لهم لاتخاذ الحيطة والحذر من التلوث الذي يُحدثونه في محيطها ومما يمكن أن تلقه هي وهم معها من سوء العاقبة وللذكر لا الحصر مؤتمر كوبنهاقن ومؤتمر مراكش وبالخصوص منها جميعا مؤتمر باريس ألذي أفضى إلى ما صار يُعرف ب “” اتفاق باريس “” حول المناخ الذي يشتمل على التوصيات الضرورية لما يجب أن تلتزم به جميع الدول الغنية منها والفقيرة ،المصنعة منها وغير المصنعة لحماية الأرض والإنسان من سوء العاقبة وقد أمضت عليه كل الدول المشاركة لكن _ مع الأسف _ لم تتقيد به على أرض الواقع العديدُ من تلك الدول وبالخصوص منها الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلنت صراحة عن انسحابها من ذلك الاتفاق لاحقا مع العلم أنها تُعتبر من أكثر الملوثين للمحيط في العالم ومن أكثر المتضرر ين منه حاضرا ومستقبلا .
سوء العاقبة أو كورونا الجائحة :
المعروف في الفيزياء أن لكل فعل ردّ فعل من نوعه وتلويثُ المحيط الطبيعي من طرف الإنسان عن قصد أو عن غير قصد منه لابد أن تكون له آثاره السيئة وعواقبه الوخيمة على الأرض وعلى هذا الإنسان ذاته وإن النفايات والفضلات والمزابل المتراكمة هنا وهناك بسبب أو بآخر لابد أن تكثر حولها الحشرات والجراثيم بأنواعها المختلفة ومن المحتمل أن تظهر في هذا الخليط عند تعفنه أنواع من المكروبات وربما أيضا أنواع من الفيروسات المستجدة غير المكتملة والباحثة بيولوجيا عن اكتمالها في أي موقع للاستمرار في حياتها بأية طريقة ممكنة مثل هذه الفيروسة المستجدة المسماة ” كورونا” الحادثة أو المستحدثة في هذه الأيام من هذه السنة العشرين من القرن الواحد والعشرين والهائمة في فضاآت العالم كله بحثا عن مرتع خصب لها في الكائنات البشرية الضعيفة في مناعتها والمتواجدة فيه منذ زمن بعيد لتسرح في خلاياها وتعيش بها حتى تقتلها أو تقتلها وحتى تموت بها أو تموت بها ( هي معركة والغلبة فيها للأقوى )، هكذا هي مسيرتها الحياتية كما يُخبرنا عن ذلك المختصّون من العلماء في هذا النوع من الكائنات الدقيقة المعروفة بالجراثيم والتي هي أنواع منوعة تكاد لا تُحصى في عددها وفي نوعياتها ،ويمكن بالتالي اعتبار هذه الجرثومة الوباء كرد فعل طبيعي لما كان يقوم به الإنسان من تخريب وتدمير لأمه الطبيعة وهو يدري أو وهو لا يدري أو لنقل هو انتقام للأرض من البشر الذين لم يُحسنوا التعامل والتفاعل معها بالطريقة المثلى ، الطريقة المناسبة والملائمة لكل منهما بما يجعل كلا منهما محافظا على توازنه المطلوب دائما و( حتى لا يجوع الذئب ولا يفنى الغنم ) كما يقول المثل العربي القديم .
الفحص ومحاولة البحث عن العلاج :
إذن ومن خلال المشاهدة لما وقع نُلاحظ أن المريضة في الحقيقة هي الطبيعة أمنا وهي التي كانت ولا تزال تعاني من داء يشبه الوباء منذ مدة طويلة دونما انتباه كاف لها من لدننا والداء الحقيقي هذا أو المرض العضال الذي أصابها هو نحن البشر الذين عثنا فيها فسادا واستهلكناها بعنجهية دون رحمة أو شفقة ، أما هذه الجرثومة أو الفيروسة المسماة ” كورونا أو كوفيد 19 ” فهي في إطار حوادث الطبيعة الجارية الدواءُ الذي قد ظهر ليُنقذ الأرض أمنا والطبيعة كلها من هذا الداء الذي أصابها وذلك بالتخفيف شيئا فشيئا من عدد سكانها هؤلاء الذين طغوا وتجبروا ولم يبالوا بأمهم التي أنجبتهم ورعتهم ومن لبنها أرضعتهم وفي بيوتها أسكنتهم ومن خيراتها أطعمتهم وسقتهم …
ولسنا هنا في حاجة ضرورية إلى تفسير ما هو واقعي بما هو غيبي إذ ليس هناك أي وجه شبه بين ما هو خيالي وما هو واقعي إلا في المعتقد .
عبد اللطيف بن سالم
التعليقات مغلقة.